ماليزيا ستصبح دولة متقدمة بحلول عام2020.. تحالفات استراتيجية مع دول مجاورة لتوفير الاحتياجات الغذائية الضرورية للمستقبل.. ربط إليكتروني بين بورصة كوالالمبور والبورصات الآسيوية لجذب مزيد من الاستثمارات. اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول وكتل اقتصادية أخري.. خفض ضريبي علي استثمارات البترول لزيادة الإنتاج المحلي.. سياسات لخفض العجز المالي.. جهود ملموسة لمحاربة الفساد والدفاع عما تتمتع به ماليزيا من شفافية... هذه هي أبرز تصريحات المسئولين في حكومة رئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق علي مدار الشهر الماضي. قد تبدو هذه تصريحات متفائلة تعبر عن محاولات من جانب التحالف الحاكم بزعامة رزاق لتخدير شعبه استعدادا للانتخابات البرلمانية التي ستجري العام المقبل, ولكنها قرارات ملموسة وحقائق موجودة علي أرض الواقع يشعر بها كل ماليزي وكل زائر لأرض ماليزيا في ساعات قليلة! فتجربة التنمية الماليزية نجحت رغم تعثرها أكثر من مرة بفعل الأزمة المالية الآسيوية في نهاية القرن الماضي والأزمة المالية الحالية ذ الدول الإسلامية التي تبحث عن حل لمعادلة العولمة مع الحفاظ علي الهوية, ففي' مثلث كوالالمبور الذهبي' الشهير في قلب المدينة, تتجاور ناطحات السحاب الشاهقة مع أصوات مآذن المساجد التي تدعو إلي الصلاة, وفي المراكز التجارية الضخمة التي تعد من أبرز معالم مدن العولمة في العصر الحالي تجد الماليزيين يكشفون عن أهم أسرار نجاح تجربتهم التنموية, وهي الوحدة الداخلية, والتي مكنتهم من خفض الفقر من52.4% في عام1970 إلي5.5% في عام2000, ثم إلي1% ليصبح متوسط دخل الفرد7 آلاف دولار سنويا. فالشعب الماليزي الذي يبلغ تعداده أقل من30 مليون نسمة يتكون في أغلبه من المسلمين' الملايو'( أكثر من50%), ولكن هناك أيضا أقليتان كبيرتان: الصينيون, والهنود. الصينيون يتفوقون في سوق الإليكترونيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات, بينما الهنود يسيطرون علي مؤسسات المال والبنوك, أما المالايو فيعمل معظمهم بالزراعة والتجارة, وهم الأكثر تمثيلا في مؤسسات الدولة بحكم أغلبيتهم العددية, ومع ذلك فالأعراق الثلاثة اتفقت بشكل غير مكتوب علي أن وحدتها الاجتماعية هي الطريق الوحيد للتنمية, وهذا واضح تماما للعيان من خلال التعاملات اليومية. فمن السهل للغاية أن تفرق بين الملايو والصيني والهندي من حيث الملامح الشكلية, فمن السهل جدا أن تجد ماليزية ترتدي الحجاب أو النقاب وتسير إلي جانبها صديقتها التي ترتدي الملابس الغربية القصيرة جدا, ولكن من المستحيل أن تجد أي شيء آخر يفرق بينهم لا في الحقوق والواجبات ولا في درجة الإحساس بالرضا والانتماء للوطن الذي يجمعهم, وباقتصادهم الذي يحقق الكثير من المعجزات, من معدل تنمية نسبته6% تقريبا هذا العام, ونسبة عجز ستنخفض إلي5.4% في2011, وعملة محلية قوية هي' الرانجيت' التي تسجل ارتفاعات متتالية أمام الدولار. الماليزيون الذين ذاقوا حلاوة التنمية والنهضة, وباتوا بالفعل قريبين من تحقيق وعد رئيس وزرائهم الحالي, ومن قبله رئيس الوزراء الأشهر في تاريخ البلاد مهاتير محمد, ليسوا مستعدين للتفريط في وحدتهم من أجل التعصب للعرق أو الدين, بدليل أن جلد ثلاث سيدات في محاولة فردية خارج إطار الدولة لتنفيذ الشريعة بتهمة ارتكابهن جرائم أخلاقية في فبراير الماضي, والاعتداء بعدها علي منشآت مسيحية, لهما واقعتان أفزعتا المستثمرين ومعظم الماليزيين, وجعلتا كل فرد منهم يصر علي الدفاع بقوة عما تحقق من مكاسب. التنمية في ماليزيا كانت قرارا اتخذه الماليزيون أنفسهم لا حكومتهم وحدها, بالتطلع إلي الأمام والكف عن الشكوي, بل إن الحكومات الماليزية المتعاقبة تركز جهدها علي العمل فقط لتنفيذ ما اختاره الشعب من استقرار وتنمية.