بعد أكثر من عشرة أيام من بداية ثورة التغيير في مصر, وبعد أن بدأ تخفيف مواعيد وإجراءات حظر التجول, بدأت ملامح ومظاهر الحياة الطبيعية تتحسس طريقها إلي الشارع المصري. فتحت بعض المحال أبوابها لبيع الأطعمة والملابس وغيرها, كذلك بعض البنوك ومكاتب البريد, لتبدو مشاهد التزاحم حول ماكينات الصرف الآلي وقبض المعاشات. استدعت العديد من الشركات العامة والخاصة موظفيها, ليبدأ الكثيرون في تبادل الأسئلة, عن أفضل الطرق المتاحة للذهاب للعمل خاصة ممن يعملون في منطقة وسط البلد, جاردن سيتي والقصر العيني وبدأ تبادل الوصفات تليفونيا كما تقول حنان عبدالمقصود والتي تعمل في أحدي الشركات الخاصة في المنطقة المحيطة بميدان التحرير. بينما فضلت بعض الشركات الأخري في نفس المنطقة الإبقاء علي الفتيات والسيدات في المنازل ودعوة الرجال فقط للعمل, كما تقول مي, خوفا من اندلاع مناوشات أوقلاقل في ميدان التحرير مع دعوة المتظاهرين الي مظاهرات مليونية ايام الأحد والثلاثاء. بدأ الكثيرون متعطشين للعودة لحياتهم اليومية سواء بسبب ضيق ذات اليد أو بسبب عدم الاعتياد علي التغيير الذي تعيشه مصر هذه الأيام. شوق, التي تعمل وزوجها باليومية, بدأت تذهب لعملها لأنها اضطررت طوال الأيام الماضية أن تكون عالة علي والدتها لتستطيع إطعام أطفالها الخمسة. وشوق واحدة من كثيرين بدأت تصيبهم حالة من القلق والحاح الحاجة الاقتصادية من قطاع كبير اعتاد السكون والجمود وينتابه قلق التغيير حتي لو كان أفضل. حنان سعدة أم قلقة تتساءل عن مستقبل المدارس والجامعات وامتحانات التيرم خاصة مع عدم تعيين وزير تعليم حتي الآن؟ حالات توتر وقلق تغذيها كل يوم موجات من الشائعات وتهويل الأزمة تتحدث عن نقص أغذية, زيادات أسعار وحالات اجرامية واستمرار عدم الاستقرار الأمني. ولكن رغم محاولة بعض التجار إستغلال الأزمة ورفع أسعار بعض السلع مثل الأغذية وكروت الشحن كما يقول سامي من شبرا الخيمة, إلا ان شباب المنطقة يقومون بالحماية الشعبية يجبرون التجار علي تثبيت الأسعار بينما يقوم شيوخ المساجد في مناطق أخري مثل مصر الجديدة, كما تقول أسماء المكاوي بتهديد من يرفعون أسعارهم بمقاطعة منتجاتهم ودعوة السكان للشراء من الأسواق الرئيسية أو جلب بضائع منها بيعها في نفس المناطق بأسعار مخفضة. وما بين مشاعر القلق, الخوف من التغيير والتفاؤل بالمستقبل تدور المناقشات في أماكن العمل, النوادي وعلي المقاهي التي تفتح الكثير منها أبوابها في المساء, رغم حظر التجول, ليصبح الحوار الرئيسي الذي شغل الكثيرين عن مشكلاتهم الحياتية هو التغيير في مصر. فمتابعة شاشات التليفزيون المختلفة وآخر التغييرات في مصر هي الحوار الذي يفرض نفسه في منزلنا كما تقول هناء طوال الفترة الماضية, ليتحول الجميع إلي محلليين سياسيين ويتبادلون المعلومات حول الوجوه الجديدة من السياسيين الذين يأتي بهم التغيير. حالة ترقب دائم أصابت كثير من الأطفال بالضيق خاصة في ظل أجازة نصف العام مما دعا كثير من الأهالي إلي التغاضي عن سماع الأخبار بعض الوقت في مقابل السماح للصغار ببعض الأفلام الكارتون أو المسلسلات علي شاشات التليفزيون بينما اندمج اطفال أخرون في الأحداث ليرددون كأغنية يومية الشعب يريد اسقاط النظام, أو يشاركون أهلهم الذهاب إلي ميدان التحرير. وفي المساء بدأت تنعقد دورات كروية بين شباب وصغار المنطقة ممن نشأت بينهم علاقات صداقة في كل منطقة أثناء فترات المقاومة الشعبية. دورات كروية أو بلاي ستيشن أو طاولة في المقاهي المختلفة. البعض بدأ يخرج من حالة الصدمة والدهشة ليتعايش مع حالة التغيير كما يقول المعالج النفسي د. أحمد عبدالله بينما لازال آخرون خائفين, فلايعيشون الحياة. يخشون علي لقمة العيش أو يتوجسون من عدم الأمان, فنحن شعب اعتاد الجمود والسكون لسنوات طويلة ورغم الحاجة للتغيير, فإن الكثيرين ينتابهم القلق من الجديد حتي لو كان أفضل, يقول د. عبدالله مضيفا أننا كشعب نردد دائما حتي في حالة الفرح اللهم اجعله خير ولكن مابين الخوف والقلق ومابين التأييد والمعارضة. تستمر الحياة في مصر علي وجوهها المختلفة, متظاهرون في ميدان التحرير يطالبون بالتغيير, وشباب آخرون يحتفلون ببداية حياة جديدة, ويعقدون قرانهم في أيام تؤكد اختلاف مصر اليوم عما قبل.