الدعوة إلي عقد قمة عربية ثقافية, دعوة تأتي في توقيت شديد الخطورة والأهمية, ولحظة تاريخية تشهد تأزمات واختناقات ذات منشأ ثقافي وارومة ثقافية, وتستوجبها ظروف موضوعية, اقليمية, ودولية, اعتنت اقلام وعقول بشرحها وبلورة أهم محاورها وأهدافها. وسنأتي علي ذكر بعض الأسباب وراء هذه الفكرة وبعض فقرات الاجندة الواجب وضعها ضمن أولويات هذه القمة بما يستوعبه الحيز المتاح لهذه المقاله, بعد مقدمة صغيرة عن كيفية ظهور هذه الدعوة في الفترة الأخيرة, فمنذ اسبوع مضي دعا السيد عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية إلي حفل عشاء إقامه علي شرف الأمير خالد الفيصل مؤسس ورئيس مؤسسة الفكر العربي, تشرفت بحضوره مع مجموعة من الشخصيات الثقافية, لتداول الرأي في الاقتراح القاضي بالدعوة لعقد قمة عربية يكون موضوعها الشأن الثقافي العربي, باعتبار ان مؤسسة الفكر العربي, كانت قد اثارت الفكرة في اجتماع اخير لها في بيروت من خلال المفكرين المنتمين لها, وبدافع ماتوصلت إليه دراسات وأبحاث وعمليات مسح لمجمل القضايا الثقافية في الوطن العربي, أظهرت قصورا لايجوز السكوت عنه في مواكبة العصر وتخلفا كبيرا عما احرزته شعوب العالم المتقدم في المناحي الثقافية يقتضي ان ندق من أجله نواقيس الخطر والتحذير, ونستنفر الهمم والعقول للقيام بواجب تلافيه, ويستوجب بالتالي ان نضع المسألة أمام أعلي مستوي لصناعة القرار في بلادنا, أي الملوك والرؤساء, لرسم استراتيجية عربية شاملة وأجندة مشتركة لمواجهة التحديات التي يطرحها عصرنا الحديث في المجال الثقافي, كما كان موضوع الدعوة الي هذه القمة مثار جدل واهتمام في آخر مؤتمر عام لاتحاد الادباء العرب, وطرحه الأخ محمد سلماوي أمين الاتحاد, أمام قائد الثورة في ليبيا, الذي أبدي ترحيبه بالفكرة وحماسه لتبني هذه الدعوة, وهكذا وصل الأمر إلي عشاء العمل الذي شهدته قاعة الاندلس في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة, لوضع التصور العلمي الذي يكفل النجاعة والنجاح لهذه الفكرة, عند وصولها إلي مرحلة التنفيذ ولن أقدم هنا محضرا لما دار من حوار في هذا الاجتماع, فقد اهتمت الصحف بتقديم فكرة وافية عنه, واجرت إحداها حديثا موسعا معي أوردت خلاله ملخصا لاهم محاوره, حيث تم التأكيد من قبلهم جميعا وفي مقدمتهم الاستاذ عمرو موسي وسمو الأمير خالد, علي ان العامل الثقافي صار يتقدم العوامل الأخري السياسية والاقتصادية وربما العسكرية والجيوبوليتكية في الأهمية, ويصبح عاملا رئيسا واساسيا في صياغة المجتمعات الحديثة, وعنصرا فاعلا في احداث التغيير والنهوض الذي تشهده المجتمعات, وعندما نتكلم عن العولمة باعتبارها إحدي الظواهر التي افرزها العصر الحديث, أو نتكلم عن ثورة المعلومات باعتبارها اخطر ملامح هذا العصر, أو نتكلم عن التقنية الرقمية التي اكتسحت العالم, أو نتكلم عن حوار الحضارات وتداخلها أو تواصلها وتفاصلها, فانما نتكلم عن شأن ثقافي وقضايا ذات صبغة ثقافية محضة, وكما أشار الدكتور مصطفي الفقي خلال الاجتماع فإن الحرب علي الارهاب نفسها, انما هي في جوهرها حرب ثقافية, لأن الارهاب ينبع من قناعات وأفكار وثقافة, أو بالاحري انحرافات وتشوهات لحقت بهذه الأفكار وهذه الثقافة ادت إلي بروز هذه الظاهرة إلي السطح. وقد شدد الاستاذ سيد يسين في المداخلة التي استهل بها النقاش علي هذه النقطة, قائلا ان التحدي الذي يواجه الأمة العربية هو تغليب ثقافة العقل وروح العلم علي ثقافة الخرافة والتخلف, وروح الابداع علي النقل والاجترار والجمود, وهو مايقتضي بالضرورة, والكلام من عندي, الانتصار لصحيح الدين ضد الصورة المشوهة والمحرفة التي جلبت التطرف والتعصب, ولن نستطيع في هذه العجالة, حصر مجمل القضايا التي يجب ان تشملها اجندة هذه القمة الثقافية العربية أو توضع علي جدول أعمالها. ونكتفي بالإشارة السريعة إلي رءوس مواضيعها, فقد جري التركيز في هذا الاجتماع علي اللغة العربية باعتبارها ليست لسانا فقط, وإنما هوية وحضارة كما أشار سمو الأمير, ولابد ان يكون الاهتمام بها علي رأس أولويات السياسات الثقافية العربية المشتركة خاصة في ضوء المخاطر التي تهدد هذه اللغة, وتذكر كل التجارب النهضوية في العالم ان تطور التعليم والقضاء علي آخر فلول الأمية والجهل والاهتمام بالجوانب التقنية والعلمية في العملية التعليمية, وغرس روح العلم وثقافة العقل في الأجيال الجديدة يأتي علي رأس القائمة في الاسباب التي حققت بها الشعوب تقدمها ونهوضها, مع ضرورة رفد هذه العملية التعليمية بفتح آفاق ونوافذ الثقافة العامة لكل الناس وكل الاعمار خارج اسوار المدارس والمعاهد والجامعات, بمعني ان تكون الثقافة اسلوب حياة وممارسة, وذلك بالتوسع في انشاء المكتبات العامة وتشجيع الكتاب وتحريض الناس علي القراءة. ويأتي في هذا السياق الاهتمام بالخطاب الاعلامي ووسائل مخاطبة الرأي العام وأساليب تطوير هذه الوسائل وتحريرها من الجمود والتبعية للأجهزة الرسمية واعطاء المجتمع المدني ومؤسساته الحق في الانتشار والتعبير والفعالية وأداء دوره الذي يكمل المؤسسات الرسمية في مختلف المجالات العلمية والتعليمية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية, ودعم الثقافة المحلية بمصادر ثقافة متنوعة ومتعددة تتيحها الترجمة والتبادل الثقافي والحوار الحضاري مع شعوب العالم, واتاحة الفرصة لابداع العقول وانتاج المواهب بلاعراقيل رقابية أو قوانين تحد من حرية العقل واتاحة أكبر قدر من حرية القول والتعبير والبحث والكتابة ويدخل في هذا الإطار تجديد الخطاب الديني وتحديثه وتحريره من القوالب الجامدة المتخلفة والاعتماد في ذلك علي المفكرين التنويريين البعيدين عن التزمت والتعصب والانغلاق, واثراء الوجدان الشعبي بالانفتاح علي ماتتيحه الفنون والأداب من تربة صالحة للابداع والاقبال علي الحياة وقطع الفرصة علي ماتقوم به عناصر التزمت والتعصب ولانغلاق من اختراق لهذا الوجدان الشعبي, ووضع اعتبار خاص في هذه السياسة الثقافية لتصحيح صورة الثقافة العربية والاسلامية في الخارج والعمل علي تقديم الوجه الحضاري للأمة العربية إلي الشعوب الأخري وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي ترسم صورة سلبية للمواطن العربي لدي قطاعات من الرأي العام في الخارج وذلك بوضع برامج لترجمة الابداع العربي وتقديم ماتنتجه عبقرية الانسان العربي من فن وأدب إلي شعوب العالم, وطبعا تنفد المساحة المتاحة للكلام دون ان تنفد المواضيع التي يثيرها التفكير في مثل هذه القمة الثقافية التي نتمني ان تشكل نقلة جديدة في العمل العربي المشترك تضعه علي آفاق التقدم والنهوض واللحاق بركب الأمم المتقدمة في عالمنا المعاصر. [email protected]