لم يحظ رئيس حكومة وربما رئيس في لبنان بتفويض سياسي وشعبي وطائفي ودعم دولي وإقليمي وتأييد لاستمراره رئيسا للحكومة من خصومه مع مؤيديه, مثلما يحظي سعد الحريري رئيس تيار المستقبل الآن. برغم الأزمات الخانقة والسجالات العنيفة بين الفرقاء والأجواء المتشنجة التي تعطي انطباعا أحيانا بأن البلد علي شفا فتنة مذهبية, والتي تناله شخصيا وسياسيا بالهجوم عبر حملات إعلامية!؟ فبعد الدعم السوري ووصف الرئيس بشار الأسد له بأنه الشخص المناسب في هذه المرحلة, والتأييد الإيراني, والدعم الغربي لاسيما من الولاياتالمتحدة وفرنسا, والتأييد الإقليمي, حظي الحريري بدعم من شخصيات نافذة في الوسط السني مثل رؤساء الوزراء السابقين سليم الحص ونجيب ميقاتي وعمر كرامي الذي أكد أهمية بقاء الحريري رئيسا للحكومة حتي2013 موعد الانتخابات النيابية المقبلة, وكذلك من شخصيات نافذة في قوي8 مارس( المعارضة), رشحته حتي في حالة انهيار الحكومة الحالية لتشكيل حكومة جديدة, وصولا الي دعم القيادات الروحية للطوائف السنية والمسيحية, في أكبر عملية اقتراع علي الثقة علي المستوي الدولي والإقليمي والمحلي في مواجهة دعوات له بالاستقالة من جانب شخصيات في المعارضة. وبات استمرار الحريري حسب رئيس مجلس النواب وزعيم حركة أمل الشيعية نبيه بري ضمانة لمنع حدوث فتنة في لبنان, ووفقا للزعيم الدرزي وليد جنبلاط ضمانة لعدم دخول البلد الي الفراغ علي حد قولهما, وبلغ الأمر حد تحذير الشخصية السنية الأبرز في تيار المستقبل وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي بسبب مواقف وتصريحات فهم البعض منها أنه يقدم نفسه كبديل سني لرئاسة حكومة جديدة. ولا يتعلق التمسك بالحريري رئيسا للحكومة الحالية أو حتي جديدة, بعدم وجود بديل سني في قوي8 مارس( المعارضة), التي قد تكون عمليا لها الأكثرية النيابية في مجلس النواب بانضمام كتلة اللقاء الديمقراطي بزعامة جنبلاط للمعارضة, وانما يتعلق الأمر بالأوضاع المحلية والإقليمية والدولية كذلك, باستثناء إسرائيل بطبيعة الحال, التي تسعي لضرب الاستقرار في لبنان, وروجت قبل أيام شائعات حول معاناة الحريري من انهيار عصبي وإبلاغه واشنطن وباريس والرياض رغبته في مغادرة( الفرار) لبنان!!. وتقول أوساط سياسية, إن أسباب التمسك بالحريري رئيسا للحكومة هي مصلحة لبنان بالأساس والحفاظ علي الاستقرار بوصفه يرأس حكومة وحدة وطنية استطاع أن يعبر بها برغم مناوشات البعض داخل تياره السياسي كثيرا من المآزق, وأن يفرض علي فريقه السياسي أيضا لغة للحوار والهدوء والابتعاد عن التشنج والانفعال, فضلا عن أن الحريري أبدي تميزه بسمة تغيب عن الكثير من القيادات السنية الأخري, وهي فضيلة الاعتراف بالخطأ عندما يرتكب فريقه السياسي خطأ, وفضيلة الاعتذار, مما أكسبه ثقة الكثيرين داخل صفوف فريق خصومه السياسيين, وعزز ذلك الالتفاف حوله تعبيرا عن تقدير داخلي للأوضاع ينبع من مصلحة لبنان أولا. وتضيف: ان استقرار لبنان يحتاج الحريري في هذه اللحظة لأن القضية الرئيسية التي ربما تكون المحرك لمشروع الفتنة في لبنان هي مسألة المحكمة الدولية المعنية بجريمة اغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري, وتداعيات ملف شهود الزور في التحقيقات التي جرت بعد اغتيال الشهيد, ومن ثم لن يستطيع فريق سياسي في لبنان أو قيادة سنية أخري أو رئيس حكومة سني أن يزايد علي ابن الشهيد( ولي الدم) في معالجة هذه القضية, ويستطيع سعد الحريري أن يدير معالجة الأمر في اطار مصلحة لبنان وتحقيق العدالة في مناخ هادئ وتوافقي بعيدا عن التشنج والانفعال, فبات الحريري خيارا دوليا وإقليميا. لكن الدعوة الي استقالة الحريري جاءت من فريقه السياسي حيث طالبه البعض ومنهم نهاد المشنوق بالاستقالة بدعوي العودة لرئاسة الحكومة بشروطه حتي لا يكون أسيرا لضغوط المعارضة وحزب الله, لكن هذا المنطق قوبل بالرفض من جانب قوي14 مارس التي كانت تري عدم تولي الحريري رئاسة الحكومة الحالية من الأساس بحجة إبعاده عن لحظة يفرض عليه فيها المساومة علي المحكمة الدولية, لكن الوضع الإقليمي والداخلي ومصلحة لبنان يفرضون بقاءه وعدم انسحابه بوصفه خيار لبنان في هذه المرحلة وتعبيرا عن حاجة دولية واقليمية ووطنية أيضا.