موضوع احتل مكانا بارزا في الدبلوماسية الفرنسية علي أعلي المستويات في الفترة الأخيرة... خاصة بعد أن أصبح هذا الملف من الاختصاص المباشر لقصر الاليزيه... أو بمعني أصح الرئيس نفسه. وذراعه اليمني... كلود صبيان أمين عام القصر.. والمبعوث المفضل لدي الرئاسة السورية.. منذ إعادة شيء من الدفء إلي العلاقات الفرنسية السورية قبل عامين ونصف تقريبا... ربما نظرا لحساسية الأوضاع... وانطلاقا من الأهمية الكبيرة التي يحظي بها ملف لبنان لدي فرنسا... وثانيا... بعد أن عادت الأوضاع في لبنان إلي التأزم الخطير الذي يهدد بالانفجار في أية لحظة... وبالعودة مرة أخري إلي الأيام والسنوات السوداء من منتصف السبعينيات إلي أوائل التسعينيات.. ومن هنا كانت كوكبة القيادات السياسية اللبنانية التي توافدت علي فرنسا, وعلي قصر الاليزيه واختتمت بزيارة رئيس الوزراء سعد الحريري... ثم كانت زيارة الرئيس السوري بشار الاسد للعاصمة الفرنسية... ولقاءاته مع الرئيس ساركوزي, ومع رئيس الوزراء فرانسو فييون.. مع استبعاد أو تجاهل وزيرة الخارجية ميشيل اليوماري... وقد جاء بيان الإليزيه واضحا حول مباحثات الرئيسين الفرنسي والسوري.. ومحددا حاسما حول ثوابت فرنسا, فأعلن البيان أن الرئيس ساركوزي تناول بصفة خاصة الوضع في لبنان... الذي يتابعه بقلق.. بسبب التوترات الحاصلة حول نشاط المحكمة الخاصة... التي أنشئت بقرار من مجلس الأمن الدولي, وأنه أكد تمسك فرنسا باحترام تفويض المحكمة... وباستقلالها... وأعرب عن الأمل في أن تتمكن حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية من أن تمارس بفاعلية مسئولياتها في خدمة لبنان وكل اللبنانيين, وأكد التزام فرنسا بأمن لبنان... عبر مشاركتها في القوة الدولية هناك. كلام واضح ومحدد لا لبس فيه... في بيان مختصر حول المباحثات.. الرئيس السوري بشار الأسد من جانبه خرج يعلن أن كل الأشخاص ليس لهم مصلحة في فتنة في لبنان.. وأكد في نفس الوقت أن ما نريد أن نقوم به وناقشناه اليوم... وناقشناه سابقا مع السعودية.. هو كيف نستهل الأفكار, التي تطرح لبنانيا لكي نري أين نذهب في هذه الأفكار من خلال الإجراءات.. الحل هو حل لبناني.. وليس حلا سوريا ولا فرنسيا ولا سعوديا... ونحن انطلاقا من السيادة واحترام الاستقلال اللبناني لا نريد أن نتدخل... ولن نتدخل في هذا الموضوع سوريا إذن لا تريد حدوث فتنة في لبنان... وهو نفس ما تريده فرنسا, وتعمل من أجله.. فالتهدئة هي المطلب والمقصد المشترك فرنسيا ولبنانيا.. بل لنقل أيضا إقليميا ودوليا... ولكن الفارق والخلاف يكمن.. في كيفية الوصول إلي هذه التهدئة.. وتجنب حدوث فتنة.. ليست من مصلحة أحد بكل تأكيد لا في الداخل ولا في الخارج.. في المنظور السوري... من الواضح علي ما يبدو.. أن الفتنة يمكن أن تحدث... إذا ما مضت المحكمة الخاصة أو الدولية في طريقها.. وأصدرت قرارها الظني... قرار الاتهام... الذي تسربت معلومات عنه... تكاد تؤكد أنه سيشير بصفة خاصة.. إلي ضلوع عناصر من حزب الله... في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري, نقول عناصر من حزب الله... وليس حزب الله التنظيم... وتشير مصادر دبلوماسية. إلي أن الأسد سعي خلال زيارته ومباحثاته... إلي تمرير هذه الرسالة... وتجنب حدوث الفتنة... من خلال إلغاء المحكمة الدولية... أو وقف صدور قرارها الظني... ويأتي هذا المسعي.. أولا تحقيقا لرغبة حزب الله... التي تتلاقي مع الرغبة السورية... خاصة أننا لا ننسي أن أول تسريبات عن التحقيقات الدولية الجارية منذ سنوات... قد أشارت بأصابع الاتهام... إلي شخصيات سورية.. وثانيا: انطلاقا من فكرة التشكيك في صلاحية المحكمة ومصداقيتها... التشكيك في مسألة التنصت علي تليفونات أعضاء من حزب الله.. نتيجة لاختراق عملاء إسرائيل لهذه الشبكة وسيطرتها عليها... الأمر الذي تكون له انعكاساته المباشرة علي مجري التحقيق... ثم قضية شهود الزور... وأخيرا ما أثاره حسن نصر الله من أن نائب رئيس المحكمة قد باع وثائق التحقيق بمبلغ50 ألف دولار... وأن أحد المشترين أعطي هذه الوثائق إلي حسن نصر الله.. غير أن رد الإليزيه ورسالته... جاءت واضحة حازمة لا لبس فيها... ومؤكدة لثوابت الموقف الفرنسي. القائم علي أن المحكمة باقية؟... وزيرة خارجية فرنسا ميشيل أليوماري أكدت للسفراء العرب المعتمدين لدي فرنسا في لقائها معهم أخيرا علي غداء عمل.. الموقف نفسه بمعني تمسك فرنسا بسيادة لبنان واستقلاله.. ومساندتها لعمل المحكمة الخاصة من أجل لبنان.. وشددت علي ضرورة أن تعمل لبنان بكل استقلالية في إطار من احترام واستقلالية العدالة الدولية... وعلي أن تعمل في خدمة العدالة ومكافحة اللاعقاب... فالمحكمة وفق المنظور الفرنسي.. بل ومنظور المجتمع الدولي.. سلطة قضائية أنشئت بقرار أممي.. وبدعم من قرار للحكومة اللبنانية.. وهي ككل سلطة قضائية تعمل في خدمة العدالة ومحاربة اللاعقاب. الرئيس ساركوزي في نفس الوقت.. يريد بأي ثمن الحيلولة دون حدوث السيناريو الأسوأ.. فحزب الله الذي يعتبر ان القرار الظني يستهدفه بل انه يندرج في اطار مؤامرة تستهدف القضاء علي المقاومة.. حزب الله علي لسان رئيسه حذر من انه سيقطع أي يد تسعي لاعتقال أي من أعضائه.. وحدد بالانقضاض علي السلطة إذا ما تعرضت مصالحه الحيوية للخطر.. تحذير أو تهديد.. يمكن ان يعود بلبنان إلي أسوأ فتراته العصيبة.. خاصة أنه إذا ما نفذ حزب الله تهديده ووعيده بالانقضاض علي بيروت.. فإن مثل هذا العمل يمكن.. نقول يمكن ان يؤدي إلي اندفاع اسرائيل نحو مغامرة جديدة.. وربما غير محسوبة جيدا بشن هجمات علي لبنان مرة أخري.. بل وربما علي سوريا نفسها.. كحليف لحزب الله ومشجع له.. في رأي البعض من المحللين خاصة انها غير قادرة علي شن الهجمات الموعودة علي ايران.. ومنشآتها النووية. من هنا كان مسعي ساركوزي الحثيث لتجنب هذا السيناريو الأسوأ.. ولكن ليس من خلال الغاء المحكمة أو ايقاف صدور قرارها الظني.. فهذا أمر غير وارد أولا لأنه ليس من سلطة أي دولة الغاء محكمة انشئت بقرار أممي.. وثانيا: لان الأممالمتحدة ستفقد بذلك مصداقيتها ومشروعيتها اذا ما تراجعت. وثالثا لأنها ستكون سابقة ومثلا يحتذي في أي محكمة مماثلة.. خاصة أن هناك حاليا محكمة الجزاء الدولية حول السودان ودارفور.. الرئيس الأسد في حديثه التليفزيوني مع القناة الأولي قال انه بحث مع الرئيس ساركوزي تهدئة الموقف والخواطر في لبنان وكيف يمكن لفرنسا ان تمنع تسييس المحكمة والتدخلات السياسية في عملها. وبالنسبة لفرنسا فإن المطلوب من الرئيس بشار الأسد ان يتحرك ويعمل كل شيء من أجل المساعدة في التهدئة, ومن أجل تحقيق الاستقرار في لبنان, واقناع الحلفاء من حزب الله بعدم تفجير الموقف فهل يتحرك الرئيس السوري فعلا في هذا الاتجاه.. اتجاه التهدئة؟! وهل يملك من النفوذ ما يسمح له بهذا التحرك.. المؤكد ان التصعيد والتفجير والفتنة كما قال الرئيس الأسد ليس في مصلحة أحد.. لا في داخل ولا في خارج لبنان. ومن المفارقات ان القرار الظني الوشيك كما نسمع منذ أكثر من اسبوعين أو ثلاثة.. والذي تمت صياغته بالفعل منذ بداية ديسمبر أو ربما قبل ذلك.. هذا القرار اكتشفنا فجأة ان قاضي التحقيق دانييل فرانسين لابد وان ينظر فيه ويقره ويعيده إلي الادعاء.. وبعد ذلك يصبح هذا القرار قرارا ظنيا. وهو أمر يستغرق بين ستة وعشرة أسابيع. الأمر الذي يعني تأجيل الأزمة أو ترحيلها.. ولكن الي حين.. ولكن المواجهة مع الحقيقة تظل اتية لا محالة.. ولا ننسي ان المؤسسات اللبنانية معطلة, والحكومة لا تعمل. ورئيسها في حالة هروب مستمر من الموقف. لبنان في مأزق.. مأزق شديد وخطير.. وهناك مخاوف كبيرة من أن يؤدي صدور قرار ظني يطال عناصر من حزب الله.. الي صب الزيت علي النار.. والي حدوث فتنة طائفية بين السنة والشيعة.. والعودة الي سابق عهده بالاشتعالات والتفجيرات. والرئيس الفرنسي لابد وان يكون ميالا الي التهدئة... والمنطقة ليست بحاجة الي المزيد من اشتعال النار.. ويبقي السؤال المطروح.. كيف؟! ومن ؟! من الذي يستطيع.. بلد بات قاب قوسين أو أدني من الانفجار والدمار الذي سيشمل الجميع دون استثناء.. ولم يعد يملك من أمر نفسه شيئا... في رأي البعض بعد أن أصيبت مؤسسات بالشلل شبه الكامل. وبلد آخر ليس لديه الأدوات ولا الوسائل التي تمكنه من عمل شيء. ولا حتي التراجع.. عن المحكمة التي عمل بإصرار علي انشائها علي أمل انها ستحقق العدالة والأمن والاستقرار, فإذا بها تتحول الي أكبر تهديد للأمن والاستقرار في هذا البلد الذي كان الجميع ينظرون اليه علي انه سويسرا الشرق. وبينهما بلد ثالث عاني العزلة والاحتلال ومازال ويطمح في الخروج منهما.. من خلال أوراق رابحة لديه.. ولكن ربما يكون من الخطأ المبالغة في قدرته علي تغيير هذا الموقف. معادلة صعبة ومعقدة.. فهل من سبيل للخروج!!