تأكيدا لدور الدولة في عدم التستر علي المنحرفين والفاسدين, وتطبيق القانون بدون استثناء الكبار أو أصحاب الياقات البيضاء, فالكل سواسية أمام القانون وبسبب التصاعد الملموس في قضايا الفساد والانحراف صدر قرار رئيس الوزراء الأسبوع الماضي بإنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الفساد, والتي سجلت وفقا لبعض الاحصاءات المنسوب صدورها للجنة الشفافية والنزاهة التابعة لوزارة التنمية الادارية نحو70 ألف قضية انحراف و1300 اختلاس و5 آلاف اهدار للمال العام خلال هذا العام, وربما كان هناك تأكيد أو تعديل لحقيقة هذه الأرقام الا ان الواقع يظل مختلفا حول اللجنة, وتحت عنوان المواجهة الجنائية للفساد في ضوء الاتفاقيات الدولية والتشريع المصري كان موضوع الرسالة العلمية الهامة التي نال بها المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام درجة الدكتوراة منذ فترة قريبة. حيث تناول فيها كيفية التصدي للفساد موضحا آثاره وانه أصبح قضية عالمية مشيرا الي ان هناك توافقا بين المنظومة التشريعية المصرية لمكافحة الفساد وما نصت عليه اتفاقية الأممالمتحدة في هذا الاطار, وطالب بضرورة ملاحقة جرائم الفساد المعاصرة والتي تستخدم أدوات تقنية جعلت القيام باجراءات التحقيق وجمع الأدلة أمرا يحتاج الي الكثير من الجهود هذا الي جانب الحرص علي سرعة المحاكمات في هذه النوعية من القضايا وهو بالفعل ما نشهده من خلال قيامه بمتابعة التحقيقات وسرعة تحديد الجاني واحالته للمحاكمة وعلي مستوي آخر أمر الدكتور تيمور مصطفي رئيس هيئة النيابة الادارية بانشاء خط ساخن لتلقي شكاوي المواطنين عن الفساد. فضلا عن دور الجهاز المركزي للمحاسبات كأحد أهم الأجهزة الرقابية لمكافحة الفساد. وأخيرا صدر قرار رئيس الوزراء بانشاء لجنة تنسيق تشمل ممثلين عن الجهات الرقابية المختلفة تحت رئاسة وزير العدل تم الاعلان عن أولي مهامها وهي التنسيق بين هذه الجهات لتفعيل التصدي لجرائم الفساد وذلك في اطار توقيع مصر لاتفاقية الأممالمتحدة وهو الأمر الذي آثار الجدل بين البعض حول هدف هذه اللجنة وطبيعتها. تقول النائبة د. جورجيت قلليني عضو لجنة الشفافية والنزاهة التابعة لوزارة التنمية الادارية. اللجنة القومية لمكافحة الفساد والتي تم الاعلان عن انشائها بقرار وزاري منذ عدة أيام مشكلة من جهات رسمية في الدولة. واري نه لايوجد مانع في ان تراقب الحكومة ذاتها كما أن كثرة الجهات الرقابية لاتعني التكرار خاصة وان لكل منها دورا رقابيا مختلفا والحقيقة ان موقعنا في انتشار الفساد ليس بالجيد بين دول العالم لذلك يكون لهذه اللجنة دورا هاما اذا كان هناك تعاون وتنسيق بين جميع الجهات المختلفة. ويعلق الدكتور رمضان بطيخ استاذ ورئيس قسم القانون العام بحقوق عين شمس قائلا الفساد في مصر أصبح ممنهجا ومنظما وهناك الكثير من الأفعال التي تحمل في طياتها مخالفات ولانستطيع أن نواجه من يرتكبها بالاتهام نظرا لانها تتخذ ثوب المشروعية وعلي الرغم من عدم اقتناعي بمصطلح اللجنة والذي يعبر عن القول المعروف انه اذا ردت ان تفشل موضوعا فأحله الي لجنة. الا انني أري ان انشاء هذه اللجنة أمر ضروري تلبيه للاتفاقية الدولية وهو في ذات الوقت يعطي مؤشرا مطمئن لمحاولة التصدي لأوجه الفساد لكن لابد ان يأتي هذا الأمر في اطار تفعيل نصوص القانون وتطبيقها علي الكل دون تمييز خاصة ونحن لدينا قضاء حاسم. ويطرح المستشار عادل فرغلي رئيس محاكم القضاء الاداري السابق بمجلس الدولة وجهة نظر أخري قائلا ان انشاء هذه اللجنة جاء استجابة للاتفاقية الدولية ولايعدو ان يكون ديكورا, وأضاف باننا لانحتاج الي جهاز جديد لمكافحة الفساد وانما علاج أسبابه والتي تبدأ باعادة النظر في هيكلة الآجور والتشريعات, فمن المؤسف ان أغلب القوانين التي أصدرتها الحكومة لاتعرضها علي مجلس الدولة وتحمل في طياتها الثغرات التي يتم استغلالها لتمرير بعض الأمور تحت ثوب القانون مثل مشروع مدينتي والذي أختير فيه تطبيق القانون الذي يسمح بالمخالفة وهو التخصيص بالأمر المباشر والابتعاد عن الطريق السليم وهو قانون المزايدات والمناقصات. وبدلا من معالجة مشكلاتنا علي أرض الواقع نواجهها بقوانين صعبة أصبحت تمثل ثورة غضب ومليئة بالإجراءات المنعقدة التي تفتح الباب علي مصراعيه للتحايل مثال علي ذلك أزمة المرور والتي استبدلنا محاولة حلها بطرق عملية برفع قيمة المخالفات والنتيجة إعطاء المزيد من فرص ازدياد الرشوة حتي يستطيع الشخص ان يخرج بأقل التكاليف. ايضا قانون البناء وما يحتويه من اجراءات معقدة بها ثغرات كثيرة أدت الي ازدياد قيمة الرشوة في بناء الطابق المخالف من5 الي أكثر من10 آلاف جنيه. ويقول المستشار خالد الشباسي رئيس المحكمة انه يرحب بفكرة إنشاء اللجنة الا انه يحب ان يتم وضع تعريف محدد لمصطلح الفساد, وبيان حدود عمل اللجنة واختصاصاتها, وهل سيكون لها قوة تنفيذية؟, واشار الي ان مصر تملك الكثير من الأجهزة الرقابية الفعالة كالقضاء والنيابة العامة وغيرهما, بل ان ادارة التشريع بوزارة العدل والتي كان يرأسها المستشار سري صيام قامت بالكثير في الانجازات في تطوير التشريعات التي تتصدي للانحرافات. بينما يري مصدر قضائي أنه من الأولي اذا كانت هناك رغبة حقيقة في الحد من جرائم الفساد ان يتم تنفيذ الملاحظات التي يبديها الجهاز المركزي للمحاسبات وقسم الفتوي والتشريع علي الأداء الحكومي والقوانين التي تصدرها الدولة, كما ان أولي المواجهات الفعلية للفساد هي حرية تداول المعلومات والصحافة. والتي أوضحت الدراسات انها من أهم أسباب انخفاض الفساد خاصة في الجهاز الاداري لدي الدول المتقدمة مثل السويد, لذلك لابد من وضع ضوابط ومعاير تحدد ماهو الفساد والتعاون اذا كان هناك جدية في مواجهة الفاسدين بعد ان أصبح الأمر مأساويا ومنتشرا في كافة الطبقات فالمواطن لايستطيع ان يأخذ حقه ويقضي مصلحته الا اذا دفع رشوة تم تتصاعد المسألة علي مستوي أكبر نراه في الاستثناءات التي تمنح لذوي الثروة والنفوذ وتهدر حقوق الوطن والمواطنين.