في بعض الأحيان يشعر القاريء بالملل مما يقرأه للكاتب.. ودفعا لهذا الملل أكتب لكم مجرد حكايات: كان الخادم يتلصص علي سيده وهو يدبر مع صديق له سرقة بيت المال, ويقول له: الأمر بسيط, يتدلي أحدنا بحبل متين من فتحه موجودة في السقف ويناول الآخر كل ما نستطيع حمله من أموال, وفيم يتدارس السيد مع صاحبه كيفية تدبير حبل متين وكيفية النزول به ثم الصعود عدة مرات للحصول علي أكبر قدر من الغنيمة, بدأ الخادم الماكر يحكي لزميله وبصوت مرتفع كيف قرأ في كتاب قديم أن لصوص الزمن الماضي كانوا يعرفون حيلة لا تخيب, وهي أن ينتظر اللص ليلة اكتمال البدر ثم يهتف شولم بولم ويمتطي ضوء القمر نازلا وصاعدا كما يشاء. وفعلها السيد وصاح في الموعد المحدد شولم بولم وأمسك ما أعتقد أنه ضوء القمر. وسقط لتتكسر أضلاعه, وبين الصرخات استدعي السيد خادمه ليعاتبه, فأجاب الخادم: كنت يامولاي اعرف انك قد يقبض عليك ويقتادونك الي القاضي, فيحكم عليك بالموت فاخترعت هذه الحكاية. فتأوه السيد قائلا: ياغبي, ياليتك تركتني, فلو قبضوا علي كنت أعرف كيف أقتسم المال مع البعض ونفلت معا من العقاب. عن: كليلة ودمنة عندما فتح الاسكندر الأكبر مدينة ماريا( الاسكندرية فيما بعد) وفيما كان يتمشي في طرقاتها منبهرا بالعمائر الجميلة لمح رجلا وقورا يجلس في أحد الأركان وهو يملي علي تلميذ له. وفيما هما منهمكان, الوقور يملي والتلميذ يكتب سأل الاسكندر من هذا؟ فأجاب أحد أفراد حاشيته هذا يا سيدي اراسيموس أشهر فلاسفة هذا الزمان, فتقدم نحوه الاسكندر وقال هل تأذن ياسيدي أن اتحدث اليك؟ لكن الوقور نهره بلطف قائلا: أرجوك الذين حولك يحجبون الشمس. فمضي الاسكندر غاضبا. وعاتب التلميذ استاذه قائلا: لقد اغضبته ياسيدي وهو باق هنا لوقت قد يطول وأخشي من غضبه عليك. فرد اراسيموس: عندما تأتي الشمس بلاضوء يذهب الظلام من تلقاء نفسه - عن: فلاسفة الاسكندرية القديمة ذات يوم غضب السلطان من جحا بسبب انتقاداته اللاذعة التي يوزعها بمكر ودهاء علي الحاشية, فاذا بها تمس السلطان نفسه. ولما ضاق السلطان به ذرعا, أمر بالقبض عليه وارساله الي السجن في غياهب الصحراء وظل جحا في السجن زمنا, حتي اشتاق السلطان الي خفة ظله فأمر بالافراج عنه. السجانون فتحوا باب السجن واطلقوا سراحه بعد أن ابلغوه بعفو السلطان. وفيما جلس جحا وهو في طريق عودته ليستير في ظل شجرة, مر عليه شيخ تبدو عليه دلائل الحكمة, وسأله لماذا انت جالس هنا في هذا المكان الموحش, حكي جحا حكايته وقال: انني ياسيدي أفكر في هدية أقدمها لمولانها السلطان لأعبر له عن شكري للافراج عني فبماذا تشير علي ؟ قال الحكيم: ليس من الذكاء ولا من احترامك لمقام السلطان ان تفرض عليه هدية قد لاتعجبه. سأل جحا وبماذا تنصحني؟ قال الحكيم: دعه يختار بين أن تهديه جملا او حصانا او حمارا, ومضي الحكيم قائلا أنا أعرف ماذا سيختار, وكتب كلمة في ورقة وقال له لاتفتحها إلا بعد أن يختار السلطان ما يشاء فان اختار غير ما ذكرت لك في الورقة تعال الي هناك وسوف اعطيك أية هدية تشاء. وأخذ جحا بهذه النصيحة, وما أن دخل علي السلطان حتي قال: أرجوك يامولاي أن تقبل مني أيه هدية تختارها. فاما أن تختار جملا وهو سفينة الصحراء, وبه تعلو علي كل من عداك, وتعبر الصحاري دون أن يرهقك بماء او زاد, فبدا عدم الرضاء علي وجه السلطان. فقال جحا اذن هناك الحصان وأكاد أراك يامولاي وانت تصول به وتجول في معاركك شاهرا سيفك هاتفا وسيفي كان في الهيجا طبيبا يداوي رأس من يشكو الصداعا ولكن السلطان لم تعجبه كلمة معارك فأشاح بوجهه قائلا: وماذا أيضا؟ فقال جحا لم يبق يا مولاي سوي الحمار فتهلل وجه السلطان فرحا وقال: هات الحمار. وهنا تذكر جحا ورقة الحكيم المطوية في جيبه, فأخرجها واذا به ينفجر ضاحكا فسأله السلطان ماذا في هذه الورقة؟ قال جحا: أعذرني يامولاي لاأستطيع, فصاح السلطان غاضبا: اقرأ ما في الورقة بصوت مسموع وإلا أمرت السياف بقطع رقبتك. فقال جحا: أنت أمرت يامولاي وأمرك مطاع. وبدأ جحا أولا بأن حكي حكايته مع الحكيم الذي قابله في الصحراء, وكيف نصحه بأن يطلب الي السلطان ان يختار, ثم اعطاه الورقة المطوية علي شريطة ألا يفتحها إلا بعد أن يختار.. ثم بدأ يقرأ ما في الورقة مترددا وبصوت خفيض صاح السلطان أرفع صوتك, فصاح جحا بكلمات الحكيم: اعلم يابني ان كثيرا من السلاطين يفضلون اختيار الحمير لأنهم علي الدوام خاضعون ولايعترضون. فضحك السلطان مبديا شماتته في افراد الحاشية. وبدأ الغيظ الشديد علي أفراد الحاشية. لكن القصة لم تنته. فجحا تجنبا للحرج أستأذن من السلطان أن يذهب ليتوضأ وترك عباءته في مكان جلوسه وذهب. وعندما عاد وفيم يتناول العباءة انفجر الحاضرون جميعا بالضحك, ونظر جحا فوجد شخصا قد رسم رأس حمار علي العباءة, ولم يفت جحا فرصة الرد السريع فقال: يبدو يامولاي أن واحدا من الجلوس قد تصبب عرقا من الخجل فمسح وجه في العباءة فترك هذه العلامة. وهذه المرة ضحك السلطان وحده. - عن: نوادر جحا كان نابليون جالسا في شرفة قصر الازبكية وهو قصر غاية في الجمال اقتنصه الفرنسيون من أحد كبار المماليك, وفيم نابليون يستمتع بجلسته سمع ضجيجا وصراخا واستفسر, فأجابوه ان ثعبانا ضخما شوهد وهي يمضي الي أحد الشقوق ولم يلحق به أحد. وأتي أحد الخدم المصريون مؤكدا ان ثمة رفاعي يمكنه اصطياد اي أفعي. واذن له نابليون. فحضر الرفاعي واطلق صفيرا خفيفا فظهر الثعبان من الشق وبهدوء ولطف امسك به الرفاعي. دهش نابليون واستدعي أحد كبار علماء الحملة الفرنسية وقال له أريد تفسيرا علميا وعقلانيا لهذه الظاهرة. كيف يمكن لانسان أن يصطاد ثعبانا ضخما بهذه البساطة؟ وبعد فترة من تفكير أتاه العالم وقال: الرجل أخرج الثعبان من الشق بتقليده لصوت أنثي الثعبان. فصاح نابليون ولكن كيف أمسك به الرجل دون خوف؟ فأجاب العالم: لأنه لم يكن خائفا. فاذا خاف الانسان من أي كائن متوحش او سام, ادرك الكائن انه خائف فيهجم عليه اما اذا لم يكن خائفا وامتدت يده الي رأس الأفعي بثبات وقوة فان أي ثعبان يستسلم. واقتنع نابليون وأنا أيضا. - عن: وصف مصر وفقط ارجوك عزيزي القاريء- أن تستعيد الحكايات, وأن تتأمل المزيد من مقالات د. رفعت السعيد