فيما يمكن ربطه بدراسة إسرائيلية حديثة تتحدث عن خطط مستقبلية لضم أراض من سيناء لقطاع غزة, اعلنت الحكومة المصرية منذ ايام إسراعها في تفعيل خطط تنمية سيناء, وهي خطوة بكل تأكيد علي الطريق الصحيح, مع مراعاة ان التصدي الشامل لهذه المخططات المتكررة يستلزم منا فهما كاملا لمواقف القوي الدينية وانصارها في إسرائيل ازاء مصر. نظرا لان قوة الحركات اليهودية الدينية المتطرفة تتنامي داخل إسرائيل يوما بعد يوم, ومن غير المستبعد ان يحدث قريبا تقاطع مصالح بين المتشددين العلمانيين والمتشددين المتدينين في إسرائيل, فقد تابعنا منذ ايام وزير الخارجية العلماني المتطرف افيجدور ليبرمان يهدد دمشق من داخل جامعة تابعة للتيار القومي الديني في إسرائيل مع الأخذ في الاعتبار ان تلك الجامعة هي نفسها التي خرجت قاتل اسحق رابين, اي ان المناخ هناك مهيأ لافراز من يقودون للعنف الدموي, وعلي هذا نري ضرورة الاهتمام بطرح وتحليل التوجهات الايديولوجية للمعسكر للمتطرف دينيا في إسرائيل امام الرأي العام وصناع القرار, قبل ان يأتي لنا لأول مرة في إسرائيل رئيس وزراء متدين يعتمد علي زيادة معدلات الانجاب بين المتشددين دينيا في إسرائيل وبالتالي زيادة اعداد ممثليهم في الكنيست. تتلخص ابرز توجهات العقلية اليهودية المتشددة في إسرائيل تجاه مصر في سعي تلك العقلية لربط الماضي بالحاضر, بل ولي عنق الحقيقة لتصوير مصر علي انها عدو ابدي لايمكن التصالح معه.. ويتجاهل انصار التشدد الديني اليهودي بالطبع ان مصر هي مهد سيدنا موسي, وانها احتضنت بني إسرائيل بين كنفيها بكرم حاتمي, وكما يقول الانجيل فقد تهذب موسي عليه السلام بكل حكمة المصريين اعمال الرسل227 كما يتجاهل المتشددون في إسرائيل ان المصريين يفرقون دوما بين اليهودية كدين وبين الصهيونية كمذهب سياسي, اغتصب الارض وارتكب المذابح, وبالتالي فقد كانت العلاقة بين مصر واليهود داخل مصر أو حتي في فلسطين قبل ظهور الصهيونية واستفحالها وانكشاف مخططاتها علي ما يرام, فلم يكن في مصر اي عداء لليهود وانما كان فيها ولايزال عداء شديد للصهيونية. وتتسم مواقف اليهود المتشددين دينيا في إسرائيل بالتشنج ضد مصر لان مصر مرتبطة في اذهان غالبيتهم بالضربات العشر, التي تعرض لها بنو إسرائيل, حتي حررهم الرب واخرجهم من ارض مصر علي الرغم من ان اعدادا من اليهود بقت في مصر وبعد دخول الإسلام مصر, وبسبب التسامح الذي اتسمت به مصر تجاههم خالف اليهود وصية التوراة لهم, بألا يعودوا ثانية لمصر. ولايزال في إسرائيل من يربط بين الموقف الذي تبنته مصر منذ عام1995 بشأن الاسلحة النووية الإسرائيلية والمتمثل في ضرورة نزع الاسلحة النووية من جميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل, وبين الجدل الشهير الذي وقع بين موسي عليه السلام وفرعون في عصور ما قبل التاريخ, ومن هؤلاء موشيه ايشون رئيس التحرير السابق لصحيفة هتسوفيه حيث أكد ان هذا الموقف هو امتداد طبيعي لذلك النزاع التاريخي, مما يدل علي خلط اليهود المتشددين دينيا في إسرائيل بين الماضي والحاضر بهدف تشويه الواقع أو التخويف منه. ومفكرو تلك القوي المتشددة ينظرون لمصر في هذا الإطار كمصدر تهديد عسكري. مطالبين اياها بالتخلي حتي عن الاسلحة التقليدية الحديثة, واي تجهيزات في البنية التحتية قد تستخدم في نقل الجنود بسرعة لسيناء. كما تنظر القوي الدينية الإسرائيلية المتشددة لمصر دوما كأحد الاغيار الخطرين الذين يهددون إسرائيل ب الذوبان وترك اصول الشريعة اليهودية, وتري ان التنسيق مع مصر والاستماع لمشورة قادتها امر لايجب اعطاؤه اولوية, لان مصر وسيط غير نزيه, وباعث علي كراهية إسرائيل ورفض التطبيع, والشرق أوسطية, واقامة علاقات بين إسرائيل ودول المنطقة, وفي هذا الإطار تسعي لاضعاف إسرائيل بشتي الوسائل المتاحة الدبلوماسية, والاقتصادية, والإعلامية.. الخ وعلي هذا تري القوي الدينية اليهودية المتشددة في إسرائيل ان الحل هو العودة للشريعة اليهودية والاعتماد علي النصوص الدينية التي تدين مصر الفرعونية, ورفض الضغوط المصرية فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين لان القوي الدينية تري انه يتوجب علي مصر ان تكون وسيطا محايدا بين الضحية والجلاد! وهذا مايفسر تراجع الحاخام الأكبر السابق والزعيم الروحي لحزب شاس عوفاديا يوسف عن مواقفه المرنة التي اعلنها في اعقاب مقابلة الرئيس حسني مبارك في القاهرة عام1989 خاصة وقد هاجمه الكثيرون, لقوله إن الانسحاب من اجزاء من ارض إسرائيل, مباح حسب الشريعة اليهودية, اذا كان الهدف هو انقاذ ارواح بشرية. وتجدر الاشارة إلي وجود اقلية من اليهود المتدينين توافق علي التعاون مع مصر ضد العلمانيين الكفرة الذين اسسوا دولة إسرائيل قبل ان يأذن بذلك الرب. وبشكل مواز تري القوي اليهودية المتشددة في إسرائيل ان السلام مع مصر حاليا سلام بارد, ومستقبله غامض, حيث يمكن ان ينهار في اية لحظة خاصة في ظل مساندة الفلسطينيين, وتحريض وسائل الاعلام ضد اسرائيل, وتري انه من المفيد التذكير بالعداء التاريخي بين مصر وبني إسرائيل مع اسقاط هذا علي مجريات الاحداث المعاصرة. تفعيل المخططات الإسرائيلية المستقبلية تجاه مصر بشكل عام وسيناء بشكل خاص سبق وان تم تسريبه لوسائل الاعلام الإسرائيلية مرارا كبالونات اختبار أو محاولة لتكييف الأوضاع والتمهيد التدريجي, ولايجب الاستهانة بمثل هذه التسريبات التي قد تمهد الطريق امام الأكثر تطرفا ازاء مصر حال وصولهم للسلطة, لذا يجب ان نضع سيناريوهات مستقبلية لمواجهة اي احتمالات قد تلوح في الأفق لانه من غير المستبعد ان تتغير المواقف الإسرائيلية الرسمية ازاء مصر حال حدوث تحالف جديد بين المتشددين دينيا والعلمانيين في إسرائيل, أو بعد سيطرة المتشددين دينيا علي عدد مؤثر من مقاعد الكنيست, دعونا نستنفر الهمم لتقديم خريطة معرفية شاملة ومستحدثة لمواقف التيارات الداخلية لإسرائيل تجاهنا تراعي جميع الاحتمالات, وترسم تصورا لسبل التعامل معها. مدرس العبري الحديث بجامعة الإسكندرية المزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور