الفاجعة أن هذا الحوار دار داخل أروقة الجامعة, وتحديدا بكلية الهندسة التي تقبل الأكثر تفوقا في الثانوية العامة. وكان طرفا الحوار, مجموعة من الطلبة الملتحين وعدد من أساتذة الكلية.وفي البداية استنكر الطلبة إقبال المصريين المسلمين علي مشاهدة الآثار والتماثيل الفرعونية وإحاطتها بكل هذا التقدير. وأكدوا أنها ليست أكثر من أصنام تستحق التدمير, وعقبوا قائلين: إنهم لو وصلوا إلي السلطة فلن يتورعوا عن تدمير كل الآثار الفرعونية حماية للناس من الشرك, ثم أشاروا إلي ما تضمنه الكتاب الكريم عن فرعون. وعندما أوضح لهم الأساتذة, أن كل المسلمين الآن في مرحلة من الوعي والإيمان والفهم تمنعهم تماما من النظر إلي هذه الآثار والتماثيل الفرعونية باعتبارها أصناما, كما أنها التجسيد الموجود والباقي لعظمة الأجداد الفراعنة. ثم أشاروا إلي أن هؤلاء الأجداد هم الذين أشرق علي أيديهم فجر الضمير مثلما أكد الكاتب المتخصص البريطاني الجنسية جيمس هنري برستيد, كما أنهم بفطرتهم النقية أدركوا أن هناك خالقا واحدا لهذا الكون, وقالوا إن هناك بعثا بعد الموت, وحسابا علي أفعال البشر ثم ثوابا أو عقابا. ولكن الطلبة قالوا, إنها أصنام وشرك بالله, وطريق للضلال والإضلال. ورد الأساتذة, بأنه لا يمكن تصور عودة الناس إلي ماكان سائدا في عصور الجاهلية قبل الرسالة المحمدية وانتشار الإسلام, فقال الطلبة الملتحون, لقد كان هناك قوم آمنوا بالأنبياء الذين جاءوا قبل محمد نبي الله ورسوله, ثم نسوا فيما بعد, أو نسي من أتي بعدهم ما جاء به الأنبياء وأشركوا وعبدوا الأصنام, لذا فإن الحل هو تدمير هذه الأوثان. فقال الأساتذة, أي أنكم ستفعلون ما سبق أن فعلته حكومة طالبان في أفغانستان بعد أن استقرت في الحكم ودمرت تمثالين حجريين كبيرين لبوذا, ثم عقبوا أن مثل هذا العمل واجه استنكارا وغضبا من كل أركان المعمورة. فقالوا في صوت واحد وبحدة: إن ما فعلته حكومة طالبان هو الصواب, وإنه لا قيمة لاستنكار العالم, المهم إرضاء الله وتجنب غضبه ودفع المنكر حفاظا علي الإسلام وحماية للمسلمين من الفتنة والافتتان, وقد انتصرت طالبان للإسلام, ولم تبال بغضب الغاضبين. وقال الأساتذة إنكم تريدون تدمير تاريخ مصر, فردوا قائلين: إنه تاريخ من الشرك, والتاريخ الحقيقي يبدأ بتحول مصر إلي الإسلام. وواجههم الأساتذة بقولهم إنهم وكل من ينهج نهجهم أو يفكر علي طريقتهم خطر علي مصر والمصريين حتي وإن كنتم جميعا في الظاهر تتحدثون بلسان إسلامي, ولكنه في النهاية لا يمكن أن يكون من الإسلام, ولن يؤدي إلا الي تشويه صورة الإسلام والمسلمين, وزعزعة الاستقرار في مصر وإصابتها بشروخ عميقة. وما لم يقله الأساتذة, إن من غسلوا عقول هؤلاء الشباب, قد نجحوا تماما, وتمكنوا من السيطرة عليهم. ومثل هؤلاء الشباب لا يقبلون بالمنطق ولا يريدون حوارا, بل يريدون من الجميع التسليم بما يرونه, وبمعني أصح ما يراه قادتهم. وكان من المفيد أن يقول الأساتذة لهم, إنه منذ فتح مصر عام642, وبدء اقتراب العرب الفاتحين من أثار مصر الفرعونية, وكانوا حديثي عهد بالإسلام, لم يثبت أن أيامنهم قد فتن في دينه بسبب هذه الآثار. وهذا التيار المتشدد بقواه التي وصلت إلي قمة السلطة في بعض الدول, أو التي تعمل بكل قواها في عدد آخر من الدول للوصول إلي السلطة, هو الذي يحرم الفن والغناء والموسيقي والسينما والتليفزيون, ويحرم الاختلاط ويري أن صوت المرأة عورة وخروجها للشارع مكروه إلا للضرورة, ويفرض عليها البقاء في المنزل, أما العمل فهو مكروه إلا لضرورة, والحجاب فرض والنقاب أفضل من الحجاب وبالنسبة للرجل فإن اللحية لابد منها, ويجب أن يكون طولها قبضتين ويفضل للرجل ارتداء القميص والسروال, ولابد من الالتزام بتسريحة الشعر الشرعية. هذا الاستغراق في الشكل دون سند من القرآن أو السنة هو أهم ما يميز هذا التيار, أما العلم والتطور والتقدم والتنمية الاقتصادية وفهم العالم بصراعاته وتوازناته فتلك قضايا مؤجلة يسبقها أسلمة المجتمع وفقا لرؤيته. كما أن هذا التيار يرفض السلام مع اسرائيل, ويتبني استمرار الصراع حتي ولو استولت اسرائيل علي كل فلسطين, واحتلت أراضي عربية أخري, استنادا الي أن الغد سيحمل نصرا مؤزرا لهم. شكوي عربية يلجأ الناس إلي الإعلان في الصحف كوسيلة أخيرة للإفلات من حصار يحول بينهم وبين حقوقهم وللصراخ من ضغوط قبضة الظلم الذي حاق ويحيق بهم. وهذا الأسلوب للتعبير عن الشكاوي أصبح واحدا من أهم الطرق للوصول إلي من بيدهم القدرة علي إحقاق الحق ورفع الظلم. ويمكن القول, إن وسيلة الإعلان المدفوع الثمن سواء علي صفحات كاملة أو مساحات منها, هو التطور لأبواب الشكاوي في الصحف والمعروفة أحيانا باسم بريد القراء, والتي عرفتها الصحافة المصرية منذ عقود. وكان مدهشا أن يلجأ مستثمرون عرب كبار الي هذه الوسيلة بالإعلان المنشور بجريدة الأهرام يوم الأحد28 نوفمبر الماضي, لأن الجميع يعرفون أن مصر ترحب بهم جدا, وأن هناك تشجيعا رسميا وشعبيا, وأن كل الأبواب مفتوحة أمامهم لأسباب كثيرة, وهناك دائما من هو علي استعداد لإزالة كل العوائق من أمامهم. والمهم هنا أن هذه المجموعة أو هذه الشركة التي دخلت مجال الاستثمار في الفنادق الفخمة سواء في القاهرة أو في الغردقة وباقي ساحل البحر الأحمر, أوضحت في هذا الإعلان حقيقة العقبات والعراقيل التي بدأت تعاني منها منذ سنوات, والتي صاحبتها حملة هجوم إعلامية استهدفت الإساءة إليها. ولو كان ما جاء في التوضيح يمثل الحقيقة والواقع, فإن الأمر لا يتطلب التدخل فقط لإحقاق الحق وإزالة العوائق, بل يتطلب أيضا تقديم كل من شارك في ذلك إلي المحاكمة باعتباره ضالعا في جريمة تخريب الاستثمار, وتطفيش المستثمرين, والحيلولة دون هذه الشركة, وتحقيق أهدافها التي تساعد علي زيادة الدخل القومي لمصر, وعلي توفير فرص عمل بالآلاف أمام الباحثين عن عمل من المصريين. المزيد من مقالات عبده مباشر