تصاعدت المعركة علي الديمقراطية بين جبهة أباظة وبين السيد البدوي رئيس حزب الوفد بسبب الخلافات علي قانونية تعديل لائحة الحزب, باشتعال حرب البيانات أمس, إذ تبادل البدوي ونائبه محمد سرحان إصدار البيان الثاني. واتهم نائب رئيس الوفد, البدوي بالسعي إلي فرض هيمنته علي الحزب عبر هذا التعديل, داعيا الوفديين إلي عدم التوقيع علي بياض لرئيس الحزب ليدخل به إلي نفق الديكتاتورية هذه هي لحظة الحقيقة, التي يأتي فيها كل منا وكتاباته بيمينه!! وإن كنت قد ركزت في كتاباتي بالأهرام, منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتي الآن, علي محورين رئيسيين: المنهجية العلمية والرؤية المستقبلية, فإن هذا الالتزام قد قادني بعد الأحداث الأخيرة, إلي طرح فكرة الدبلوماسية الشعبية لحوار يستهدف مناقشة ملامح العقد الاجتماعي الجديد للوطن( الأهرام1102/2/9), وأظن أننا في أشد الحاجة إلي تفعيل هذا المقترح في المرحلة الانتقالية الحالية, لقد عشنا فترة شديدة الخصوبة للعقلية الثورية التي اختار أصحابها, وجلهم من الشباب, إحداث نقلة نوعية تمهد لميلاد مصر الجديدة, وكان لهم ما أرادوا, بعد أن دفعوا الثمن غاليا, وكان جيشنا الوطني الرائع حاميا وداعما وضامنا لذلك, وآن الأوان أن نجني أول ثمارها, ثورة عقلية تدفعنا إلي الحوار حول المستقبل الذي نريده. قد يتساءل البعض: لماذا أؤكد الدبلوماسية الشعبية كإطار للحوار؟ والسبب بسيط, فمنذ فترة طويلة تطرح بعض الأسماء باعتبار كل منها المهدي المنتظر أو المخلص الذي يستحق لقب البطل القومي, لكنني أؤمن بأن البطل القومي هو الشعب( الأهرام,0102/3/61), وبعد نجاح الثورة الشعبية, لا أظن أن أحدا يشكك في ذلك الآن, ومن حق هذا البطل, بكل ألوان الطيف في نسيجه البشري, وبكل الثراء والعمق في تاريخه الحضاري, أن يتحاور حول مستقبل ثورته ووطنه, إن الخلق جميعا, وفقا لقصيدة جميلة تغنينا بها ونستشعر اليوم حروفها وكلماتها, ينظرون إليه وهو يبني قواعد المجد وحده, دون أن يسمح لسارقي فرحته وثورته بإجهاض حلمه واستثمار تضحياته لغير صالحه. إنني أدعو كل محب لثورة52 يناير أن ينخرط في هذا الحوار, متجاوزا انفعالات اللحظة ومستفيدا من تفاعلاتها, إن الانفعالات تنزلق إلي التزيد في الفرز بين البشر, والحكم غير المنضبط بقبولهم أورفضهم. وهذا أمر يجدر بنا أن نتركه للقانون, الذي نتمني أن يقول كلمته العاجلة غير المستعجلة, ويبقي الحكم الكلي علي الفترة السابقة, بكل ما قد يكون لها أو عليها, للتاريخ وحده, إن الثورة الحالية أنقي من أن تمارس ما حدث في المكارثية الأمريكية والستالينية السوفييتيه من وصم الناس بلا دليل باعتبارهم أعداء الشعب. ومع بعض الاستثناءات المحدودة, كان ميدان التحرير ساحة للإدماج لا للاستبعاد, ويجب أن تظل الثورة كذلك, دعوة مفتوحة لكل ألوان الطيف المصري للمشاركة في مصر الجديدة, دعوة تقوم علي مساواة حقيقة وصادقة, تختلف عن المساواة التي وصفها جورج أورويل في رائعته مزرعة الحيوانات التي تؤكد أن الكل متساوون, لكن البعض أكثر مساواة عما عداهم!!! وهذا ينقلنا إلي الحديث عن سيناريوهات المستقبل في هذه اللحظة الفارقة: ما هي السيناريوهات التي يجب أن نتلافي حدوثها, وما هو السيناريو الأفضل الذي يجب أن ندعمه ونشارك في بنائه؟ إننا في أشد الحاجة إلي الحوار المجتمعي الواسع حول ذلك, فنحن أمام مسارات أو سيناريوهات ثلاثة, ندعو الله أن يوفقنا في تلافي اثنين منها, الفوضي والاحتواء, ودعم السيناريو الثالث, سيناريو البناء, ولا بأس من التعليق الموجز علي كل منها: - عندما يجد كل منا, علي كثرتنا, أن ما حدث يعد فرصة سانحة لطلبات فردية أو فئوية عديدة, قد تكون من حقه بلا جدال, وتمارس مجموعات عديدة الزحف علي قياداتها دون ضابط أو رابط, قد تعم الفوضي ولا يمكن تحقيق هذه الطلبات دفعة واحدة, لذلك أرجو أن تنجح الاقتراحات الخاصة بإيجاد آلية لتجميع هذه المطالب ودراستها, ووضع جدول زمني محدد لتنفيذ المستحق منها, مع التوقف الفوري عن الفرز والتخوين والاعتداء قولا وفعلا, وتحويل كل مسئول عن ظلم وتجاوز إلي القضاء العادل. ومع ضرورة ترشيد الطلبات, يجب أن نواجه بحزم كل المخالفات مثل البناء علي الأرض الزراعية والبلطجة لأنها جزء من سيناريو الفوضي والانفلات. - أما عمليات الاحتواء الواردة, وهي أكثر دهاء وخطورة, فتبدأ بمنافقة الثوار, والقفز الأكروباتي إلي صفوفهم, والعمل التدريجي علي سرقة حلمهم, وهنا تضيع الأصوات العاقلة, التي تطالبهم بالنقد الذاتي لفكرهم وفعلهم, واستيعاب الدروس المستفادة من إنجازهم, وتقدير دورهم المستقبلي في بناء مصر الجديدة بأسلوب عقلاني ومنهج علمي, ورغم الثقة في الوعي الجمعي للشباب, لا يجب عدم التقليل من دهاء حواة الاحتواء, الذين يزكون الفرقة بين الشباب والأجيال الأكبر منهم, أو يدفعونهم بعيدا عن مصر المدنية التي ثاروا من أجل تحقيقها, أو غير ذلك من الألاعيب الظاهرة والخفية. - أخيرا يأتي السيناريو المفضل, الذي يستحق التمسك بأهدافه, بنفس التصميم الذي قادهم إلي هذه النقلة النوعية واللحظة الفارقة. نريد منهم ونريد معهم التمسك بمصر المدنية الديمقراطية, التي ترعي المواطنة وحقوق التفكير والتعبير, وتحترم التعددية في إطار الاتفاق الكامل علي الوحدة الوطنية والأهداف الكبري, والتصدي للمشكلات المتراكمة بمشروع نهضوي طموح, نريد أن تكون مصرنا بلا طوارئ أو تزوير أو بطالة أو عشوائيات أو فساد أو أطفال شوارع بؤساء, تسودها العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون...الخ. نريد لأبنائها تعليما متميزا, ورعاية صحية حقيقية, وطفرة تنموية شاملة تحسن نوعية حياتهم, ونعلم أنها تستحق ذلك وأكثر. ونعلم أيضا أن ذلك لن يتحقق دفعة واحدة, ولن يكون ذلك إلا بناء ومن أجلنا, وفي هذا فليتنافس المتنافسون, في مناخ ديمقراطي سليم آن أوانه, أو هكذا أرجو!!!