إفشاء الأسرار جريمة.. واذا كانت هذه الاسرار ترتبط باقتصاد الدولة وإذا كان افشاء بعضها يضر بالمجتمع فإن الجريمة تكون أكبر لتصل الي اعتبارها جريمة مخلة بالشرف والأمانة. فإذا كان مرتكبها مسئولا فإن عزله هو المصير الذي ينتظره بعد أن فقد الثقة وعدم الأحقية في تولي المنصب العام. هذا ما أكده الحكم الصادر من محكمة القضاء الاداري بتأييد عزل رئيس مجلس ادارة احدي شركات السمسرة وتداول الاوراق المالية لافشائه اسرار البورصة وسوق المال. الحكم يتواكب مع مانشهده الآن من طفرة قانونية لحماية المعلومات المحمية في جميع الهيئات والمؤسسات وسن قوانين العقوبات وتغليظها لكل من يفشي بأسرار عمله واعتبارها جريمة مخلة للشرف وقد بدأت بالفعل المحاكم الاقتصادية بجميع دوائرها خاصة دوائر الاستثمار النظر في مثل هذه القضايا. الدكتور سمير مكاوي استاذ الاقتصاد بالجامعة الامريكية موضحا أن لكل مؤسسة أو هيئة أو شركة استراتيجية عمل ولكل منها سياسات معنية داخلية تنتهجها في سبيل تحسين أدائها لزيادة أرباحها وهذه السياسات لو تسربت خارج إدارة الشركة قد تؤدي إلي توقعات بارتفاع سعر السهم مثلا في سوق الاوراق المالية وبالتالي تؤدي إلي المضاربة وارتفاع توقعات التعامليه في الاسهم رغم أن هذه المعلومة غير متاحة لكل الناس وهنا أصبحت المعلومة لحساب قلة ومصالح عدد بعينه فشركات تداول الاوراق المالية بسوق المال والبورصة بصفة خاصة لابد ان يتوافر فيها الشفافية لصالح العامه وليس فئة بعينها ولصالح اقتصاد الشركة وأرباحها. فقيام أشخاص غير أمناء بإفشاء معلومات وأسرار سوق المال يخل بالشفافية علي حساب آخرين في شراء سهم معين لأنه يعلم أن قيمته سترتفع, وبالتالي سيقع الضرر علي عامة الناس المتعاملين بشراء وبيع الاسهم فوضع تقنين لهذه الاساسيات وتشديد العقوبات وتغليظها لمنع تسرب المعلومات والالتزام بنشر المعلومة المتاحة للجميع دون تفرقة وذلك من خلال بيان معلن ومتاح بالشركة للجميع. فرصة المرابحة ويؤكد استاذ الاقتصاد أن إتاحة المعلومة والفرصة في سوق المال لأشخاص دون الآخرين يؤدي إلي فرصة المرابحة المرتفعة والمتاجرة علي أسعار الاسهم لصالح القلة وهو غير شرعي وغير قانوني ويعاقب عليها القانون لكونهم تمكنوا بهذه المعلومات من المكاسب الكبري علي حساب الآخرين, وبذلك تعد جريمة مخلة للامانة والشرف يتوافر فيها سوء النيه لصالح القائم بإنشاء المعلومة لنفسه ولأقاربه وأصدقائه دون الاخرين خاصة إذا كان هذا الشخص المتهم يشغل عملا أو منصبا قياديا في مكان ما فلابد من أن يتم انذاره ثم فصله من وظيفته وتوقيع عقوبة مالية عليه. ويري الدكتور حمدي عبدالعظيم أستاذ الاقتصاد ورئيس اكاديمية السادات للعلوم الادارية سابقا أن القانون95 لسنه92 الخاص بسوق المال منع أي شخص من التعامل في البورصة أو إفشاء الاسرار أو المعلومات الخاصة بشركة تداول الاوراق المالية بحكم عمله ولديه معلومات بحكم وظيفته مادامت أن هذه المعلومات غير متاحة لكافة المواطنين والمتعاملين وبالتالي فهو يحتكر معلومات وهذا الاحتكار عكس ما تقوم عليه سوق المال من شفافية وافصاح عن المعلومات لجميع المتعاملين وأي معلومات تتوافر لأي شخص معين بحكم عمله تعتبر غير متاحة للأخرين ومن هنا اعتبرها المشرعون والقائمون علي سن القوانين جريمة مخلة بالامانة والشرف. وأيضا قانون الاستثمار الخاص بتداول الأوراق المالية والذي نظم دور شركات السمسرة والموظفين القائمين عليها ووضع عقوبات لكل من يقوم بارتكاب أي أفعال مخالفه لما نص عليه هذا القانون من نظم سريه للمحافظة علي المعلومات والتداول وهي بصفة عامة تشكل جريمة. خصوصية ويرفض المستشار محمد الألفي رئيس الجمعية المصرية لمكافحة الجرائم المعلوماتية والانترنت التعليق أو التعقيب علي الحكم الصادر من القضاء الاداري وانما عقب علي الافعال التي ترتكب من كبار الموظفين بالافصاح عن المعلومات السرية الخاصة بتداول الاوراق المالية بهيئة سوق المال والتي تشكل جريمة مخلة بالامانة والشرف. فقانون العقوبات المصري نظم حرمة الحياة الخاصة وكذا وضع عقوبات لكل من يعتدي عليها فقانون الاتصالات وضع سرية للمعلومات المتداولة مع الشركات وعاقب القائمين علي تنظيم تداول المعلومات عبر الشبكات بين الشركات القائمة علي تنفيذ العقوبات السالبة للحرية. وقد نهج المشرع المصري نهج الحفاظ علي المعلومات وسرية التداول وجاء أيضا قانون التوقيع الالكتروني الذي يؤكد أن العبث دون وجه حق في معلومات متداولة بالاتلاف أو التزوير أو الادلاء أو الالغاء يعد جريمة يعاقب عليها بالحبس, وأيضا قانون الاحوال المدنية الذي وضع خصوصية لقواعد البيانات المحمية عبر الشبكات الخاصة بالمواطنين وهذه جميعها لها مدلولات بأن المشرع يحمي خصوصية المعلومات غير المفصح عنها فإذا تصورنا أن أحد الاشخاص يعمل في احدي الشركات وقام بالافشاء عن أي معلومات محمية أو بيانات تداول غير مفصح عنها فإنه قد أخل إخلالا جسيما بعمله وقانون تداول الاوراق المالية بهيئة سوق المال نظم دور شركات السمسرة والموظفين القائمين عليها ووضع عقوبات لكل من يقوم بإرتكاب أي أفعال مخالفة لما نص عليه هذا القانون من نظم سريه للمعلومات والتداول وهي بصفة عامة تشكل جريمة. ويشير المستشار محمد الالفي الي أنه يحمد للمشرع أنه سارع بإنشاء المحاكم الاقتصادية بالنظر والبت السريع في مثل هذه القضايا وكذلك اعطي المشرع صلاحيات للقائمين علي هيئة سوق المال بعقوبات للتصدي لمثل هذه المخالفات ويجوز لرئيس هيئة سوق المال وقف أو فصل الموظف المخالف والمرتكب لهذه الجريمة والتصدي لهذه المخالفات باعتبار أن من يقوم بالافصاح عن معلومات غير مصرح بإفشائها ومحمية بالقانون يجوز عزله من الوظيفه وتقديمه للنيابة العامة التي تقوم بدورها بالتحقيق واحالتها للمحكمة الاقتصادية., لأن هذه الجريمة تعد من جرائم الشرف وخيانة الامانة مثلها مثل جرائم النصب والسرقة وجرائم الاموال العامة والجرائم المرتبطة بالتداول في الاموال. مستحدثة ويضيف حسين شكري العضو المنتدب بإحدي شركات الأوراق المالية أن إفشاء الأسرار والمعلومات الخاصة بتداول الأوراق المالية بهيئة سوق المال جريمة مستحدثة في مجتمعنا المصري رغم أنها قديمة وتطبق في الدول المتقدمة, ويري أنها جريمة تساوي جرائم السرقة ولا تقل أبدا عن جرائم الاخلال بالشرف والأمانة. فمرتكب هذه الجريمة يضع نفسه في مركز الأولوية ويستفيد دون وجه حق بهذه المعلومات سواء لنفسه أو لمن حوله أو أقاربه أو من يهمه أمرهم بحسن نية أو سوء نية معللا ذلك بأن المعلومة أتت إليه دون أن يسعي اليها بحكم عمله في المكان نفسه, ولكن في النهاية أنه تمكن من أخذ شيء ليس من حقه واستولي علي أشياء ليست ملكه لأنه استفاد من معلومة محمية لابد أن تعود بالمنفعة علي الجميع وليس فئة معينة أو شخص بعينه. فالافشاء بالمعلومات وأسرار التداول المالي يضر بالعديد من الشركات الاستثمارية وغيرها لما لها من شركات أخري منافسة, وكذلك تضر وتضرب صفقات بالملايين بل بالبلايين, وتؤثر أيضا علي سوق المال وعدم تطبيق مبدأ العدالة, فالمعلومات يجب أن تكون متاحة للجميع. ويعتقد العضو المنتدب أن هيئة سوق المال بل هيئة الرقابة المالية والبورصة تضع أسسا وقواعد معروفة لتنظيم العمل تطبق علي الجميع وأكبر دليل علي ذلك منع الموظفين في شركة تداول الأوراق المالية من شراء والتعامل مع أسهم الشركة التي يعملون بها وبالطبع يتم منع العاملين والموظفين كبارا وصغارا بهيئة سوق المال من التعامل مع الشركات المنسقة والمتعاملة معها. ويري أن تغليظ العقوبة لهذه الجريمة أمر طبيعي لمنع الخلل الاقتصادي وتحقيق العدالة. عدم تطابق الجريمة مع الجاني ويستفسر المهندس هاني توفيق رئيس الاتحاد العربي للاستثمار المباشر عما نشر من خبر إفشاء أسرار سوق المال جريمة مخلة بالشرف والحكم لاغبار عليه, وإنما تكييف الحكم مع القائم بالجريمة لايتطابق بمعني كيف يقوم رئيس مجلس ادارة بنك مصر أو الأهلي أو غيره بافشاء أسرار أو معلومات عن البنك المركزي فهذا لايصح ولايجوز أو كيف يفشي مهندس أو حتي طبيب عادي أسرارا أو معلومات سرية عن نقابة الاطباء هناك خطأ ما وحلقة مفقودة. فكيف يفشي رئيس مجلس ادارة احدي شركات السمسرة أسرار البورصة فهناك عدم تطابق بين نوعية الجريمة ومرتكبها فليس كل رؤساء مجالس ادارات شركات التداول المالية والسمسرة مطلعين علي أسرار ومعلومات البورصة فهي ليست من صميم عمله فكيف يفشي بالمعلومات أو الاسرار قد يكون هناك خطأ في نشر وظيفة مرتكب الواقعة أما بالنسبة لمنطوق الحكم فهو صحيح ويتماشي مع الواقع بل ومتأخر في صدوره لان دول العالم وفي أمريكا علي سبيل المثال استغلال المعلومات المحمية بتداول الاوراق المالية بغرض تحقيق أرباح غير مشروعة يعتبر جريمة فيدرالية, وليست جريمة عادية فهي جريمة مقيدة للحرية وبالتالي نطالب المشرعين في مصر بتغليظ العقوبة ولاتكتفي بالعزل من الوظيفة وتوجه الاتهام له بل يجب أن تقترن بالسجن المشدد لانها تمثل السرقة العمد والتربح دون وجه حق وتحقيق خسائر كبيرة وهائلة للآخرين. أما تأثير ارتكاب هذه الجريمة علي البورصة فهو كبير وسييء لان انتشار مثل هذه الجرائم يبعد ويقلل من المستثمرين لشعورهم بالخوف, وعدم الأمان ولكن بمجرد أن تهدأ النفوس ويستشعر المستثمرون الآمان في المعاملات المالية, وتداولها سيؤدي ذلك إلي تدفق المزيد من المستثمرين. فالبورصة ليست كنزا ليس له صاحب ولا لعبة مضاربة واشاعات تنتشر لذلك يجب التعامل مع كل ذلك بشدة وحسم ورقابة حازمة وتطبيق العقوبات في أسرع وقت لمنع ارتكاب مثل هذه الجرائم.