ثار في الآونة الأخيرة الحديث والجدل حول حرية المعلومات وحدود تداولها, وذلك عقب ماينشره موقع ويكليكس من وثائق وتقارير,كذلك الحوار الدائر الآن في المجتمع المصري حول القضايا المرتبطة بالنشر الصحفي والاعلامي لبعض الأحاديث الخاصة وغيرها من الامور التي تدور بشكل أساسي حول المعلومات وحرية تداولها, وهي القضية التي أصبحت تفرض نفسها بشدة ليس فقط علي الساحة المحلية ولكن ايضا علي الساحة العالمية وذلك بعدان اتضح أن احد العوامل الرئيسية التي لعبت دورا مهما في الازمة المالية العالمية والازمات التي تشهدها بعض البلدان الاوروبية, يرجع الي ضعف الشفافية ونقص المعلومات عن الأوضاع المالية والتمويلية للمؤسسات والسوق, ولذلك فإن المعلومات اصبحت مسألة جوهرية واساسية وضرورية ومهمة لكافة المجتمعات المتقدمة والنامية علي السواء. ومن المعروف ان ضمان كفاءة آلية السوق, بما يعنيه ذلك من توفير الظروف التي تجعل تفاعل العرض والطلب يتم في اطار حقيقي مع ضمان التخطيط الاستثماري السليم, لايتم إلا عن طريق توفير البيانات والمعلومات الأساسية عن القطاعات الاقتصادية بالمجتمع, وذلك بالشكل الذي يمكن الجميع من اجراء دراسات الجدوي السليمة والصحيحة. واذا كانت الحوكمة أوالحكم الجيد قداصبحت ضرورة اساسية لضمان ممارسة الحكم بصورة صحيحة, فإن حرية المعلومات تعد إحدي الادوات المساندة لذلك اهتمت المؤسسات الدولية الرسمية وغير الرسمية بهذه المسألة وتزايدت الدعوة الي نشر المعلومات بطريقة سهلة ومبسطة. من هذا المنطلق اخذت العديد من البلدان في إقرار قوانين محلية تضمن للمواطنين الحق في الحصول علي المعلومات ووصل عدد هذه الدول الي86 دولة منها39 أوروبية و20 دولة آسيوية ومثلها من القارة الامريكية والكاريبي و4 فقط من افريقيا و3 من قارة استراليا, مع ملاحظة ان معظم هذه القوانين تم اقرارها بعد عام.2000 وجدير بالذكر ان نسبة غير قليلة من البلدان التي وضعت قوانين لحرية تداول المعلومات قد اقتصرت علي الجانب الحكومي او شبه الحكومي دون الاهتمام بالشركات الخاصة او مؤسسات المجتمع المدني او الجهات غير الخاضعة للحكومات, و هذا تصور قاصر اذ اننا نري أنه وفي ضوء الدور المهم والحيوي الذي يلعبه القطاع الخاص في المجتمعات في هذه الآونة فإنه يصبح من الضروري ادخال هذه المؤسسات في العملية, مع وضع الضوابط العملية المنظمة لذلك الامر, وبما يضمن حق هذه الشركات في الحفاظ علي أسرارها التجارية, وقد اجمعت المواثيق والاتفاقات الدولية والأعرف المنظمة لعملية تداول المعلومات علي عدد من المباديء العامة التي يجب توافرها لكي تتحقق المعرفة التامة بالأوضاع داخل الدولة والمؤسسات العاملة فيها, وأهمها الكشف المطلق عن المعلومات, وبالتالي فالمبدأ الأساسي الذي يجب ان يشيع هو حق المواطن في الحصول علي المعلومات التي يطلبها, الا في حالات محددة في القانون علي سبيل الحصر. ونظرا للأهمية القصوي لهذا المبدأ فقد اجمعت الاتفاقات الدولية علي ضرورة ان يضاف هذا المفهوم الي دستور البلاد, لكي يصبح حقا من الحقوق الاساسية, وبالمثل يجب ان يعد حجب المعلومات عن المواطنين من الجرائم التي يعاقب عليها القانون, وينطبق هذا الحق علي جميع المعلومات المتوافرة لدي المؤسسات العامة والخاصة, وكذلك الهيئات والشركات بما في ذلك نشر اجتماعات الجمعيات العمومية وتوزيع ملخص واف بأهم نتائج اجتماعات مجالس الإدارات. ويتطلب ذلك النشر التلقائي للمعلومات, إذ يجب ان تضمن الدولة النشر الواسع للمعلومات وإتاحتها للجميع, دون تفرقة بكافة الوسائل الممكنة( مثل التوسع في النشر الالكتروني او النشر الاعلامي او اتاحتها في المكتبات العامة او غيرها من الوسائل) بحيث يصبح الأصل هو الاتاحة. علي ان يكون النشر في صيغ مبسطة يسهل فهمها للجميع, ويرتبط بما سبق ان ينظم القانون سبل حصول الافراد علي المعلومة أما بإنشاء جهاز مستقل يتولي هذه المسألة او يضع الاجراءات القانونية التي تمكن الافراد من الحصول علي المعلومة واللجوء الي القضاء في حال عدم التمكن من ذلك, شريطة ان يتم كل هذا في غضون فترات زمنية قصيرة منصوص عليها في القانون, وبعبارة اخري يجب ان تتمتع هذه الاجراءات بالبساطة والسرعة والتكلفة المجانية او المحدودة. كما يجب ان لاتقف التكلفة حائلا دون حصول الافراد علي المعلومات وبالتالي يجب ان يكون الاصل هنا هو الحق في الحصول علي المعلومة بالمجان, او بتكلفة محدودة للغاية مثل تكليف تصوير المستندات, شريطة ان لاتتجاوز مبلغا محددا من المال. ويتفق الجميع علي ضرورة محدودية الاسثناء, ويعد هذا المبدأ من اكثر المباديء التي تتعرض للجدل والنقاش اذ يخشي البعض ان يمثل ذريعة للدول لإفراغ القانون من مضمونه, عن طريق وضع الكثير من المسائل الهامة في اطار الاستثئناء,ولهذا السبب والتي تستهدف حماية المصالح السرية المشروعة في مجالات الامن القومي والنظام العام والأخلاق العامة الي جانب الحق في الخصوصية وحقوق وسمعة الآخرين. وبالتالي فإن الاستثناءات تكون في الحالات التي سيكون فيها للافصاح ضرر كبير علي المصلحة الوطنية او سيؤدي الي إلحاق الضرر بمنع وقوع جرائم, وكذلك الاسرار التجارية اوالمعلومات التي يؤدي الكشف عنها الي تعريض حياة او صحة شخص للخطر او تلك التي من شأنها الاضرار بالمصالح التجارية للعملاء. مع مراعاة ضرورة النص علي هذه الامور صراحة و علي وجه التحديد والقطع وليس علي سبيل المثال. كما نيبغي ان تخضع المعلومات الي مراجعة دورية كي تأخذ بعين الاعتبار التغييرات في طبيعة المعلومة المحتفظ بها, او التطورات الدولية والاقليمية. ومن هنا يمكن تصنيف المعلومات الي درجات سرية معينة بحيث يتم الافراج عنها وفقا لمدد زمنية محددة طبقا لدرجة السرية هذه. وفيما يتعلق بالأوضاع الحالية في مصر وحتي الآن يبدو ان الأصل هو الحظر وليس الحرية كما هو مرغوب بل ان هناك العديد من القوانين التي تقف حجرة عثرة دون ذلك ولايقتصر الامر علي قانون سرية الحسابات المصرفية ولكنه يمتد الي العديد من القوانين مثل قانون العاملين المدنيين بالدولة او قانون التعبئة العامة وغيرهما وعلي الرغم من ان بعض هذه القوانين منطقي في فرض الحظر علي افشاء الاسرار والمعلومات مثل البيانات الخاصة بالتعداد, ولكن القوانين الاخري قد بالغت كثيرا في هذه المسألة وقد ادي هذا الوضع المضطرب للمعلومات والبيانات في مصر الي التشكك الدائم والمستمر في هذه البيانات بل واتسعت بنطاقها لتشمل التشكيك حتي في البيانات التي نعتقد انها لاتحتمل اي شك او جدل مثل بيانات الحسابات الختامية او البيانات النقدية التي يصدرها البنك المركزي وهنا مكمن الخطورة اذان التشكيك الدائم والمستمر في البيانات وغير الرسمية يخلق جو من عدم الثقة وانعدام اليقين في اية مؤشرات اقتصادية يمكن ان يعتمد عليها الافراد عند دراسة الجدوي لمشروع انتاجي معين اواجراء دراسة علمية لظاهرة اقتصادية معينة او غيرها من الأمور التي تحتاج الي بيانات واحصاءات دقيقة, وهو مايؤدي في النهاية الي فساد مناخ الاستثمار وابتعاد المستثمر الجاد في الاقدام علي الاستثمار مادامت ان الأمور ضبابية وغير واضحة علي الاطلاق وتزداد الاستثمارات العشوائية والمضاربات غير المشروعة وغيرهما من الأمور التي تشيع البلبلة والفوضي ومن ثم الفساد في الاسواق. في هذا السياق تتزايد أهمية العمل والإسراع بإصدار قانون جديد للمعلومات يتيح الفرصة كاملة للحصول علي البيانات والمعلومات الصحيحة ويفسح المجال امام الجميع للإطلاع علي المعلومات الضرورية والموثقة, من اجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومحاصرة الفساد من جهة. والمساعدة علي اتخاذ القرارات الصالحة في السياسة العامة من جهة اخري مع العمل علي تنقية القوانين القائمة من كافةالمعوقات التي تحول دون تدفق المعلومات بطريقة صحيحة مع العمل علي إنشاء آلية قانونية لتنظيم حصول الأفراد علي المعلومات.