رغم حالة القلق التي تسيطر علي العالم منذ اللحظة التي وردت فيها أنباء الاشتباكات الأخيرة بين شطري كوريا إلا أن رد الفعل الأمريكي بخاصة والاقليمي والدولي بشكل عام يوضح بما لايدع مجالا للشك أن احتمالات توسيع نطاق تلك الاشتباكات وتحولها إلي حرب شاملة في شبه الجزيرة الكورية. أمر بعيد جدا, فلا يوجد اي طرف من الأطراف لديه الاستعداد للدخول في حرب لايعرف كيف ومتي سيتمكن من انهائها لاسيما أن مثل تلك الحرب إن نشبت فستكون أشبه بمواجهة يوم القيامة لاتنتهي الا بتصفية الحساب وفناء أحد الأطراف علي الأقل. والواضح تماما أن كوريا الشمالية عندما اقدمت الأسبوع الماضي علي مهاجمة قوات كوريا الجنوبية في جزيرة يونجبيون المتنازع عليها كانت تدرك تماما أن قدرة حلفاء سول علي التدخل في القتال محدودة للغاية ليس لأنهم لايملكون السلاح والجنود للقيام بهذا العمل ولكن لأنهم أولا غير مستعدين حاليا للدخول في حرب جديدة خاصة الولاياتالمتحدة المتورطة حتي اذنيها في مستنقعي العراق وأفغانستان وثانيا لأنه لايمكن في ظل الأزمة المالية العالمية التي لم يتعاف الامريكيون ومعهم اليابانيون والكوريون الجنوبيون منها تماما كما لايمكن أن يفكر أي منهم في توريط نفسه أو حتي حلفائه في حرب قد تكلفه مئات المليارات من الدولارات علي الأقل وثالثا وأخيرا لادراك الجميع ان أي هجوم علي بيونج يانج سيؤدي لنشوب حرب اقليمية شاملة وربما تتحول إلي حرب عالمية للتداخل الكبير بين اطراف النزاع في شبه الجزيرة الكورية وهو نفس ماحدث في الحرب الكورية الأولي عام1950 التي توسعت لتشمل الولايات المنحدة والصين ناهيك عن أن احتمالات تحولها إلي حرب نووية قائمة لامتلاك الكوريين الشماليين عدة قنابل نووية علي الأقل علاوة علي ترسانة صاروخية ضخمة. أذا قمنا بنظرة سريعة علي الترسانة العسكرية لكوريا الشمالية سنكتشف أن بإمكان بيونج يانج نشر2300 دبابة قتال رئيسية, وألفين وخمسمئة ناقلة جند مدرعة ودبابات خفيفة, إلي جانب أربعة آلاف وخمسمائة قطعة مدفعية من العيار الثقيل و6 آلاف مدفع هاون, إضافة إلي ستة آلاف من بطاريات الدفاع الجوي, وألف صاروخ أرض جو, ومئات أن لم يكن آلاف الصواريخ القصيرة والمتوسطة وطويلة المدي أرض أرض من بينها صواريخ سكاد بطرازاتها المختلفة وصواريخ تايبودنج. ومن ناحيتها تمتلك كوريا الجنوبية قوات جوية وبحرية تتفوق علي كوريا الشمالية, من ناحية الحجم والمعدات. وتشير التقديرات إلي امتلاك سيول ما بين490 إلي538 طائرة أمريكية وأكثر كفاءة من مثيلاتها المستخدمة في كوريا الشمالية. أما القوات البحرية لكوريا الجنوبية فتضم39 مقاتلة, وما بين13 إلي20 غواصة, وإن كان حادث غرق السفينة تشونان بطوربيد قد أثار تكنهات عديدة بشأن محدودية تطور أسلحتها البحرية. وتعتمد سيول علي نظام إيجيس الأمريكي المضاد للصواريخ, وتمتلك نظام رادارات الإنذار المبكر. وتخضع القوات الكورية الجنوبية لقيادة القوات الأمريكية في حال اندلاع حرب في شبه الجزيرة الكورية, تطبيقا لاتفاق موقع بين واشنطن وسيول, فضلا عن وجود أكثر من28 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية يمثلون بقدراتهم عاملا مرجحا لميزان القوي لمصلحة سيول علي حساب بيونج يانج. وتمتلك كوريا الشمالية جيشا من مليون جندي, إلي جانب قرابة190 ألفا من العناصر الأمنية, ومن ضمنهم حرس الحدود, و3.5 مليون من الاحتياط. وتندرج في صفوف قوات بيونج يانج وحدات مدربة خصوصا للعمليات في كوريا الجنوبية, ولديها الخبرة العملية المستقاة من التوغل في كوريا الجنوبية. وفيما لا يزال الجيش الكوري الشمالي قادرا علي القتال البري, فإن القيود المفروضة علي امتلاكه معدات حديثة تحد من قدرته علي القيام بعمليات أكثر تعقيدا, فيما تواصل سول جهودها لتحويل جيشها إلي جيش يعتمد علي التكنولوجيا الحديثة ومع ذلك, فإن القوات العسكرية التقليدية لكوريا الشمالية لا تزال قادرة علي الدفاع عن الدولة وإلحاق الضرر بكوريا الجنوبية بفعل حشدها الضخم من الجيوش علي طول المنطقة المنزوعة من السلاح. وخلال العقدين الماضيين, زادت كوريا الشمالية من نسبة نشر قواتها علي طول مائة كيلومتر من المنطقة المنزوعة السلاح. وهي تنشر ما بين65% من وحداتها العسكرية وما يصل إلي80% من قوتها الإجمالية داخل المنطقة. وتشمل ما يقرب من700 إلي800 ألف جندي, وألفي مدرعة, ما يجعل من قابلية كوريا الشمالية علي الغزو السريع لجارتها الجنوبية قائمة نظريا, من دون الحاجة إلي اللجوء إلي نشر المزيد من القوات وهو مايعني أن الكوريين الشماليين قادرون علي احتلال مساحات كبيرة من الشطر الجنوبي قبل أن يحدث اي تدخل خارجي لنصرة سول. والشيء المؤكد أن كوريا الشمالية ما كان يمكن أن تبادر بشن هجوم الأسبوع الماضي لولا ثقتها في امتلاكها للرادع النووي الذي يجعل الجميع بمن فيهم الأمريكيون يفكرون الف مرة قبل اتخاذ قرار بتأديبها, حيث عززت بيونج يانج موقفها بعد إعلانها نجاح تجربتها النووية الأولي في عام.2006 ولدي بيونج يانج ما يقارب40 كيلوجراما من البلوتونيوم تكفي لصنع6 أسلحة نووية, وفقا لما أعلنته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قبل فترة قصيرة, ما يجعل من أي خطوة لمعاقبة كوريا الشمالية محفوفة بخطر استخدام الأخيرة للسلاح النووي. كذلك أجرت كوريا الشمالية, العام الماضي, تجارب لإطلاق سلسلة لا تقل عن أربعة صواريخ موجهة ضد السفن وصواريخ ذاتية الدفع من طراز سكود في بحر اليابان. ومن المعتقد أن بيونج يانج تمتلك نحو ألف صاروخ قصير ومتوسط وبعيد المدي, بما في ذلك الصواريخ البالستية آي آر بي إم القادرة علي الوصول إلي روسيا والهند, ويبلغ مداها أكثر من3000 كيلومتر. كذلك يمكن أن تصيب صواريخ كوريا الشمالية كل مناطق اليابان, بما في ذلك القواعد العسكرية الأمريكية. وفي موازاة الاستراتيجية العسكرية الشمالية القائمة علي احتمال غزو كوريا الجنوبية, صممت القوات الشمالية لردع أي هجوم من المحتمل أن تتعرض له. وتشير التقديرات إلي أن النفقات العسكرية الفعلية لكوريا الشمالية تبلغ قرابة خمسة مليارت دولار, أي ما يعادل قرابة25% من إجمالي الناتج المحلي لكوريا الشمالية, ما يعكس سيطرة الهاجس الأمني علي تحركات النظام في بيونج يانج. ومن المعتقد ان الوجود العسكري الأمريكي في كوريا الجنوبية والذي يتمثل في28 ألف جندي أمريكي مزودين ب140 دبابة و170 مدرعة وطائرات أف16 المقاتلة وطائرات تجسس وصورايخ تكتيكية وأنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت لا يخيف بيونج يانج كثيرا لأنه ليس بالقوة الكافية لمواجهتها, وبالتالي فإن واشنطن تحتاج إلي أسابيع وربما شهور لجلب المزيد من القوات التي تكفي لمواجهة الشماليين, ولكن المؤكد أن المواجهة ستكون آنذاك قد انتقلت إلي عمق أراضي الجنوب.