أصعب شئ في بعض الأفلام السينمائية أنها تحيلك إلي الواقع, وتجعلك تسترجع واقعة ما أو حادثة وما بالك عندما تكون الحادثة مريرة, ومؤلمة إلي حد لا ينسي هذا هو الحال مع الفيلم السينمائي678. والذي يناقش قضية التحرش الجنسي. وحال النساء المصريات مع تلك الوقائع خصوصا أنهن يرفضن دائما البوح بما يحدث لهن خوفا من نظرة المجتمع وأقرب المقربين لهن, لذلك فالكتابة عن الفيلم والذي هو التجربة الإخراجية الأولي لمحمد دياب الذي عرفناه كاتب سيناريو شديد التميز ويملك مفردات خاصة, سيكون بلسان حال امرأة تعرضت بالتأكيد لمثل هذه الحالة وسمعت من صديقاتها الكثير, وعانت في مجتمع كثيرا ما يستحل جسد المرأة وأسهل شئ هو امتهانه لأننا بهذا المعني يجب أن نكون مع الفيلم وندافع عن التجربة بعيدا عن التقييم النقدي وتحليل كل العناصر الفنية ورؤية نواحي القصور خصوصا أن دياب نفسه بدا شديد التأثر بالقضية التي طرحها لدرجة أنه تماهي مع شخصيات الفيلم والذي يعرض لنماذج وشخصيات نسائية تنتمي لشرائح اجتماعية متباينة في تأكيد أن الظاهرة لا تخص طبقة بعينها بل أصبحت ظاهرة عامة فأمامنا نيللي كريم التي تنتمي لطبقة راقية وتملك جاليري وتصنع اكسسوارات يدويا متزوجة من طبيب يجسد دوره أحمد الفيشاوي مجنون بحبها وبكرة القدم, يصطحبها إلي إحدي المباريات النهائية لمصر في كأس الأمم الإفريقية وتؤجل هي إخباره بخبر حملها إلي ما بعد المباراة لتكون الفرحة فرحتين وأثناء نزولهما للاحتفال وسط فيضانات من البشر تملأ شوارع القاهرة وهو المشهد البانورامي الذي أجاد دياب إخراجه وكتابته لتلك المدينة التي تشبه الوحش تلتهم حتي أبناءها, يباعد الزحام بين نيللي أوصبا وزوجها وتبدأ عملية تحرش جماعي بتلك المرأة المسكينة والتي كان كل همها الاحتفال ببلدها ومشاركة زوجها الفرحة, ويرفض شريف الزوج أن يكون بجوار زوجته, لأنه بحسب تعبيره كلما يراها يتذكر عبث الآخرين بجسدها وعدم قدرته علي حمايتها, وتنكسر العلاقة بينهما وتبدأ صبا في إعطاء محاضرات توعية بساقية الصاوي حول تلك الظاهرة وهي المحاضرات التي تكشف مدي قهر المجتمع لتلك الحالات فجميع النساء يذهبن للمحاضرات إلا أنهم يرفضن الاعتراف أو التحدث عن الوقائع التي حدثت لهن أما فايزة تجسدها بشري في دور جديد عليها تماما فهي موظفة شهر عقاري متزوجة وتعاني هي وزوجها باسم سمرة الأمرين بسبب ضيق اليد والأهم هو معاناتها النفسية الأكبر من امتهان جسدها يوميا في رحلتها بالأتوبيسات العامة لتصل إلي عملها, وهو ما يجعلها تكره جسدها وترفض أن يقترب منها زوجها أو يمارس علاقته الحميمة معها, لأنها بينها وبين نفسها, أصبحت تشعر أن جسدها هو سبب كل أزماتها, أما ناهد السباعي أو نيللي فهي ابنة تنتمي للشريحة العليا في الطبقة المتوسطة مخطوبة لعمر والاثنان يعشقان فن الستاند أب كوميدي ولكنهما يضطران للعمل في وظائف ثابتة ليتمكنا من الزواج, أو بمعني أدق لان المجتمع لا والأهل لا يعترفون بتلك النوعية من الفنون في تأكيد علي أهمية الوظيفة الثابتة ونيللي التي تعمل بأحد الشركات الخدمية والتي يقوم عملها علي الاتصال الدائم بالعملاء وتتعرض لمضايقات كثيرة تتعامل معها بحدة تجعل مديرها في العمل يراقبها بنفسه ويطالبها بضرورة مسايرة الزبائن, وتجسد ناهد الواقعة الشهيرة لنهي رشدي أول فتاة تقدم بلاغ تحرش في مصر. وأجمل ما في الفيلم هو رصده لسلسلة القهر التي باتت تحكم المجتمع المصري مشهد حرمان أولاد بشري أو فايزة من دخول الفصل وتذنيبهم رافعين الأيدي في فناءا لمدرسة لتأخرهم في سداد المصروفات الدراسية وذهاب الأم إلي المدرسة والوقوف بدلا منهم المشهد الأخر والذي يحمل فكرة ذكية هو اجتماع الضحايا الثلاثة بطلات العمل وذهابهن إلي استاد القاهرة أثناء مباراة مصر وزامبيا في محاولة للانتقام من أي متحرش وأخذ حقهن بأيديهن بعيدا عن المجتمع الذي يريدهن دفن رؤوسهن في الرمال وهتافهم لزامبيا بدلا من مصر, وأيضا مشهد نيللي كريم عندما أصرت أن تأخذ حقها من طفل صغير ضربها علي المقعدة في الشارع وهو المشهد الذي أدته نيللي بانفعال محسوب ومعبر عن حالة الغضب التي انتابتها مع تلك الحركة من الطفل الذي انهالت عليه ضربا لأنه يمثل لها كل ما عانته في واقعة التحرش بها, ومشهد أل ستاند آب كوميدي لناهد السباعي والتي تألقت في هذا الفيلم وقدمت دورا مليئا بالانفعالات وهي تحكي عن واقعة التحرش بها والضغوط التي يمارسها أهل خطيبها عليها وحتي والدتها لتتنازل عن القضية حفاظا علي سمعتها وأيضا ماجد الكدواني والذي أجاد في تجسيده لشخصية ضابط المباحث والذي كان يحقق في وقائع الاعتداء علي المتحرشين بالأتوبيسات والذي كان يحاول أن يقمع بطلات العمل بمعني أن الحكومة مش ناقصة تفاهات والتحول الذي حدث له وتعاطفه معهن بعد وفاة زوجته بعد أن أنجبت له فتاة حيث أصبح يلعب دور الأب والأم فيلم768 للمخرج محمد دياب وانتاج شركة دولار فيلم سيتحول إلي وثيقة هامة عن قضية التحرش في مصر خصوصا انه يرصد بعمق سلسلة القهر الاجتماعي التي باتت تحكم المجتمع المصري, وأيضا قهر المرأة للمرأة عبر عنه المخرج في مشهد مؤثر ومحكم سينمائيا- اتهام فايزة لصبا ونيللي بأنهما يتحملان جزءا كبيرا من قضايا التحرش لأنهن سافرات ويرتدين ملابس ضيقة وقيام نيللي بقص شعرها- وما حدث من انهيار وتراجع اجتماعي في مصر مع تنامي المد الإسلامي منذ نهاية السبعينات.