ما يجري في مصر الآن بشأن الانتخابات البرلمانية الأهم في تاريخ مصر الحديث يدعو للتساؤل والتخوف في آن واحد. ولا أدري ما إذا كان من المناسب طرح كل التساؤلات التي يثيرها ما يحدث الآن أم لا. ولكن الحديث عن نزاهة الانتخابات وكيفية إخراجها بشكل يليق بمصر وبالمرحلة التي تمر بها فيما يتعلق بالإصلاح السياسي يبدو أمرا ملحا للغاية, خاصة في ظل الأقاويل والأوهام الشائعة حاليا بشأن نزاهة الانتخابات, دونما الالتفات إلي أن ما حدث خلال السنوات العشر الماضية كان محاولة جادة لتفعيل العمل السياسي وضمان مشاركة أكبر في الانتخابات سواء من قبل المرشحين أو الناخبين, وتفعيل دور القوي السياسية الفاعلة في المجتمع, والباحثة عن موطئ قدم لها في الحياة السياسية طبقا لقواعد العمل السياسي التي يقرها الدستور والقانون. وبرغم كل ما جري من خطوات لضمان نزاهة الانتخابات, سواء من خلال تشكيل اللجنة العليا للانتخابات, وهي لجنة مستقلة تماما في عملها, أو من خلال استخدام بعض الآليات المتبعة في الدول الأخري مثل الصناديق الزجاجية أو الحبر الفوسفوري, فإن موضوع الرقابة الدولية علي الانتخابات ظل السيف المشهر بيد القوي الهامشية والتنظيمات المحظورة في وجه الدولة كلما يثار موضوع نزاهة العملية الانتخابية. بينما لم يقدم أي من تلك القوي والتنظيمات أي مبادرات أو أفكار للمشاركة في ضمان نزاهة الانتخابات, واكتفت بطلب المراقبة الدولية أو الدعوة لمقاطعة الانتخابات, ولم تعر اهتماما بكون تلك الانتخابات ستجري تحت مراقبة من يشاء من منظمات المجتمع المدني المصري وتحت بصر وكلاء كل المرشحين وأنصارهم, وتحت سمع وبصر الإعلام المحلي والدولي; الأرضي والفضائي وعبر الانترنت. إننا لم نسمع أن أيا من هؤلاء قد دفعه تشككه في نزاهة الانتخابات إلي النكوص عن تأدية واجبه في مراقبتها. فهؤلاء يؤمنون بأن ضمان نزاهة الانتخابات لا يمكن أن يكون مسئولية الدولة فقط أو إحدي وزاراتها, بل هي مسئولية جميع أطراف العملية الانتخابية بما في ذلك الناخبون الذين تمثل مشاركتهم في الانتخابات الضمانة الأساسية لنزاهة الانتخابات. وعلي الجانب الآخر, فإن مصدر التخوف هو أن هناك من لم يكتف بالتشكيك في نزاهة الانتخابات, بل بدأ بالفعل في تهديد نزاهة الانتخابات, وبشكل ينذر بالخطر علي العملية نفسها. فجماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونا باتت تتحدي القواعد المنظمة للعملية الانتخابية, وتتحدي اللجنة العليا للانتخابات بقضاتها, التي يناط بها الجزء الأكبر من مسئولية ضمان نزاهة الانتخابات, بل وشككت في استقلالية تلك اللجنة, ليس لشئ إلا لحظر استخدام الشعارات الدينية, كما بدأوا في استخدام لغة أقل ما توصف به أنه خشنة للغاية في أحاديثهم وكتاباتهم علي مواقعهم الإليكترونية العديدة, والأخطر من ذلك تصريحاتهم التي تشبه التوعد للجميع بتفجير العملية الانتخابية من خلال تكتيكات لا تمت للعمل السياسي السلمي بصلة, بإدخال الأطفال والنساء في المعركة الانتخابية. باختصار, فقد بات الإخوان يتعاملون ليس باعتبارهم مرشحين مستقلين ولكن باعتبارهم تنظيما يعمل لأهداف لا علاقة لها بالعمل السياسي, فهدفهم التأثير علي مجريات العملية الانتخابية وتفجيرها بما يمثل انتقاصا من ثقة الناخبين في الحزب الوطني الديموقراطي, بل والأحزاب المدنية الأخري. نعم, قد تحدث تجاوزات انتخابية, ولكن محاولة تفجير الأوضاع بالشكل الذي يخطط له الإخوان, وبما يمثل تشويها لسمعة مصر الدولية ستكون كارثة لا يمكن أن تمر بسهولة. فلنتكاتف جميعا من أجل انتخابات نزيهة. [email protected] المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد