بقدر عظمة مصر وبقدر فداحة الخسائر وبقدر الدور الذي يلعبه جهاز حفظ الأمن الداخلي في مجتمع يريد الاستقرار والازدهار بقدر ما يتوجب علينا فورا الاعتراف بمواطن الخلل والعمل علي إصلاحه. لا يمكن أن نكرر أخطاء الماضي, فالتاريخ والحاضر أيضا لن يرحمنا علي صمتنا أو تخاذلنا, ولا يمكن أن نسير علي نفس الدرب ونفس النهج الذي ثبت أنه يؤدي للخراب والهلاك. إن تعاون الجماهير الكامل مع الشرطة المدنية ضرورة يجب أن يسعي الجميع لتوفيرها وتحقيقها فورا, ولذا نأمل في خطوات ملموسة وسريعة تعيد الثقة الكاملة بين صفوف الجماهير وجهاز الشرطة, مع الوضع في الاعتبار دوما تضحيات الشرفاء من جهاز الشرطة والخبرات المتراكمة لكوادر هذا الجهاز. مطلوب محاسبة المقصرين وكل من أساء استعمال السلطة بشكل سريع وإعلان النتائج بشفافية, وتحت رصد ومتابعة عناصر من شخصيات عامة. برهنت المرحلة الماضية علي احتياجنا لتعامل غير تقليدي حتي ولو تم تغيير الهيكل التنظيمي مع مصالح ووحدات باتت الجماهير تربط بينها وبين صورة سلبية مؤلمة مثل قسم الأربعين وسيدي جابر..( الخ). وقد يكون من الملائم في المرحلة الجديدة الاستفادة من تجربة اللجان الشعبية مع تعيين مدني في وظيفة مستحدثة بدرجة مساعد وزير معني بضمان تعاون الجماهير مع الشرطة وتحسين الصورة الذهنية لرجال الشرطة, علي أن يتولي.. ونقل نبض الجماهير بشكل أفضل وأسرع للشارع ولقيادات الداخلية, مع الوضع في الاعتبار دوما أن الشرطة وفقا للقانون هيئة مدنية, وعلي هذا فإن تطعيم قيادة الشرطة بعناصر مدنية فعالة ليس بدعة. أتمني في هذا المجال تفعيلا أكبر لدور أكاديمية الشرطة في دراسات ميدانية علي أسس علمية يشارك في صياغتها مراكز تفكير مستقلة وقيادات سابقة ذات خبرة تم إحالتها للتقاعد, لأن لها رأيا ورؤية ولا تحب التملق أو النفاق, تقيس تقدم المعالجات الحالية ودرجة رضا الجمهور عنها, وأيضا دراسة سبل تخفيف ضغوط العمل عن ضباط الأمن العام مثل خدمات التشريفات والمباريات والانتخابات, وتعزيز المرور..( الخ), وفي الوقت نفسه دراسة سبل تطوير البحث الجنائي من خلال التكنولوجيا الحديثة والتأمين بدوائر مغلقة مما يساعد علي عدم توسيع دوائر الاشتباه, ويكون الحصاد من خلال توصيات تطبق بالفعل ولا تقبع علي الأرفف, وكذلك تعديل منهاج الدراسة في كلية الشرطة, بحيث تعطي مساحة أكبر لمناهج تركز توصيفاتها علي التعامل الجيد مع الجمهور( بجانب مادة حقوق الإنسان التي يتم تدريسها منذ سنوات). وربما يكون من الملائم ايضا العمل علي رفع رواتب كل العاملين في المصالح الشرطية المتعاملة مع الجماهير وعلي رأسها الأمن العام والمرور حتي يتم تأدية العمل بأريحية أكبر ويبعد ضعاف النفوس عن مواطن الشبهات, فالملاحظ في هذا الإطار أن رواتب هؤلاء أضعف بكثير عند مقارنتها بأقرانهم في شرطة الكهرباء وشرطة الجوازات, فالفيصل هنا ليس الدخل الذي تحصله المصلحة منفردة, بل الراحة النفسية للعنصر البشري المتعامل مع الجماهير. يساعد كثير في هذا المجال علي إبراز نتائج ما يسفر عنه مجلس التأديب بشأن المتجاوزين, لتأكيد أن ما يحدث من تجاوزات هي بالفعل حالات فردية تتصدي لها الوزارة, ويمكن الاكتفاء بالاشارة إلي أعداد من تعرضوا لجزاءات دون الإفصاح عن الأسماء, مع السماح للإعلاميين بحضور جانب من ترتيبات مجلس التأديب تأكيدا لمبدأ الشفافية. مع إبراز الخدمات التي تقدمها وزارة الداخلية للجمهور عبر شبكة الإنترنت من خلال الحكومة الإلكترونية, من خلال تقارير توضيحية في وسائل الإعلام تعميقا للشعور بالمساواة لدي المواطنين عند تعامل الشرطة معهم. وعقد لقاءات مباشرة بشكل دوري مع إعلاميين من مختلف التوجهات والتخصصات, وعدم اقتصار اللقاءات مع قيادات الشرطة علي مناديب الصحف والمحطات الفضائية المعتمدين لدي الوزارة. تطوير الاحتفالات السنوية واستغلالها بشكل أفضل وجذاب لدعم أواصر التعاون بين الشرطة والجمهور وتحسين الصورة الذهنية لرجل الشرطة بين الجماهير. والتنقل بهذه الاحتفالات داخل الجامعات والأندية والتجمعات الجماهيرية. مع دعم المطويات التوعوية وكتيبات إجراءات حصول المواطنين علي الخدمات الأمنية الجماهيرية.. وإجراء مسابقات لرواد المنتديات الثقافية ومعرض القاهرة الدولي للكتاب. وما شابه ذلك. في الاطار نفسه المبادرة لتوضيح جميع المستجدات والأحداث للمواطن العادي بلغة و اضحة وميسرة, وتدعيم العلاقات معه بتوفير عناصر بناء الثقة بينه وبين الشرطة من خلال نشر إعلامي للاستجابات التي يقوم بها جهاز الشرطة للمواطنين عن طريق الاتصال المباشر: البريد العادي أو الإلكتروني. والتعاون مع الخبراء في التخصصات المختلفة والشخصيات العامة ذات الشعبية لدي مختلف الطبقات لدعم الرسالة الإعلامية المطلوب توصيلها للجمهور بهدف تحسين الصورة الذهنية( رجل دين له مصداقية لدي الجمهور طبيب شهير لاعب كرة شهير فنان إعلامي). نحن لا ننكر أن وزارة الداخلية تسعي منذ فترة غير قصيرة إلي إجراء تغييرات عديدة في هياكلها وسياستها العامة من أجل تحسين صورة رجال الأمن لدي المواطنين وكان من مظاهر هذا تواصل وتعاون أفضل مع السلطة التشريعية( مجلس الشعب) بتكليف مساعد وزير الداخلية للشئون القانونية بالرد علي طلبات الإحاطة بشكل تفصيلي, مع تواصل مواز مع جمعيات حقوق الإنسان الجادة النزيهة, ومع تأكيد أن الحزم في التعامل مع الخارجين علي القانون لا يتعارض مع الشفافية وحسن التعامل مع المواطنين, وأخيرا اعتقد أن تلاقح الأفكار وتفعيل ثقافة المشاركة وتعاون الجمهور مع الشرطة سيكون له مردود يمكن التعويل عليه لمستقبل أفضل تستحقه مصر.