نائب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الانسان ربما كانت الأنظار تتوجه بالكامل الي عملية الاصلاح السياسي الضرورية لتتويج مكاسب ثورة الخامس والعشرين من يناير. لكن مكاسب الثورة لن يكتب لها الاستمرار حتي في جوانبها السياسية مالم نفكر من الآن في كيفية تحقيق نهضة اقتصادية حقيقية تنقذ البلاد من عثرتها الاقتصادية وتفتح امامها آفاق الازدهار الاقتصادي. لقد تسببت الطبقة الفاسدة التي هيمنت علي الحكم في النظام السابق واحتكرت السوق الاقتصادية المشوهة في المأزق الاقتصادي الذي كان اهم اسباب انفجار الثورة. لقد انتهت هذه الطبقة مخلفة فراغا اقتصاديا يتطلب فكرا جديدا خلاقا يسعي الي تجاوز الازمة الراهنة, بوضع الافكار الجديدة لمعالجة الازمة الاقتصادية والتوجه الي التنمية الشاملة. وقد كانت ممارسات هذه الطبقة امتدادا محليا لممارسات طبقات مماثلة سادت في مختلف دول العالم وتسببت في الازمة المالية الدولية التي لاتزال آثارها السلبية تتفاعل حتي اليوم. وبرغم هذه الازمة فالمؤكد انه لامجال للتنمية الاقتصادية في عالم اليوم الا بالاعتماد علي قوي رأسمالية خلاقة محلية بالاساس تقود عملية التقدم, في ظل اسواق مفتوحة دوليا, تتحكم فيها منظومة من الاتفاقات والمنظمات الدولية التي لاتكاد تعترف الا بنظام اقتصاد السوق. وتقديرنا ان الصف الثاني من الرأسماليين المصريين مؤهل للقيام بهذا الدور. متسلحا بحقيقة انه لم تلوثه ممارسات الفساد والاحتكار السياسي والاقتصادي للطبقة الزائلة, وان اكثر عناصره قد حاولت تأسيس اصول رأسمالية حقيقية في مختلف المجالات, وان ثورة الخامس والعشرين من يناير قد منحته فرصة تاريخية لدراسة جميع التجارب الرأسمالية في مصر منذ انجاز ثورة9191 وحتي اليوم. هذا الصف ينبغي ان ينهض لواجبه الجديد والامساك بفرصته السانحة لتأسيس رأسمالية وطنية مصرية وعربية تقوم بدورها الحقيقي في انشاء دولة مدنية حديثة تتخذ مكانها في قلب النمور الناهضة في عالم اليوم ونقترح التفكير في الاسس الاتية: 1 ان وظيفة الدولة الجديدة يجب ان تنقسم الي دورين متوازيين هما حماية الفقراء وضمان الحد الادني لحياة كريمة لهم طبقا للمواثيق الدولية لحقوق الانسان, وحماية الاستثمار النظيف ودعمه بكل السبل المشروعة والتي لاتتغول علي حقوق الفقراء. 2 ان المهمة الاولي للنهضة الجديدة هي الزراعة والتصنيع, وهو يتأتي بتكوين اصول رأسمالية جديدة وليس بتشجيع عمليات الخصخصة غير الشفافة, بل ولايتعارض مع الدعوة الي نشوء قطاع عام جديد يقف الي جانب القطاع الخاص جنيا بجنب لقيادة عملية التنمية., بل ان الرأسمالية الجديدة يجب الاتمانع في وقف عمليات الخصخصة تماما. 3 علي ذلك فنحن في حاجة الي تفكير علمي يقوم علي معلومات صحيحة, وآليات اقتصادية وقانونية تكفل السلامة الاقتصادية والشرعية القانونية للتحرك الرأسمالي الجديد بما في ذلك كيفية التعامل مع الاصول المالية المتخلفة عن تداعي الطبقة الفاسدة السابقة وفقا للاساليب التجارية العادية بعيدا عن اساليب المصادرة العامة حتي لو كانت ذات طابع جنائي بحت. وقد تكون هذه العملية فرصة لإعادة الحياة للبورصة المصرية من جديد, مع الوضع في الاعتبار ان إيجاد اصول رأسمالية جديدة سوف يكون هو الاصل في عملية النهضةالرأسمالية الجديدة وليس مجرد اعادة تدوير وتمويل الاصول القائمة من خلال البورصة, او تخليق ثروات وهمية من خلال عمليات المضاربة في الاراضي. 4 هذا التفكير ينبغي أن يضع حلولا عاجلة وآجلة لقضايا من عينة كيفية التعامل مع بقايا الأصول الرأسمالية للطبقة الزائلة حتي لاتضيع هدرا بالإهمال أو تؤول غدرا الي مجموعة جديدة من الذين يجيدون انتهاز الفرص لوضع اليد علي الممتلكات التي لم تعد تلزم اصحابها. كذلك كيفية جلب استثمارات جديدة وعلي الاخص عربية وماهي المجالات التي يمكن ان تجذب هذا الاستثمار علي الاخص فيما يخص اكثر القطاعات تأثرا بالاحداث الاخيرة والتي ربما تكون اوفرها حظا لتحقيق ارباح جاذبة. كذلك فان افكارا خلاقة حول وسائل تحقيق المسئولية الاجتماعية للرأسمالية المصرية والتزامها الاخلاقي بواجباتها الوطنية علي الأخص فيما يتعلق بالعدالة الضريبية ينبغي ان تكون في صدارة التفكير. إن قيام مجموعات تفكير لتقديم كافة الحلول والبدائل السياسية والدستورية والقانونية والاقتصادية وبلورة قيادات ورؤي وأفكار ومؤسسات جديدة في جميع المجالات المتقدمة, قد أصبح أمرا حتميا لايصلح له إلا أولئك الرجال المحترمون الذين لاتحركهم إلا الروح الوطنية العامة التي أسست لها ثورة يناير دون ان يتوقفوا كثيرا أمام الصخب الناشئ عن انهيار النظام السابق او المصاحب لقيام نظام جديد. قيادات بعيدة بمسافة ما عن أي تحيزات أيدلوجية أو اجتماعية تعوق حريتها في الابداع اللازم لقيادة المرحلة المقبلة. إذا أمكن التحام مثل هذه المجموعات فنقترح ان تحمل عنوان الرأسمالية النظيفة وهو عنوان نراه مناسبا لما يحتاجه الوطن اليوم بديلا عن نمط من رجال الاعمال السابقين الذين لم يمتلكوا ادني قدر من خصائص الرأسمالية الحقة. وهو عنوان يتواصل مع عناوين أخري كانت مناسبة في ظروفها التاريخية مثل مصطلح الرأسمالية الوطنية في ستينيات القرن الماضي, واصطلاح الرأسمالية الاجتماعية الذي اطلقته جمعية النداء الجديد في تسعينياته. وهي مصطلحات لم تحقق أهدافها في حينها لاسباب لامجال للخوض فيها الآن. وان كان اهمها ان الرأسمالية المصرية نفسها قد تقاعست عن مجرد اختبار الدور المطلوب.