كان ولايزال إحساسي بالقلق علي مصر يساورني لتقديري أن مسارها لايزال غير ممهد, وقد بدأ إلحاح هذا الشعور يقلقني بصورة حادة منذ كارثة الانتخابات التشريعية لعام2010 والتي ضربت عرض الحائط بكل أنماط الفكر السياسي السوي, واتبعت القيادة أسلوب البلطجة السياسية. وتوقعت والله شهيد أن هذا النمط من التعامل مع الشعب المصري لا يحمل سوي معني واحد وهو توريث الحكم بالعافية نظرا لانعدام الارادة السياسية للشعب.. ولم يكن أمامي سوي قلمي أعرب به عما يجيش في صدري, زعما مني أن من رأي منكرا فليدفعه بقلمه حتي لا يشعر يوما بغصة في نفسه أنه كان أضعف من أن يقول رأيه. فكتبت في3 يناير2011 مقالا هاجمت فيه انفراد الحزب الوطني بمقاعد مجلس الشعب موضحا أن المفتاح الأساسي لأي نهضة مصرية يلزم أن يبدأ بنظام ديمقراطي تعددي حقيقي وفي17 يناير2011 أوضحت في مقال آخر أن مصر مستهدفة لتمزيق نسيجها الوطني, والعمل علي تقليص الدور المصري كقوة إقليمية مركزية, وأن الحزب الأوحد يقود لاحساس المواطنين بالغربة داخل وطنهم, ولا بديل إلا بفتح الطريق أمام تحقيق الديمقراطية التعددية الحقيقية في اطار دولة مدنية. وعندما جاءت صحوة الشباب وكبر محيطها وقطرها حتي أصبحت ثورة شعبية كاملة الأركان عشت لحظة النشوة بالانجاز الذي لم أكن أحلم بأن أعيشه في حياتي, كما ولا كنت أجرؤ علي مجرد تمنيه.. وتعالت طموحاتي وآمالي بما يمكن أن تنجزه هذه الثورة بالنسبة لمصرنا الحبيبة. وأفقت في لحظة داهمة لم تبدأ كما يتصور البعض بمعركة الجمال لتقديري أن هذه لعبة غير محترف في لحظة غفلة ولكن شعرت برعشة الخوف علي الثورة الوليدة عندما انسحبت الشرطة من الميدان وفتحت الزنازين والسجون للمجرمين, وحرقت أقسام الشرطة, وسلمت الأسلحة لمحترفي الإجرام والبلطجية.. هنا شعرت بأننا قد دخلنا في جولة مع محترفين يعرفون ماذا يفعلون, ويسعون إلي اختزال الثورة بتفشي عدم الأمان في الشارع المصري, وتمكين البلطجة والجشع والاجرام ليحلوا محل الأمن. وتحول منهجي التحليلي من التفكير في منجزات الثورة الشعبية الوليدة إلي تقدير مايمكن أن يحيق بها من محترفي الاجرام والشر. وكان ماهز وجداني أن الثورة الشعبية كانت تسير في طريق والمخطط المناوئ لها والذي صيغ باحترافية ودهاء يسير في طريق آخر لم يحسب له حساب, أو يخطط لملاقاته فالثورة الشعبية تعلي من سقف مطالبها حتي بعد تخلي الرئيس السابق حسني مبارك عن اختصاصاته للقوات المسلحة علي القيادة العليا للقوات المسلحة التي تقدر صعوبة مهمتها لغياب الأمن ولعدم قدرتها علي فرض الأمن بمفردها وبمحددات وضعها في الميدان للاستجابة لما تطرحه جماعات شباب الثورة من طلبات.. أما محترفو الاجرام من الجماعات المناوئة فكانوا يسعون لإشعال الفتنة بين ثورة الشباب الشرفاء المسالمين والقوات المسلحة, ففي الوقت الذي كانت فيه قيادة الجيش تقدر أهمية رأب صدع الموقف الأمني بأسرع مايمكن لعودة الأمور إلي نصابها الطبيعي, وفتح المجال أمام إعادة دورة الحياة الطبيعية للبلاد, كانت الجماعات الشيطانية المناوئة تمارس فنونها لتأليب المواطن المصري علي الثورة الشبابية.. فقد قامت بدور فاعل في إزكاء تزايد الاعتصامات في العديد من القطاعات المهنية بل الطلابية ومنها من طالب بإقالة رئيس الجامعة وعمداء الكليات بهدف تجميد مسار الحياة في الشارع المصري. وجاءت الكارثة الكبري عندما تفجرت الفتنة الطائفية في هدم كنيسة القديسين بصول في اطفيح, ومظاهرة الاخوة الأقباط المسيحيين أمام مبني التليفزيون بماسبيرو, ثم تفجر فتنة المقطم والدويقة ومنشأة ناصر, ومانتج عنها من مقتل13 وإصابة140 وتفشي حالة الفتنة الطائفية في العاصمة المصرية, وتوافقها مع حرق مستندات مباحث أمن الدولة بمعرفة مسئولي أمن الدولة بتعليمات من قيادات لهم.. هنا بدا واضحا أن أركان حركة محترفي الإجرام قد أصابت هدفها في غيبة من إشراف ثورة الشباب البواسل: فالمناوئون لثورة الشباب قد قفزوا علي إنجازات شباب الثورة, وسعوا الي حرق أعلامهم, وتمكنوا في لحظة فارقة من إخماد جذوة الثورة واستبدالها بحالة تفسخ في النسيج الوطني المصري, لإغراق مصر في حالة من الفوضي الداهمة. وجاءت اللحظة الفارقة عندما أمسكت قيادة القوات المسلحة بمقود الوضع وتبين لها آفاق المخطط الشيطاني الذي تسعي القوي المناوئة للثورة لتحقيقه وتعاونت معها قيادات الحكومة الجديدة التي اختيرت بناء علي رغبة شباب الثورة للتصدي لهذا التيار, وبدأ التصدي لهذه الحملة الشيطانية بقوة أتمني أن تدوم وتفلح. والآن, جاءت لحظة المصارحة الصادقة لشباب الثورة الشريف, لنقول إننا لا ننكر لهم ماأنجزوه بإشعال هذه الثورة التي أزاحت عن صدرنا كابوسا كاد يخنقنا ولكن لكل مقام مقال ولكل فعل رد فعل, وأن ماتعبره مصر في هذه اللحظة الفارقة يجب أن نتحسب له.. فقد بدا واضحا لكل مراقب مدقق أن هناك مخططا ينفذ علي الأرض يهدف إلي إجهاض الثورة الشبابية, وأدواته هي إشعال حريق طائفي وأمني واقتصادي ومالي, وخلافه.. ليشعر المواطن المصري بحالة من الرفض للوضع الراهن, مع اللعب بأسلوب تآمري للنيل من العلاقة المقدسة التي تربط بين الجيش والشعب.. فهل نتدارك هذه الآثار قبل أن تتفاقم؟ علما بأن الموقف لا يحتمل التخمين بل التصميم علي التصدي لمخطط أعداء الثورة الشيطاني, وأهدافهم التي تسعي إلي تقطيع اطراف المجتمع المصري وفتح بوابات البلطجة والإجرام, ثم الفتنة الطائفية, لإيجاد حالة من عدم الاستقرار المجتمعي.. ولنهدف بحق إلي تكاتف الأيادي بقوة إلي بناء أركان الديمقراطية التي سوف تأخذ وقتا حتي تنضج في ضميرنا ووجداننا ويحميها إحساسنا الدافق بأننا نسير علي طريق الحق والديمقراطية والمواطنة المصرية الحق. المزيد من مقالات محمود شكري