هو داود بن عمر الأنطاكي طبيب وصيدلي ولد في قرية الفوعة بالقرب من مدينة أنطاكيا شمال سوريا وكان كفيف البصر وكسيحا منذ ولادته وكانت أنطاكيا أنذاك أكبر مركز للتجارة بين الشرق والغرب فعندها كانت تلتقي الطرق الموصلة بين الشام وآسيا الصغري( تركيا الآن) وكان أبوه عمر الأنطاكي عمدة قرية حبيبت النجار وأغني أغنيائها وهي قرية قريبة من أنطاكيا. تلقي داود تعليمه في مدينة أنطاكيا فحفظ القرآن الكريم وتلقي علوم الدين ودرس المنطق والرياضيات, وتعلق بطبيبه الفارسي ويدعي محمد شريف بهزاد الذي كان يشرف علي علاجه حتي شفاه الله من علة الكساح, فقرر أن يتعلم الطب علي يديه, فأقام الطبيب بدار والده وأخذ يعلمه الطب تشخيصا وعلاجا وأعراضا وأمراضا وأدوية مفردة ومركبة من النبات والأحجار والحيوان والمعادن, واعتاد طبيبه أن يصحب تلميذه داود معه كلما ذهب لزيارة مريض من مرضاه ويصف له بصوت مسموع حال المريض وأعراض مرضه ويجعله يتحسس بيديه مواضع المرض ويذكر له الدواء الشافي حتي أصبح طبيبا ماهرا. وعندما بلغ من العمر الخامسة والعشرين قرر أن يتعلم اليونانية فذهب الي اليونان بصحبة ابن عمه فأتقن اليونانية, ثم رحل الي تركيا لتحصيل المزيد من العلوم الطبية والعقاقير وأسرارها. وفي الثلاثين من العمر رحل داود ومعه ابن عمه الي القاهرة والتي كانت لاتزال دارا للعلم والعلماء. واستقر بحي الأزهر والتحق بالبيمارستان المنصوري ووجد في القاهرة الملجأ والأمن والعلم فاستقر بها بقية حياته, فعكف داود علي كتب الطب العربية يقرأ له ابن عمه ويملي هو عليه ملاحظاته فيدونها أولا بأول يرجع إليها حين يشاء وأضاف اليها ما عرفه وهو بالشام وتركيا فاجتمعت لديه معرفة طبية نباتية بلغ عددها ثلاثة آلاف نبات, وألف ستة وعشرين مؤلفا منها ثلاثة في علم الفلك وأربعة في المنطق والكلام وواحد في الأدب وباقي مصنفاته في الطب والتي بلغت ثمانية عشرة مؤلفا. كما ألف داود وهو الكفيف البصر أكبر وأخلد وأشهر موسوعة في علم الطب والدواء باسم تذكرة أولي الألباب والجامع للعجب والعجاب والمعروفة بتذكرة داود. تتكون من قرابة السبعمائة صفحة وذكر فيها الأمراض المختلفة وأسبابها وأعراضها وطرق معالجتها مع دراسة عميقة للأمراض العصبية والنفسية وبسط خلالها بإسهاب العقاقير المنشطة والمهدئة والمخدرة ومشاهداته ثم تحديد الجرع التي يتناولها المريض وما يسببه من آثار جانبية ثم ذكر الأدوية المضادة للتسمم. ويقول داود نفسه في وصف موسوعته هذه: إنه كتاب عجيب مرتب علي نمط غريب لم يسبق الي مثله ولم ينح ناح علي منواله أحاط بالعجائب السنية وتزين بالجواهر البهية. ورغم أن داود كان ضريرا فقد بلغ بعلمه وقوة حدسه أنه كان يستطيع معرفة المرض وتشخيصه بمجرد ان يتحسس يد المريض ونبضه ويسمع صوته. وزاعت شهرة داود في البيمارستان المنصوري ومدينة القاهرة كطبيب معالج للفقراء والأغنياء في حي الأزهر, فعين رئيسا للعشابين( الصيادلة) ثم رئيسا ومديرا للبيمارستان المنصوري ومنحته مدينة القاهرة علي ألسنة الأطباء والناس ألقابا يفخر بها أي عالم وبين هذه الألقاب أبقراط زمانه العلامة الطبيب, الحكيم, الماهر, والطبيب الحاذق, والعالم الكامل, والصيدلاني الضرير. وفي عام1559 وفي مكة أدي داود بن عمر الأنطاكي فريضة الحج ولم يكد ينتهي منها حتي وافاه الأجل وهو يصلي الفجر في المسجد الحرام فحزن عليه أهل مصر وكان عزاؤهم فيه في كتابه الخالد تذكرة داود. وقد ظلت تذكرة داود مرجعا أساسيا لتعليم الطب وممارسته لعدة قرون, وفي العقود الأخيرة من القرن العشرين تعود تذكرة داود الي مسرح العلاج الطبي لتنازع الأدوية الكيماوية عرشها وتتداول هذه الأدوية الطبيعية في عديد من دول العالم. ومن أقوال داود المأثورة الإنسان إنسان بالقوة اذا لم يعلم, فإذا علم كان إنسانا بالفعل.