أثار شجوني ماخطه الكاتب القدير الأستاذ عبد القادر شهيب رئيس مجلس إدارة دار الهلال عن القمر الصناعي المصري التجريبي( إيجيبت سات 1) في افتتاحية مجلة المصور20 أكتوبر. ودعوته إلي إنقاذ حلم هذا المشروع الرائد مما تجمع في أفقه من غيوم تمهد إلي مصير غامض, إما بالتجميد أو إلغائه كلية ودفنه في مقبرة مشاريع الأمل, كأحد ضحايا البيروقراطية, والصراعات المؤسسية والشخصية. وبحكم تخصصي وخبرتي في هذا المجال كنت قريبا علي المستوي الاستشاري من هذا المشروع والعاملين فيه, وعلي رأسهم الدكتور علي صادق, والصديق العزيز الدكتور بهي الدين عرجون, وكنت دائما علي اقتناع بأن هذا العمل هو البداية الصحيحة للتفاعل مع التكنولوجيات الحديثة, والانتقال من مشاريع تسليم المفتاح الجاهزة, إلي مشاريع يتخرج في حضنها أجيال من التكنولوجيين القادرين علي التفاعل مع العلوم البازغة, والإضافة إليها, والانطلاق منها إلي آفاق أخري واعدة تضعنا بين فريق المشاركين وليس فقط المشترين أو لا المستعملين لتكنولوجيا الزمن القادم. وكان القصد والتخطيط أن يكون في إطلاق القمر الصناعي المصري الأول في17 أأريل2007 بداية تفكير جاد لبناء وكالة مستقلة تعتني بعلوم الفضاء وتطبيقاته المدهشة بعيدا عن دواوين الوزارات الحكومية القادرة بامتياز علي قتل أية مبادرة خلاقة في مهدها. ولا أعرف حتي الآن أسباب تقهقرنا في مجال البحث العلمي والتطوير وإدارة المشاريع القومية المتصلة بمستقبلنا وأمننا القومي. وهناك أمثلة كثيرة لمشاريع تكنولوجية مازالت في الذاكرة, وفي مجالات حساسة, تفككت بعد أن تقهقرت وتوقفت, وأصبح مطلوبا منا دائما في مثل هذه الأشياء البدء مرة أخري من نقطة الصفر. لم يعد ممكنا في الحقيقة تخيل الحضارة الانسانية الحديثة بدون الوجود الانساني أو أدواته في الفضاء. فمعظم مراكز التحكم في أنشطة الجنس البشري الأساسية آخذة في الانتقال بمعدل سريع بعيدا عن الأرض, يواكبها صناعة فضاء مزدهرة وشابة وعالمية. وفي نفس الوقت تزايدت أهمية الفضاء بالنسبة للعمل العسكري حتي أصبح الفضاء المسرح الرابع بعد المسرح البري والبحري الجوي. وكما استطاعت مصر تصنيع الذخيرة في عهد محمد علي ومن جاء بعده لأنها بحكم قدراتها الفكرية والفنية عارفة بفنون التشكيل والصناعة التي ورثتها من تاريخها القديم, فقد وجب عليها الآن أن تكون قادرة علي المشاركة الفكرية والفنية في بناء أدوات المستقبل وعلي رأسها صناعة الفضاء. باختصار لا يليق بنا أن نكون من حزب المتفرجين في هذا المجال, بل المطلوب منا المشاركة وبقوة لأننا قادرون عليها. عادة ما يبدأ هذا النشاط بإطلاق قمر تجريبي صغير في حجمه وفي إطار الأهداف العلمية المحدودة المتوقعة منه. وقد قام فريق العمل المصري بتصنيع القمر الأول في الخارج في وجود مجموعة مصرية متخصصة وتم إطلاقه بنجاح في إطار برنامج زمني متكامل يركز علي نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر علي المستويات البحثية والصناعية المطلوبة في هذا المجال. وإذا نظرنا حولنا لوجدنا دولا كثيرة عربية وإفريقية مهتمة بهذا المجال, وحريصة أن تكون مشاركة فيه بقوة. إيران علي سبيل المثال بدأت هذا النشاط بتصميم وإنتاج أول قمر صناعي تم تصنيعه في روسيا وإطلاقه بعد ذلك وقد حمل اسم سينا 1 علي أن يتم تصنيع القمر الثاني في طهران وبواسطة الإيرانيين أنفسهم. وفي بداية هذا العام حملت الأنباء أن كلا من قطر وإيران قد قررا التعاون معا في مشروع مشترك لوضع قمرين صناعيين للاتصالات تحتوي في داخلها علي مئات من القنوات التليفزيونية. وتمتلك إيران خبرة تصنيع واختبار الأقمار الصناعية, بالإضافة إلي وسائل إطلاقها وحملها ووضعها في مدارها المحدد في الفضاء الخارجي. وكانت دبي قد وضعت أيضا قمرا صناعيا لها في الفضاء منذ سنة تقريبا, كما نظمت في سنتين متتاليتين مؤتمرين ومعرضين للفضاء في يناير2010,2009. الجزائر من الدول العربية التي حرصت علي وجود وكالة للفضاء علي أرضها لتأكيد وجودها في هذا المجال. وفي هذا السبيل أرسلت الجزائر في يونيو2006 16 خبيرا إلي المدرسة العليا للطيران والفضاء في فرنسا للتعليم والتدريب, كما اتخذت قرارا بإقامة وحدة متخصصة لتصميم الأقمار الصناعية علي أرض الجزائر. وقد تم إنشاء وكالة الفضاء الجزائرية في16 يناير2002 ومهمتها الاساسية وضع استراتيجية قومية في مجال الفضاء وترجمتها الي واقع من خلال برامج زمنية بالتكامل مع المؤسسة العلمية والبحثية الأخري في الجزائر. وقد حددت وكالة الفضاء الجزائرية مجالات نشاطها في تكنولوجيا الأقمار الصناعية الصغيرة وهو مجال واعد يتمشي بشكل عام مع اتجاهات التصميم الحديثة, وكذلك أقمار الاتصالات الفضائية والاستشعار عن بعد. ويخدم البرنامج الفضائي الجزائري مجالات الزراعة, والبحث عن الثروات المعدنية ومصادر المياه. ويهدف البرنامج الجزائري حتي سنة2020 إلي إقامة مركز لتصميم وتطوير الأقمار الصناعية, ومعهد لتكنولوجيات وتطبيقات الفضاء. ونيجيريا مثال آخر. وكانت البداية في نيجيريا إنشاء مركز للاستشعار عن بعد في1996 وقد سبقه وضع سياسة قومية لتكنولوجيا الفضاء خرجت من رحمها وكالة قومية لأبحاث الفضاء يعمل فيها حاليا حوالي100 من الخبراء. وتهدف هذه الوكالة الي جعل نيجيريا قادرة علي تصميم وتطوير وبناء النظم الفضائية كأدوات ضرورية للتقدم الاقتصادي والاجتماعي. وفي2003 دخلت نيجيريا مجال الفضاء بإطلاق قمرها الأول نيجيريا سات 1 بمعاونة روسيا علي أن يكون هذا القمر واحدا من مجموعة أقمار أخري صغيرة يتوالي إطلاقها إلي الفضاء. وفي البداية تكفلت شركة إنجليزية بتصميم وتصنيع القمر الأول في وجود مجموعة من المهندسين النيجيريين سوف يتولون هذه المهمة في المستقبل. وفي2005 وقعت نيجيريا مع الصين اتفاقية لبناء قمر للاتصالات أطلق للفضاء في مايو2007, وهو قمر كبير يقدم خدمات للاتصالات علي مستوي القارة الإفريقية والأوروبية. ومن خلال هذا المشروع تم تدريب100 مهندس نيجيري استعدادا للتوسع في مجال البنية الأساسية الفضائية. وهو نفس النمط الذي تبنته مصر في تصنيع قمرها الأول وكان المخطط أن يتولي فريق العمل المصري الذي حضر كل مراحل العمل مسئولية تصميم القمر الثاني. ولاشك أن تكلفة هذه المشاريع في الدول النامية تثير جدلا داخليا حيث يري البعض أنها لا تمثل أولوية خاصة, وأن الدول التي تعاني من نقص الموارد يجب الا تنفق في مثل هذه المشاريع الفضائية. وردا علي ذلك المنطق قال سيدو أونايلو المدير العام لوكالة الفضاء النيجيرية للصحفيين في إطار مؤتمر دولي عقد في2009 أن علوم وتكنولوجيا الفضاء هي الوسيلة الثورية لتحديث المجتمعات. وأعتقد أن الوزير النيجيري علي حق. المزيد من مقالات د. محمد قدري سعيد