برغم كل ما يقال عن إمكانيات تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب تنفيذا لمبدأ الأرض مقابل السلام الذي طالما تغنينا به فإن الحقيقة التي يعرفها كل إسرائيلي هي أن الشرط الأول لموافقة إسرائيل علي الدخول. في سلام مع أي طرف عربي سيكون ضرورة تخلي هذا الطرف عن استعادة مصادر المياه في الأراضي التي سيستردها من الجانب الإسرائيلي علاوة طبعا علي الشروط الأخري وهو نفس ما حدث في اتفاقية السلام مع الأردن لأن المياه العربية كانت ببساطة السبب الرئيسي في الحروب وعمليات التوسع التي قامت بها إسرائيل حتي الآن. ولو نظرنا لخريطة المناطق التي تحتلها إسرائيل حاليا سواء في الضفة الغربية أو قرية الغجر بجنوب لبنان أو بهضبة الجولان السورية فسنجد أن مصادر المياه فيها خاضعة بشكل كامل للسيطرة الإسرائيلية بل إن إسرائيل تأخذ من مياهها أكثر مما تعطيه لأبناء تلك الأراضي وكأنها تمن عليهم. وفيما يتعلق بهضبة الجولان المحتلة وجبل الشيخ فإنها من أغني المناطق السورية بالمياه. وتقدر الكميات السنوية للأمطار والثلوج في تلك المنطقة ب1.2 مليار متر مكعب يبقي منها بعد التبخر120 مليون متر مكعب, وقد قامت السلطات الإسرائيلية بالسيطرة عليها عبر بناء العديد من الخزانات التي تقوم بتجميع مياه الأمطار والسيول فيها لتحويلها إلي الأراضي الزراعية التابعة للمستوطنات فيها مثل مشروع مجمع القنيطرة الذي أقيم علي مساحة200 دونم من أراضي المدينةالمحتلة,, مما يحرم سوريا من مياه الإمطار الغزيرة المتجهة إلي داخل الأراضي السورية, ومن خلال هذا المجمع تسيطر إسرائيل علي أربعة ملايين متر مكعب من المياه سنويا كانت تلك الكمية تصل إلي الأراضي السورية. و هناك نحو20 خزانا أو مجمعا مائيا أقامتها إسرائيل في الجولان المحتل, إضافة إلي عدد كبير من السدود المائية أبرزها سد تخزيني أقيم في قرية المنصورة المدمرة وهو يتسع ل285 ألف متر مكعب وسد عين دبورة بالقرب من قرية دبورة المدمرة, إضافة إلي استغلال إسرائيل لكل ينابيع المياه والأنهار السورية داخل الجولان المحتل وأهمها ينابيع قرية الحمة المعدنية في هذا الصدد ذكر تقرير أعده مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب يقول: إن انسحاب إسرائيل من الجولان يعني انتقال40 مليون م3 من المياه من السيطرة الإسرائيلية إلي السيطرة السورية, كما أن هذا الانسحاب يحرم إسرائيل من بعض روافد نهر الأردن, ولهذا اقترحوا انسحابا يجعل المناطق الغنية بالمصادر المائية تحت إشراف إسرائيل. وفيما يتعلق بالمياه اللبنانية فإن المطامع الإسرائيلية فيها تعود إلي ما قبل تأسيس إسرائيل عبر محاولات المنظمات الصهيونية الضغط علي سلطات الانتداب البريطاني لتغيير جغرافية فلسطين إلي ما خلف منابع المياه اللبنانية وكذلك محاولات إسرائيل المستمرة تعطيل مشروع الليطاني, وفي عام1965 قامت إسرائيل بتدمير مشروع تحويل مجري نهر الحاصباني والوزاني والذي كان يتم تنفيذه طبقا لقرار القمة العربية التي عقدت في القاهرة عام1964 والقاضي بالتصدي لمحاولة إسرائيل سحب مياه نهر الأردن إلي صحراء النقب عبر قيام الدول العربية بالسيطرة علي روافد نهر الأردن وهي لبنان وسوريا والأردن بتحويل مجاري هذه الأنهار تحت حماية قيادة عسكرية وعربية موحدة. وبعد غزو إسرائيل لبنان قامت باستغلال مياهه وخصوصا نهر الوزاني فاقتطعت المنطقة المحيطة بالنهر مرتين وقامت بتركيب أنبوب لجر المياه الي قرية الغجر السورية المحتلة وعبرها الي المستوطنات الإسرائيلية المجاورة مما جعل نصيب لبنان منها لا يتجاوز سبعة ملايين متر مكعب سنويا من المياه, بينما تبلغ كمية المياه التي تستفيد منها إسرائيل أكثر من مائة وخمسين مليون متر مكعب سنويا. وتعتمد إسرائيل حاليا في أكثر من55% من استهلاكها من المياه علي ما تم الاستيلاء عليه عقب حربي1982,1967 من إجمالي الإيراد المائي لها فهي تعتمد منذ احتلالها للضفة الغربيةوغزة علي سحب حوالي550 مليون م3 سنويا من الأحواض الجوفية للضفة إلي جانب حوالي50 مليون م3 سنويا يستهلكها300 ألف مستوطن يعيشون علي أكثر من150 مستعمرة, شيدتها إسرائيل في الضفة الغربية. وبذلك تستهلك إسرائيل87.6% من جملة مياه الضفة القابلة للتجديد والبالغة742 مليون م3 أما قطاع غزة فإن إسرائيل ورغم انسحابها منه في سبتمبر عام2005 فإنها مازالت تستغل حوالي35 مليون م3 من مياهه سنويا; أي حوالي58% من جملة مياه قطاع غزة القابلة للتجدد والبالغة60 مليون م3 وبقيام إسرائيل بتحويل مجري نهر الأردن وضخ مياهه إلي المناطق الغربية فيها, بلغت كمية المياه التي تتحصل عليها ستويا من هذا النهر حوالي800 مليون م3 سنويا. وتحصل إسرائيل من نهري الليطاني( بعد احتلالها للجنوب اللبناني) علي حوالي400 مليون متر مكعب سنويا, كما تحصل علي حوالي100 مليون م3 سنويا من مياه نهر اليرموك; وأخيرا تحصل إسرائيل علي حوالي40 مليون م3 من مياه هضبة الجولان بسوريا. والخلاصة أنه لايمكن توقع أن تتخلي إسرائيل عن أي أرض عربية تحتلها مالم يكن ذلك مرتبطا بضمان استمرار سيطرتها علي مصادر المياه في تلك المنطقة وهو مايعني ببساطة أن هناك نظرية جديدة تعمل بها إسرائيل هي نظرية السلام مقابل المياه. أشرف أبوالهول [email protected]