رئيس جامعة المنيا يتابع إجراءات تسكين الطلاب بالمدن الجامعية (صور)    بحضور وزير الأوقاف.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد السيد البدوي    رئيس مركز الزينية يتفقد مشروع الصرف الصحي في الأقصر (صور)    أسعار السمك والمأكولات البحرية اليوم الجمعة في سوق العبور    وزير الزراعة يبحث مع مجموعة "الغانم" الكويتية تعزير استثماراتها في مصر    وزارة الإسكان: ننفذ حملات إزالة للمخالفات فى الشروق وأكتوبر وسوهاج الجديدة    73 طن قنابل.. إعلام عبري يكشف تفاصيل استهداف هاشم صفي الدين في بيروت    محمد رمضان يكشف اختصاصاته داخل الأهلي.. وطريقة التعامل مع مارسيل كولر    "أقول الحق ولا أخشى أحدًا".. قندوسي يسرد تفاصيل فشل انتقال بلعيد إلى الأهلي (فيديو)    مواعيد مباريات الجمعة 4 أكتوبر.. الأهلي والزمالك في دوري السيدات.. ورباعي محترف    سيدي ندياي: هدفي الانضمام لمنتخب السنغال عن طريق الزمالك.. وهذه نصيحة جوميز    ضبط عاطل بحوزته 8 قطع سلاح نارى فى البحيرة    أجواء لطيفة نهارا.. توقعات طقس الساعات المقبلة    الاستعلام عن صحة 6 أشخاص أصيبوا في انقلاب سيارة بالصحراوي الغربي    نجل أحمد شيبة يعلن مقاضاة بلوجر شهير    عادل حمودة: أحمد زكي مرض نفسياً بسبب الفن.. وجمعته علاقة حب بفنانة شهيرة    "الصحة": ورشة عمل حول دور الإعلام المسؤول في تعزيز الوعي الصحي وتحسين جودة الحياة    الصحة العالمية: أول اختبار تشخيصي لجدرى القرود للاستخدام في الطوارئ    مديرية أمن البحر الأحمر تنظم حملة للتبرع بالدم    تعاني من الإسهال؟- ما يجب فعله وما ينبغي الابتعاد عنه    في ذكرى انتصارات أكتوبر، التعليم العالي تنفذ مشروعات ب 23 مليار جنيه بسيناء ومدن القناة    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024    صلاح عبدالله يستعيد ذكرياته في لبنان: "أكتر بلد اشتغلت فيها مسرح"    خطبة الجمعة اليوم 4 أكتوبر.. «وما النصر إِلا من عند الله»    حزب الله يستهدف شمال حيفا الإسرائيلية بالصواريخ    ارتفاع أسعار البيض اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    الكشف على 1263 مواطنا بقافلة طبية مجانية في جزيرة نكلا بشبراخيت    قلق في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب قراصنة صينيين    حقيقة نفاد تذاكر حفلات الدورة 32 من مهرجان الموسيقى العربية.. رئيس الأوبرا ترد؟    لازم يتجوز.. القندوسي يوجه رسائل إلى كهربا لاعب الأهلي (فيديو)    215 شخصًا حصيلة قتلى إعصار هيلين بأمريكا    جيش الاحتلال يطالب سكان أكثر من 20 بلدة جنوب لبنان بالإخلاء    سعر الذهب اليوم في مصر يرتفع ببداية تعاملات الجمعة    استقرار أسعار السكر اليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024 في الأسواق    جيش الاحتلال يطالب سكان أكثر من 20 بلدة جنوب لبنان بالإخلاء    فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة والأوقات المستحبة للدعاء المستجاب    ايه سماحة تكشف مفاجأة بخصوص نهاية مسلسل «عمر أفندي»    آيه سماحة تكشف قصة تعارفها على زوجها محمد السباعي    أفيخاي أدرعي ينذر سكان الضاحية الجنوبية    هل يجوز الدعاء للزواج بشخص معين؟ أمين الفتوى يجيب    التعليم تكشف آخر موعد للتقديم في المدارس المصرية اليابانية    مصررع طفلة رضيعة في الدقهلية.. اعرف السبب    برج الأسد حظك اليوم الجمعة 4 أكتوبر 2024: تلتقى بشخص مٌميز ومكالمة مٌهمة    دعاء أول فجر في ربيع الثاني.. «اللهم بارك لنا في أعمارنا»    مايكروسوفت تضيف مزايا ذكية ل Windows 11    نائب مدير الأكاديمية العسكرية: نجحنا في إعداد مقاتل بحري على أعلى مستوى    أهالي قرية السلطان حسن بالمنيا يعانون من عدم وجود صرف صحي    وليد فواز عن حبسه في مسلسل «برغم القانون»: إن شاء الله أخرج الحلقة الجاية    رسمياً.. فتح باب تسجيل تقليل الاغتراب جامعة الأزهر 2024 "الرابط الرسمي والخطوات"    مدير الكلية العسكرية التكنولوجية: الخريجون على دراية كاملة بأحدث الوسائل التكنولوجية    خروج عربة ترام عن القضبان في الإسكندرية.. وشهود عيان يكشفون مفاجأة (فيديو وصور)    قتلوا صديقهم وقطعوا جثته لمساومة أهله لدفع فدية بالقاهرة    دعاء يوم الجمعة.. تضرعوا إلى الله بالدعاء والصلاة على النبي    لاتسيو يسحق نيس ويتصدر الدوري الأوروبي    موعد مباراة مانشستر يونايتد القادمة عقب التعادل أمام بورتو والقنوات الناقلة    المقاولون العرب يضم لاعب الزمالك السابق    الأردن يدين بأشد العبارات عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على مخيم طولكرم    تعرف على نصوص صلاة القديس فرنسيس الأسيزي في ذكراه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات إشراقية في اللون الأصفر
نشر في الأهرام اليومي يوم 26 - 01 - 2010

لقد غلبت علي العديد من الكتاب وأهل الفكر نبرة من اليأس عكستها بعض كتاباتهم حتي إن أحدهم تساءل بشكل مباشر‏...‏ لماذا نكتب؟؟‏..‏ وبرغم وجاهة التساؤل وما يعكسه من روح دائما ما تعتمل في وجدان معظم أهل الفكر الشاخصة أبصارهم دوما للكمال‏. فإنني لست من أنصار هذه النزعة ايمانا مني بالقدرة الخلاقة علي غرس فسيلة حتي ولو تنادينا ليوم الحساب‏.‏ ومن ثم فإن موضوعنا اليوم يرتبط ببعض التأملات الحائرة التي تبدو أحيانا وتخبو أخري‏,‏ وليس مرتبطا بحالة ذهنية هروبية من واقع معايش‏,‏ إذ يحتاج منا إعمال الفكر دربة من نوع خاص تخرج به من تكالب قضايا الهم العام عليه إلي واحة من واحات الانطلاق الحر في عوالم لم يغشها ما غشي حياتنا من ضبابية مقيتة‏.‏
ومن هذا المنطلق فمنذ فترة ليست بالقصيرة ودلالات اللون الأصفر تلح علي مخيلتي لا سيما مع هيمنته فوق رؤوس الكثيرات بشكل لافت للنظرة الأولي وعلي اختلاف المستويات الاجتماعية‏,‏ ومن ثم أسلوب المعالجة راقية كانت أم شعبية‏.‏ إذ أحسب أنه نوع من أنواع المواكبة غير المباشرة للنموذج الغربي ولو حتي في الشكل ما دمنا لم نستطع تمثل المضمون‏,‏ أو أنه يمثل رد الفعل الخفي لدي البعض إزاء قضية الحجاب وعدم حسمه أمرها لديه اجتماعيا‏,‏ وليس دينيا بالطبع‏.‏ الأمر الذي دفعني للتعمق في الرؤية عساني أجد في التراث الوجداني للإنسانية ما يتجاوز المقولة الخلدونية الشهيرة في كلف المغلوب بتقليد الغالب‏,‏ أو أن يؤكد ما يدعيه من أن الحدية المجتمعية لا تتبدي في جانب واحد بل لها ما يقابلها بنفس الدرجة وعكس الاتجاه‏.‏
فعلي المستوي الوجداني ارتبطت كتب التراث باللون الأصفر في نعتها بالكتب الصفراء مما دفع ببنت الشاطيء للدفاع عنها بالقول انها صفرة الذهب لا صفرة البلي‏.‏ كما وصفت البقرة الشهيرة في القرآن باللون الاصفر الفاقع مرتبطا بإسعاد الناظرين‏,‏ وهو ما أكدته عليه معظم الدراسات الخاصة بدلالات الألوان بل وتجاوزت الأمر إلي ارتباطه بسطوع الشمس مما يشي بالاستنارة وتداعي الأفكار تفردا وتطورا وجدة‏.‏ بل فقد اعتبر ذلك السطوع علي المستوي الإنساني كاشفا للعلاقات بين الأفراد وضوحا وانصهارا وتجردا وأملا‏,‏ ومن ثم فلا عجب أن كان الأصفر هو لون الشرائط علي أردية النساء في أزمات خلت للتدليل الرمزي علي انتظار رجالهم عند العودة من الحروب‏.‏ وفي معرض الارتباط بالشمس وشدة سطوعها يصبح اللون الأصفر هو لون فصل الصيف‏,‏ في حين يمثل الربط بينه وبين صفرة الذهب النقاء والشرف والاخلاص البين والشجاعة مما جعله لدي بعض الآسيويين اللون المثالي لشارات المحاربين‏,‏ فضلا عن تمثيله لقيمة النماء لا سيما بربطه بلون سنابل القمح‏.‏ ولسنا بحاجة للاشارة لقدسيته لدي الهندوس استلهاما من كون لون البقرة المقدسة لديهم‏.‏ ومن طرائف بريق اللون الأصفر ما ذكرته احدي الدراسات من كونه ثلاثة أرباع انتاج الأفلام الرصاص باللون الأصفر الذهبي كي يسهل ظهورها بين الأدوات المكتبية‏.‏
ولكون اللون الأصفر من ألوان الحياة الرئيسية فيبدو أنه قد جمع بعض متناقضاتها بين جنباته بحيث عكست أيضا ما يرتبط بأكدار الحياة التي ما لحوادثها بقاء‏.‏ فإذا كانت صفرة كتب التراث قيمة فمثيلتها في الصحف الصفراء سوءة منذ صك هذا التعبير في مطلع القرن الماضي مرادفا لصحافة الاثارة‏.‏ كما أصبحت الضحكة الصفراء دلالة علي العدوان السلبي حسب التعبير النفسي الذي يعطي فيه صاحبه من طرف اللسان حلاوة أو يظهر نيوبه‏,‏ وكأن الليث يبتسم‏,‏ ومن توابعها النفس الصفراوية أي شديدة الغيرة والحنق وهي تختلف عن الوجه الأصفر بحكم المرض‏,‏ أو عن الجنس الأصفر الذي وصفه ماوتسي تونج يوما بأنه لو انطلق من عقاله لساد العالم أجمع‏.‏
وكما ارتبطت الصفرة بالفرح والتألق فقد مثلت علي الجانب الآخر الحزن الشديد فضلا عن الشحوب والضعف والهزال‏,‏ فالنوح والحداد علي الميت لدي أهل بورما لونه أصفر‏,‏ والاشارة قديما للحجر الصحي والأوبئة كان بالعلم الأصفر‏,‏ بل حتي ظهور الممثل في مسرح العصور الوسطي متشحا بالصفار كان يعني اشارة رمزية للموت‏.‏ وقد صور إليا أبوماضي الشمس في رائعته الحزينة المساء وهي بادية خلف السحب‏...‏ صفراء عاصبة الجبين‏,‏ وليشجينا عبدالوهاب عن الورد مسائلا الأصفر عن سر صفرته من السقم أم من فرقة الأحباب‏..‏؟
وإلي جانب هذا التقابل فقد مثل اللون الأصفر نوعا من الوسطية الحذرة‏,‏ فقد كان قديما لون السجن في فرنسا‏,‏ وهو لون اشارة الاستعداد المرورية قبل الانطلاق وكذا لون الإنذار الذي بعده الطرد من ساحة النزال الكروي‏,‏ ويبقي ختاما أن الأصفر كان لون النساء في الفن المصري القديم تمييزا لها عن لون الرجال المائل للبني بحكم الخروج للعمل والتعرض لأشعة الشمس في حين تحتفظ المرأة بنضارتها ممثلة في اللون الأصفر‏,‏ وإن كنت أحسب في غمرة أسرار الحضارة الفرعونية أن ثمة سببا خفيا لهذا التمييز قد يمكننا تبينه إذا ما أعدنا قراءة المقال من جديد‏!‏

المزيد من مقالات د‏.‏ حسن السعدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.