عرفت منطقة الشرق الأوسط بوجه عام وبلاد الشام علي وجه الخصوص ظاهرة الاستعانة بالمقاتلين المأجورين أو المرتزقة منذ قديم الزمان. ومع غزو العراق في عام2003 أطل المرتزقة بوجه جديد علي المنطقة التي حولها عدم الاستقرار المزمن والصراعات المتفاقمة إلي بيئة وأرض خصبة صالحة لوجود ونمو أنشطة المرتزقة وشركاتهم وتعاقداتهم. وكانت الأيام الأولي من العام الحالي قد حملت انباء عقد صفقة بين وزارة الخارجية الأمريكية وشركة انترناشيونال ديفلوبمنت سوليوشنزللخدمات الأمنية واشار المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر الي ان مجموعة شركاتإنترناشيونال ديفلوبمنت سوليوشنزفازت بالعقد الذي تقدر قيمته الإجمالية ب84 مليون دولار تقريبا مقابل الحصول علي خدمات الشركة خلال سنة واحدة مع امكانية الاستمرار لمدة اربع سنوات تالية وفق تجديد سنوي( أي5 سنوات).وبموجب العقد ستعمل الشركة علي توفير الأمن والحماية في الضفة الغربية وتقديم خدماتها للقنصلية الأمريكية في القدس. وتتشكل شركة انترناشيونال ديفلوبمنت سوليوشنزمن تحالف شركتي كازمان صاحبة النصيب الأكبر ولها علاقات قوية بمسئولين سابقين في وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة المخابرت المركزية سي.آي.إيه ومركز التدريب الأمريكي الذي كانت تملكه حتي وقت قريب شركة زي للخدمات( بلاك ووتر سابقا) وهو ما دفع وسائل الإعلام الي ابراز اسم بلاك ووتر مما ترك انطباعا غير مريح لدي الفلسطينيين. فاسم شركة بلاك ووترمرتبط بسلسلة من الانتهاكات والفظائع التي ارتكبها المقاتلون المرتزقة التابعون للشركة في العراق وهو الأمر الذي فجر فضيحة كبيرة داخل الولاياتالمتحدة ودفع هيلاري كلينتون في عام2008 الي تبني توجه يهدف الي انهاء العقود العسكرية المبرمة مع شركة بلاك ووتر وقررت الحكومة العراقية عدم تجديد ترخيص الشركة في العراق, كما اجبرت الملاحقات القضائية في كل من الولاياتالمتحدة والعراق الشركة علي تغيير اسمها في وقت لاحق. ولكن وفي ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي والغارات الإسرائيلية المستمرة علي المناطق المحتلة وتوسعها في مصادرة الأراضي وإقامة المستعمرات فإن التوجس الفلسطيني من وجود المرتزقة الأجانب كانت له اسباب اضافية. فمن المتعارف عليه من الخبرة التاريخية ان لجوء اي دولة في العالم بوجه عام والولاياتالمتحدة علي وجه الخصوص للاستعانة بالمرتزقة تكون له اسبابه وفي مقدمتها الاستعداد للقيام بعمليات غير مشروعة في ارض القتال( العمليات القذرة), خاصة ضد المدنيين حيث يتم تجنيب القوات النظامية خطر الانزلاق في انتهاكات تؤدي الي الإضرار بصورة الدولة امام المجتمع الدولي..وهو ما حدث بالعراق في وقت سابق, حيث كشفت بعض الإحصائيات عن أن عدد المتعاقدين الأمنيين المرتزقةفي العراق بلغ100 ألف مرتزق. وهناك سبب آخر يتمثل في توقع واشنطن حدوث حالة من انهيار الاستقرار ونشوب مواجهات مسلحة خطرة بالقدس والضفة الغربية ومن ثم فضلت الاستعانة بالمرتزقة لتجنيب صفوة جنودها التعرض للقتل من قبل مهاجمين متوقعين. وقد احدثت انباء تلك الصفقة جدلا داخليا بين الفلسطينيين, حيث انتقدت حركة حماس بشكل لاذع موقف السلطة الوطنية من الصفقة الأمريكية ومن وجود شركات الأمن الأجنبية وظهر خالد البطش احد قادة حركة الجهاد الإسلامي في وسائل الإعلام الإيرانية( مثل قناة العالم)ليشجب تكليف شركة بلاك ووتر الامريكية بمهام امنية في القدس والضفة الغربية, موضحا مخاوفه من مستقبل عمل مثل تلك الشركات في الضفة الغربية بوجه عام ومدينة القدس علي وجه الخصوص.ودارت شكوكه حول امكانية قيام تلك الشركات الأمنية ببناء قواعد ومحطات امنية امريكية مماثلة لما فعلته في العراق وافغانستان أوالقيام بمشروع امني مستقبلي في الضفة الغربية يهدف للتصدي للمقاومة والجماهير الفلسطينية المطالبة بالاستقلال, مؤكدا ان وجود مثل هذه الشركات الامنية في الضفة الغربية سيسهم في تفتيت السلطة الفلسطينية وإضعافها. وردت السلطة الوطنية الفلسطينية بنفي أي علاقة لها بالصفقة المعقودة بين وزارة الخارجية الأمريكية وشركة الأمن والحراسة الخاصة انطلاقا من ان مهمة حراس هذه الشركة ستقتصر علي حماية مبان وانشطة مؤسسات أمريكية رسمية أو المسئولين الذين يقومون بزيارة الضفة الغربية وهو امر بروتوكولي لا دخل للسلطة الفلسطينية به انطلاقا من ان حراسات الوفود الرسمية الزائرة من أي دولة اجنبية تعد امرا خاصا بتلك الدول. وتجدر الإشارة الي ان شركة بلاك ووتروبعد تغييرها لاسمها وعدم توقيع عقود مباشرة معها استعانت ب8 شركات تابعة لها تستخدم كواجهة لإبرام العقود وقدرت قيمة العقود الموقعة مع تلك الشركات حتي شهر أكتوبر2010 بما يقرب من10 مليارات دولار.