ماذا جنت البشرية من عصر العولمة بعد مرور عشر سنوات من الألفية الثالثة؟ سؤال يحتاج إلي وقفة تأمل ومراجعة في ضوء ما شهدناه من تحولات رهيبة اتجهت بالعالم نحو آفاق بعيدة سواء من ناحية التطورات المذهلة في التقدم العلمي والتكنولوجي. أو من ناحية بروز مناهج ونظريات عديدة في السياسة والفكر والاقتصاد أحدثت ما اصطلح العلماء والباحثون علي تسميته بالتحول الفجائي الذي لم يسبق للبشرية أن واجهته علي طول تاريخها بمثل هذا العمق وبمثل هذا الاتساع وبهذه الدرجة من التوتر والانفلات والغضب والاحتجاج. لقد تساقطت معظم الثوابت في الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي مثلما تتساقط أوراق الشجر في الخريف وأخطر هذه الثوابت هي نظرية سيادة الدولة التي كشفت ممارسات القوي الدولية المتبنية للعولمة عن رغبة في شطب بنودها وركائزها من خلال السعي الحثيث بطرق مباشرة أو غير مباشرة لاستباحة حق التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخري بمبررات وذرائع مختلفة مثل أسلحة الدمار الشامل وضرورة نشر الديمقراطية ومراقبة حقوق الإنسان ومصالح الأقليات بعد أن تلاشت المسافات وسقطت الحواجز والحدود كأحد الاستحقاقات لسياسات العولمة. وفي ظل قانون العرض والطلب شهدت الأسعار ارتفاعا غير مسبوق بالنسبة لكل المنتجات والخامات ولم تعد الأجور تفي بتلبية أبسط الاحتياجات في معظم دول العالم التي فقدت قدرتها علي توفير الحد الأدني من مساحة الاستيعاب الجماعي لرعاية الفقراء رغم التعهدات الحكومية بتوسيع مظلة التأمين الاجتماعي لرعاية المسنين والمرضي والعاطلين والفقراء. والحقيقة أن الأزمة المالية العالمية الأخيرة أسهمت في كشف أهم عورات فلسفة نظام العولمة والمتعلق بغل يد الدولة عن التدخل في الشأن الاقتصادي ودون إدراك للمخاطر الاجتماعية والأمنية التي يمكن أن تترتب علي ذلك خصوصا في الدول الآخذة في النمو وما يستتبعه ذلك من ركود في التجارة العالمية نتيجة انخفاض في القدرة الشرائية لدي أغلبية الشعوب المستهلكة لمنتجات الدول الصناعية الكبري. ومن يقرأ بعناية ما شهده العالم من اهتزازات وتوترات وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية في ظل نظام' العولمة' يجد أن ما جري التبشير به قبل10 سنوات لم يتحقق مثل الرهان علي إنعاش التجارة العالمية ومحاربة الركود والكساد الاقتصادي أو احترام حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية وحماية البيئة وإنما علي العكس تزايدت معدلات البطالة في الدول الغنية والدول الفقيرة علي حد سواء نتيجة ندرة فرص العمل مما أدي إلي انتشار الزلازل الاجتماعية وازدياد ضراوة الصراع الاجتماعي بسبب اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء سواء علي مستوي الدول أو علي مستوي الأفراد. إن فلسفة' البقاء للأقوي' التي ترتكز إليها' العولمة' ربما تصلح في الغابات حيث تتصارع الحيوانات المفترسة, أو في البحار, حيث تأكل الأسماك الكبيرة الأسماك الصغيرة, ولكنها بالقطع تتصادم مع الطبيعة الإنسانية للمجتمعات البشرية التي تنمو وتزدهر بالتكامل والتعايش في ظل درجات مقبولة من التنافس والتكافؤ! *** خير الكلام: ** إذا كان استخدام الحرية في غير موضعها خطأ كبيرا فإن تقييد الحرية- تحت أي مسمي- خطيئة كبري! [email protected]