إفريقيا بالنسبة إلينا كمصريين ليست مجرد قارة جغرافية صماء, ففي الوقت الذي تجمعنا نحن ومختلف دولها الخمسين في إطار تعاقدي واحد تحت مظلة منظمة الوحدة الإفريقية منذ عام1936, ثم تحت مظلة الاتحاد الإفريقي منذ عام2000, فإن هناك دوائر إفريقية عديدة ومتنوعة تجمعنا وإياها علاقات أوثق وأقرب وإن كانت الدائرة النيلية هي الدائرة الاستراتيجية الأولي, من منطلق أن النيل شريان حياتنا ونبض حضارتنا وعماد ثروتنا, ولذا كان طبيعيا أن ترتبط مصر بالقارة الإفريقية ارتباط حياة طوال عصور التاريخ. ولا عجب أنه منذ أقدم العصور تسترعي ظاهرة الفيضان السنوي لنهر النيل, أنظار المصريين القدماء, وحاولوا الوقوف علي سر هذه الظاهرة, فبدأوا رحلاتهم نحن الجنوب, سواء عن طريق البر أو طريق النهر, كما جابت أساطيلهم عباب البحر الأحمر, والمحيط الهندي, واتسع نشاطها بصفة خاصة في عهد الملك نخاو الثاني, الذي شيد أسطولا ضخما في البحر الأحمر, وآخر في البحر المتوسط, وأرسل بعثة بحرية ارتادت سواحل إفريقيا كلها, لأول مرة في التاريخ وقبل ميلاد المسيح بستة قرون. وفي هذا السياق ارتبطت مصر بحوض النيل, ارتباط طبيعة ووجود وبقاء, ولا تعتمد دولة علي مياه النيل اعتمادا كليا مثل مصر ويليها في ذلك السودان, ومن ثم فإن علاقات مصر والسودان الخاصة تعتبر مدخلا طبيعيا للتعاون بين دول حوض النيل كلها لمواصلة تنمية الاستفادة بمياه النيل بما يكفل المصالح الأساسية لجميع الدول النيلية. ولايمكن الاهتمام بنهر النيل دون الاهتمام بالعامل المشترك الأعظم, الذي يجمع أنهار إفريقيا ككل وبما يحقق المصلحة الإفريقية العليا لكل شعوب القارة, إن إفريقيا تستحوذ علي مجموعات نهرية كبري نحو(65 نهرا) في مقدمتها نهر النيل العظيم وأنهار زائير, النيجر, السنغال, الزمبيزي..الخ, ومن ثم يجب ألا تقتصر اهتماماتنا بالنيل فقط نظرا لدور مصر الريادي علي المستوي الإفريقي من ناحية, وتحقيقا لمصالح حيوية تربطنا بأنهار أخري منها نهر زائير سادس أطول أنهار العالم(734 كم) وأكبرها في إمكانات الطاقة الكهرومائية التي يجري الحصول عليها عند نهر إنجا, ومصر هي همزة الوصل في هذه الشبكة الكهربائية التي يمكن أن تربط إفريقيا بكل من الشرق العربي والمغرب العربي وأوروبا. وأكثر من هذا, فإن مسألة المياه الإفريقية كلها قد ارتبطت بما يعرف ب إعلان القاهرة للمياه الإفريقية الصادر عن الندوة الدولية لسياسات تكنولوجيا المياه في القارة(72 يونيو0991) ويعتبر هذا الإعلان من أهم عوامل تنمية التعاون بين الدول الإفريقية بروح الاعتماد الجماعي علي الذات. هكذا نجد أنفسنا كدولة مصب للنيل أكبر أنهار إفريقيا معنيين بمياه النيل ومياه أنهار إفريقيا ككل, ومدرسة الري المصرية مدرسة عريقة لا تتواني عن التفكير المستمر لتدبير المزيد من مياه النيل أو أنهار إفريقيا الأخري بما يحقق مصالح الجميع, وثمة مشروع طموح علي سبيل المثال لتنمية موارد نهر زائير ليغذي مجري نهر النيل, وطرح المشروع وزير ري مصري أسبق ليؤكد وهو متقاعد علي المعاش أن نقطة المياه هي محور فكره وهمومه اليومية, وتقوم فكرة المشروع علي الاستفادة من مليارات الأمتار المكعبة التي يصبها نهر زائير دون حدود في المحيط الأطلنطي ونهر زائير هو أغني نهر بمياهه في إفريقيا وأقربها الي نهر النيل, علي أن يتم نقل المياه الزائدة من نهر زائير عن طريق قناة تحويل الي مجري نهر النيل بالاشتراك بين مصر والسودان, حسبما ينص عليه اتفاق مياه النيل بين البلدين. وهكذا من مصر يخرج دائما الكثير من مثل تلك الأفكار والمشروعات الطموحة لدراسة جدواها وبهدف إرساء أسس التنمية المتواصلة علي ضفاف النيل وأنهار إفريقيا. وما أحوجنا الي تنمية الوعي المصري بقطرة المياه باعتبارنا أكثر شعوب حوض النيل استخداما للمياه وبالتالي أكثرهم تقديرا لكل قطرة ماء جديدة ومن ثم يجب أن يكتسب الاحتفال بيوم وفاء النيل سلوكيات أخري للمحافظة علي نقطة المياه المهدرة وكيفية ترشيد استخدامها في مختلف الاستخدامات الشخصية والمنزلية وأيضا كيفية المحافظة علي مجري النيل نظيفا. وأخيرا فإن ارتباط مصر التاريخي بإثيوبيا ليس ارتباط مصلحة خاصة من منطلق أن إثيوبيا إحدي دول حوض نهر النيل, وليس أدل علي هذا من أن مصر هي الدولة الإفريقية التي تحرص علي إقامة علاقات دبلوماسية وودية مع الدول الإفريقية دون استثناء ومن ثم فإن المثقفين والإعلاميين المصريين قد أصابتهم الدهشة من تصريحات مليس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا, وكذا تقرير وزارة الخارجية الإثيوبية, وهي تصريحات غير مسئولة تكيل الاتهامات الي مصر والسودان عبر أبواق الإعلام الإثيوبي, في الوقت الذي تستضيف فيه أديس أبابا مقر الاتحاد الإفريقي وكان من الحكمة أن تطلب اجتماعا طارئا تطرح أمامه الادعاءات الباطلة التي وجهتها للدبلوماسية المصرية ولوزارة الري المصرية, ومن ثم تستطيع مصر أمام الأشقاء الأفارقة أن تبرئ نفسها من تلك الادعاءات الإثيوبية.