إذا كانت منطقتنا العربية في حاجة الي الاصلاح السياسي لترشيد انماط الحكم لكي تصبح الجماعة المرجع الرئيسي للسياسة وليكون الشعب مشاركا في تقرير مصيره ومصير بلده, فاننا دون شك في حاجة أيضا الي الاصلاح الديني. وذلك لحاجتنا للاستجابة للأسئلة الكبري التي طرحها العصر علي الضمير الديني وعلي رؤية الانسان للكون, والعالم التي تختلف جذريا عن الرؤية البطليمية ورؤية خريطة المأمون للكون خاصة بعد التبدلات المذهلة التي ادخلتها الاكتشافات الكونية من ثورة الاتصالات والانترنت الي الأسئلة التي طرحتها ثورات العلوم الانسانية المعاصرة المتعاقبة علي الانسان والمجتمع والانسانية, وعلي فهم الانسان لنفسه ولعالمه الانساني ولاسيما بعد ان غدا العال, وتوحده العلوم والمواصلات والاتصالات وصورة التليفزيون وتبادل السلعة والأزياء والذوق العام والمنهجيات العلمية وأساليب النظر والفكر واتساع دائرة القيم المشتركة. إن للاديان دورا بالغا في اثراء الذات الانسانية في الصورة التي تنسجم مع وضع الانسان كخليفة لله في الكون وفلسفيا مع طموحه الي ادراك المعرفة الأعمق. والأخلاق الكاملة تجسيد لتلك الذات التي وصفها كانط بالتي تعي نفسها والعالم من حولها بل تنطلق الي معرفة العالم من حولها معرفتها بنفسها هذه الذات التي تسعي الي الشمول والثراء الداخلي والتكامل بين ماهو مادي وما هو روحي وتنمي وتطلق شتي ملكات التخيل الانساني وعلي رأسها ملكات كالإيمان والحب والمعرفة والفن, فالإيمان وسيلة مثلي لانماء العوامل الداخلية للانسان وحفظ توازنه في الكون إذ يربطه افقيا بالعالم الذي يشهد حضوره القوي ورأسيا بعالم الغيب الذي يذكره بمآله ومصيره, أما الحب فيبث في الانسان قدرة لا محدودة علي التعاطف مع البشر مع كل جنس ودين ووطن ولذا كان الحب جوهر جميع الأديان وجماع الفلسفات عدا العنصرية منها. وتأتي المعرفة كملكة فائقة تمنح الانسان قدرته علي الكشف والتعلم وعلي التطور والترقي وتمنحه وعيا عميقا بالامكانات الكامنة في بشريته. وأخيرا يأتي الفن كملكة تبث في الانسان قدرته علي التعرف علي نفسه بتذوق المعاني الأعمق في مسيرتنا البشرية الطويلة فهناك مثل تجمعنا كبشر وفضائل تلهمنا يصوغها الفن في لوحات تشكيلية ومقطوعات موسيقية وكتل نحتية ليست فقط تخلب أبصارنا أو تشجن آذاننا بل تضعنا دوما وفي شكل كثيف أمام حقيقتنا الانسانية في سياق جمالي غير وعظي يطلق أعماق تخيلاتنا ومع ذلك يدعي الكثير من الاسلاميين بطريقة يقينية ثابتة اننا لسنا في حاجة الي هذا الاصلاح وذلك لأن تصوراتهم عن الحكم في الاسلام وعن الخلافة والدولة الاسلامية وحاكمية الله هي من الأمور الثابتة في الاسلام ولاتحتاج الي كثير من العناء أو الاجتهاد, غير ان هذا الادعاء يناقض الممارسات الفعلية للتجربة السياسية الاسلامية فما سل سيف في الاسلام منذ عهد الصحابة ألا وكان وراءه في الغالب الخلاف علي السياسة والحكم لذا فالاصلاح الديني غدا مطلوبا للغاية في المجال الاسلامي ليقوم علي غرار ماقام به الغرب بمواءمة الإيمان الديني مع مقتضيات الصورة الحديثة للكون الفلكي وللعالم الانساني بكل قيمه الانسانية المعاصرة فتراجع في أوروبا الزمن الذي يصبح فيه المجتهدون في فهم مقاصد الدين وتعاليمه مهددين بالمحرقة والهرطقة( أمثال جور دانو برونو) في القرن السادس عشر بينما مازال عندنا المصلحون والمجتهدون ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين يتهمون بالكفر والزندقة وتصدر فيهم أحكام بالتطليق من زوجاتهم ومازال التكفيريون يحولون أنفسهم الي قنابل تحصد المئات في الشارع باسم الرحمن! مع اعتقادهم الراسخ بأن جزاء أفعالهم المدمرة عند الله هو الجنة! المطلوب اصلاح يعتمد علي تغيير رؤيتنا للعالم ومغادرة النظرة الملتبسة والمتشككة بالآخر في المجال الانساني والعالمي والمشاركة في إثراء المجال الثقافي الكوني وتغيير النظرة السوداء الي الآخرين في الوطن والانسانية وادراك ان مشكلتنا في علاقاتنا الدولية لاتتعلق بمشكلة( الهويات المتقاتلة) ولابالصراع علي المجال الديني بل تتعلق بالصراع علي المصالح التي يمكن ان تحل علي أساس من التسويات والاعتراف بالمصالح المتبادلة. ان تغيير وعينا للعالم يتوقف عليه ليس نجاح الاصلاح الديني الموعود بل ثقتنا بالمستقبل وبقدرتنا الذاتية علي اقامة حوار عميق مع الثقافة الكونية المعاصرة والا بقينا كيانا مضطربا لايثق بنفسه ولابالآخر, وهوية منعزلة قادرة فقط علي التمرد والأذي اللذين لايفضيان الي شيء سوي الحفر بالأزمة وتعميقها. د. عماد إسماعيل