الثورة الشعبية الرائعة في52 يناير لن تصل إلي أهدافها المرجوة مالم يكن لديها قوة تحميها وصوت يدافع عنها ويحمل أمانيها, واليوم فان ارادة الجماهير في الحرية والعدالة والتخلص من الفساد توفر للثورة الدرع التي تحميها إلا أن الاعلام مازال بحاجة إلي أن يتطهر من ميراث دولة الفساد, وفي هذه اللحظة لن يكون كافيا مجرد رحيل الوجوه القديمة, بل الأهم هو تفكيك بنية الفساد التي حكمت الاعلام العام والخاص. فلقد جري السماح من أباطرة الفساد في النظام القديم بكسر كل المعايير المهنية, وجري الاختيار علي اساس الولاء لا الكفاءة, كما جري اشراك الوجوه الاعلامية في لعبة الفساد ناهيك عن دسائس الأمن. ولعل أخطر ما جري هو كسر مسألة الولاء الواضح والصريح للمؤسسة الاعلامية التي يعمل فيها رجال الكلمة, وجرت أخطر عملية افقار ممنهج لرجال الاعلام والصحافة ليس فقط علي مستوي الدخول بل الكفاءة المهنية والتدريب. وفي المقابل جري فتح ابواب الفساد علي مصراعيه أمام هؤلاء سواء في صورة العمل في اكثر من مؤسسة في ذات الوقت, أو الارتباط بأجهزة حكومية أو شركات خاصة أو عمولات سمسرة من أجل تسهيل الصفقات. وما كان يحدث في الاعلام الحكومي انتقل الي الاعلام الخاص, فقد كان لكل منهما أبقاره المقدسة التي لا يمكن الاقتراب منها. ولذا فلقد رأينا محطات فضائية وصحفا خاصة تخدم بلا خجل علي أجندة ومصالح صاحب المحطة او الجريدة, والغريب أن هذه النوافذ الاعلامية كانت تملأ الدنيا صراخا عن نهب أراضي الدولة وزواج المال والسلطة إلا أنها للأسف الشديد لم تلاحظ شيئا من هذا كله يتعلق بأصحاب المحطة أو الجريدة. كما أن كل الحديث عن الشفافية والطهارة تبخر بمجرد الاقتراب من البيت الذي يقيمون فيه. وهذا كان الأمر نفسه فيما يتعلق بالاعلام الحكومي وزمرة المدافعين عن الفكر الجديد بالحزب الحاكم, فهؤلاء لم يروا سوي أن الحياة وردية وأن مصر تمر بأعظم لحظات في تاريخها. ولم يتمكن الاعلام الخاص الذي يملأ الدنيا ضجيجا الآن من أن يسقط حالة واحدة من حالات الفساد الصارخ, بل جري ترويضه وابتزازه وانتهي الامر بقبوله قواعد اللعبة نظرا لأن المالكين كانوا شركاء في لعبة الفساد مع النظام, كما أن البعض ممن تصدروا المشهد الاعلامي كانت لهم مصالحهم الصغيرة من فتات الفساد التي حرصوا عليها, وفي المقابل أداروا جميعا سيركا عبثيا يتحدث عن الشفافية وطهارة اليد بينما كان المسرح كله يعج بالفساد. ولذا لم يكن غريبا أن تندلع الثورة, وبات الآن ملحا تطهير الاعلام ووضع قواعد لعبة شفافة بشكل حقيقي هذه المرة!