قبل25 عاما كان ظهور حالة سرطان كبد يعد حالة نادرة يجتمع حولها كل أطباء الباطنة والكبد بقصر العيني, ومن المؤكد أن ذلك كان واقع الحال في كل المستشفيات الجامعية وتلك التابعة لوزارة الصحة في مصر. وبعد أن كان أطباء معهد الأورام يشاهدون حالة كل عدة أشهر, اليوم يمكنهم بسهولة حصر100 حالة جديدة كل شهر في العيادات الخارجية لمعهد الأورام فقط, وهو في سبيله لتجاوز سرطان الرئة, ومن كل100 حالة سرطان كبد جديدة في معهد الأورام يتم وفقا لتأكيد الأطباء استبعاد فرص العلاج نهائيا لنحو%30 و%5 فقط من هذا العدد يتم الاستئصال الجراحي لهم بهدف الشفاء, لكن لايشفي منهم أكثر من1 2% فقط, مما يعني أن الحالات غالبا تأتي في مرحلة متأخرة من المرض. وهكذا انتقل سرطان الكبد من المرتبة الثانية عشرة بين الأورام التي تصيب المصريين إلي صدر قائمة السرطانات بين الرجال بسبب فيروسات الكبد والمبيدات المسرطنة, حتي اننا سنواجه بعد10 سنوات من الآن بنحو400 ألف حالة إصابة سنويا.. ومنذ أكثر من10 سنوات وأساتذة علاج الأورام أرسلوا تقريرا موسعا إلي رئيس جامعة القاهرة وإلي الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب والذي تكتم علي التقرير في أدراج مكتبه بدعوي أن إخراجه آنذاك سيفتح الباب لمحاكمة الكثيرين من أركان النظام البائد, ونحن نطالب اليوم باستخراج هذا التقرير واعتباره سندا ضمن ملف ضخم عنوانه محاسبة من أفسد وتآمر علي صحة المصريين بجلب المبيدات المسرطنة والمحظورة دوليا وقد حذر أساتذة الأورام في تقريرهم من أنهم يرون انفجارا غير مسبوق في معدلات الإصابة بالأورام في مصر وتزايد الاصابة بأورام بعينها كانت تمثل حالات نادرة في الماضي, ومن أخطرها سرطان الكبد بسبب المبيدات المسرطنة التي تشير أصابع اتهامات كثيرة إلي أنها بدأت في عهد تولي يوسف والي وزارة الزراعة, واستمرت حتي زمن أمين أباظة, كما تزايدت معدلات الاصابة بأورام الشرج والقولون بصورة لايمكن إنكار مسئولية تلوث نهر النيل بمخلفات المصانع ومياه الصرف الصحي, ففي حين تبلغ نسبة الاصابة في أسوان%6 للمرضي أقل من45 عاما, ترتفع إلي%40 في دمياط!!.. وفي الوقت الذي أوقف فيه العالم كله صناعة الاسبستس والسيراميك مازالت قائمة في مصر, إذ يؤكد الدكتور مصطفي منيع أستاذ جراحة الأورام ورئيس الجمعية المصرية لجراحة الأورام, ان ملوثات المياه والقمامة تعد سببا في انتشار الفيروسات وتؤدي في النهاية لأورام الكبد, التي تتزايد حاليا بدرجة واضحة, وبعد ان كانت في المرتبة ال12 قبل نحو20 عاما, اليوم تتصدر قائمة أورام الرجال, ويري ان ذلك مرتبط ارتباطا وثيقا ببدء استخدام الأسمدة المسرطنة في مصر خلال15 20 عاما الماضية, مؤكدا اننا سنظل نعاني من تزايد هذه الأورام لعقود طويلة قادمة لأن هذه المبيدات تظل لسنوات طويلة جدا في التربة, ويضرب مثلا علي تزايد معدلات الاصابة بالسرطان, بقوله إن حالات سرطان المستقيم كانت تحتاج إلي10 أو20 أو50 عاما لحدوث هذا النوع من الأورام, لكنها اليوم تحدث بين الشباب في سن مبكرة, وهنا يكون التلوث في الماء والغذاء هو السبب الأول وراء ذلك. ويسوق الدكتور مدحت خفاجي أستاذ جراحة الأورام بالمعهد القومي للأورام مثالا علي مسئولية أطنان الملوثات من مخلفات المصانع ومياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي التي تلقي في مياه النيل, والتي يحصرها تحديدا في367 مصدرا عن تزايد معدلات الإصابة بأورام الشرج والقولون, ففي حين تبلغ النسبة في أسوان6% للمرضي أقل من45 عاما, ترتفع إلي40% في دمياط, وتشكل نسبتها إجمالا30% من معدلات الأورام بين المصريين, ويدعو إلي تحليل مياه النيل أمام السد العالي للكشف عن معدلات المعادن الثقيلة والبكتيريا فيها, مقارنة بقياسات علمية دقيقة مماثلة في دمياط ورشيد. ويحذر الدكتور خفاجي من اننا سيكون لدينا بعد10 سنوات400 ألف حالة سرطان كبد سنويا, حيث تشير الإحصاءات إلي اصابة3 5% كل سنة بسرطان الكبد من المرضي المصابين بالفيروس سي, وهي كارثة ستكلف مصر المليارات, ما لم يتم التحرك من الآن, علي الأقل للوقاية من تزايد الإصابات بفيروسات الكبد. ويقول الدكتور منير أبوالعلا أستاذ جراحة الأورام بالمعهد القومي للأورام إن سرطان الثدي الذي يصيب غالبا المصريات في العقد الرابع من العمر, يتأخر10 سنوات عن هذه السن بين النساء في الخارج, وفقا لما ذكره الدكتور منير أبوالعلا, كما أن30% من حالات سرطان الشرج والقولون تحدث بين المصريين في سن أقل من45 عاما, في حين أن الاصابة بهذا النوع من الأوارم في هذه السن لاتتجاوز6% في دول الغرب, بسبب تلوث الغذاء بالمبيدات, كما أن لدينا أكبر نسبة إصابة بأورام الكبد في العالم بين الرجال بالنسبة لعدد السكان ومعدلات الإصابة, يليه سرطان المثانة, الذي تراجعت معدلاته ونوعيته بسبب حملات التوعية بالبلهارسيا, فهناك نوعان من المسببات لسرطان المثانة, كانت البلهارسيا تمثل80% منها, وال20% الباقية لأسباب لا علاقة لها بالبلهارسيا, وهي السبب الغالب في دول الغرب, أما اليوم وبعد20 عاما من حملات التوعية أصبحت البلهارسيا لا تمثل أكثر من25% من أسباب سرطان المثانة, في حين تشكل الأسباب الأخري نسبة65 70% من الأسباب. ولكن ما هو الحل؟ يطرح أساتذة علاج الأورام حلولا عاجلة وأخري آجلة, ومن الحلول العاجلة انه يجب عمل تحليل دم بطريقة عشوائية بين الأطفال الذين يخضعون لحملات تطعيم في المدارس, لرصد نسب الإصابة بفيروسات الكبد بينهم, ثانيا وضع مواصفات قياسية لعادم السيارات يكون مطابقا للمواصفات الأمريكية والأوروبية, والتوقف نهائيا عن الصرف الصحي ومخلفات المصانع في مياه النيل وتحويلها بطرق علمية حديثة إلي الصحاري. ومن الحلول العاجلة توعية الناس بتعديل عاداتهم الغذائية, وهنا يحذر الدكتور خفاجي علي مسئوليته من خطورة تناول أسماك بحيرة قارون ويراها مسببة للسرطان لأن بها نسبة عالية من المعادن الثقيلة بسبب التلوث. أما الحلول الآجلة, فيراها خبراء علاج الأورام في أهمية تخصيص مبالغ للأبحاث العلمية من ميزانية صندوق التنمية العلمية والتكنولوجية التابع لوزارة البحث العلمي, وذلك لتحليل اللحوم والخضراوات والفاكهة كمنتج نهائي عند الباعة, وتحليل الزيوت المستخدمة في مطاعم الفول والطعمية لقياس نسبة مركبات الدايوكسين المسرطنة بها, ورصد الافلاتوكسينات المسرطنة بسبب التخزين الخاطئ للحبوب والبقوليات والفول السوداني وزيوت القلي والامتناع نهائيا عن شراء أقماح ملوثة بها.. لكن الأخطر والأهم من ذلك هو الامتناع نهائيا عن استيراد أي مبيدات محظورة دوليا, مع فتح تحقيق كامل لتحديد من اتخذوا قرارات علي مدي30 عاما باستيراد هذه المبيدات إلي مصر لتقديمهم للعدالة..