اليوم| الأهلي يتسلم درع الدوري عقب مواجهة جورماهيا    ألافيس يحسن مركزه في الليجا على حساب إشبيلية    حبس متهم مفصول من الطريقة التيجانية بعد اتهامه بالتحرش بسيدة    رسميا.. رابط الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل الصف الثاني الابتدائي    فيلم «السرب» يتصدر الأعلى مشاهدة في مصر بعد طرحه بساعات على «watch it»    مقتل 3 وإصابة العشرات بقصف أوكراني على دونيتسك    فلسطين.. شهيد وعدة إصابات جراء قصف الاحتلال لمنزل في خان يونس    ضبط 12شخصا من بينهم 3 مصابين في مشاجرتين بالبلينا وجهينة بسوهاج    مدحت العدل يوجه رسالة لجماهير الزمالك.. ماذا قال؟    هل يؤثر خفض الفائدة الأمريكية على أسعار الذهب في مصر؟    فصل التيار الكهرباء عن ديرب نجم بالشرقية لأعمال الصيانة    رياضة ½ الليل| مواعيد الإنتركونتينتال.. فوز الزمالك.. تصنيف القطبين.. وإيهاب جلال الغائب الحاضر    النيابة تأمر بإخلاء سبيل خديجة خالد ووالدتها بعد حبس صلاح التيجاني    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    مندوب سوريا يطالب مجلس الأمن بإدانة الهجمات الإسرائيلية على لبنان    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 34    أرباح أكثر.. أدوات جديدة من يوتيوب لصناع المحتوى    عمرو أديب: بعض مشايخ الصوفية غير أسوياء و ليس لهم علاقة بالدين    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    هاني فرحات: جمهور البحرين ذواق للطرب الأصيل.. وأنغام في قمة العطاء الفني    وفاة والدة اللواء محمود توفيق وزير الداخلية    عاجل - رياح وسحب كثيفة تضرب عدة محافظات في العراق وسط تساؤلات حول تأجيل الدراسة    موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للموظفين والمدارس (9 أيام عطلات رسمية الشهر المقبل)    "حزب الله" يستهدف مرتفع أبو دجاج الإسرائيلي بقذائف المدفعية ويدمر دبابة ميركافا    وزير الخارجية: الجهد المصري مع قطر والولايات المتحدة لن يتوقف ونعمل على حقن دماء الفلسطينيين    محامي يكشف مفاجآت في قضية اتهام صلاح التيجاني بالتحرش    صرف فروقات الرواتب للعسكريين 2024 بأمر ملكي احتفاءً باليوم الوطني السعودي 94    مواصفات فورد برونكو سبورت 2025    في احتفالية كبرى.. نادي الفيوم يكرم 150 من المتفوقين الأوائل| صور    عبد المنعم على دكة البدلاء| نيس يحقق فوزا كاسحًا على سانت إيتيان ب8 أهداف نظيفة    مواصفات هاتف Realme P2 Pro الجديد ببطارية كبيرة 5200 مللي أمبير وسعر مميز    ملف يلا كورة.. تأهل الزمالك.. رمز فرعوني بدرع الدوري.. وإنتركونتيننتال في قطر    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لخوض كأس الأمم الإفريقية    الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تعزى وزير الداخلية فى وفاة والدته    نائب محافظ المركزي المصري يعقد لقاءات مع أكثر من 35 مؤسسة مالية عالمية لاستعراض نجاحات السياسة النقدية.. فيديو وصور    حفل للأطفال الأيتام بقرية طحانوب| الأمهات: أطفالنا ينتظرونه بفارغ الصبر.. ويؤكدون: بهجة لقلوب صغيرة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    وصلت بطعنات نافذة.. إنقاذ مريضة من الموت المحقق بمستشفى جامعة القناة    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    ضائقة مادية.. توقعات برج الحمل اليوم 21 سبتمبر 2024    وزير الثقافة بافتتاح ملتقى «أولادنا» لفنون ذوي القدرات الخاصة: سندعم المبدعين    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    بعد قرار الفيدرالي الأمريكي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    راجعين.. أول رد من شوبير على تعاقده مع قناة الأهلي    مستشفى قنا العام تسجل "صفر" فى قوائم انتظار القسطرة القلبية لأول مرة    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    حريق يلتهم 4 منازل بساقلتة في سوهاج    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    تعليم الإسكندرية يشارك في حفل تخرج الدفعة 54 بكلية التربية    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    أوقاف الفيوم تفتتح أربعة مساجد اليوم الجمعة بعد الإحلال والتجديد    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    الإفتاء: مشاهدة مقاطع قراءة القرآن الكريم مصحوبة بالموسيقى أو الترويج لها محرم شرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأهرام في جنوب السودان أرض الماء والعطش
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 11 - 2010

إلي الدولة الأكبر في قارتنا السمراء‏,‏ أفريقيا الصغري كما يطلق عليها‏,‏ جسر التواصل بين الشمال والجنوب‏,‏ بلد المائة لغة وال‏57‏ أثنية عرقية وال‏570‏ قبيلة‏,‏ أرض الثروات والصراعات‏، الأساطير التي تبدو كالحقيقة والحقائق التي تفوق الخيال غرابة أرض الماء الوفير والعطش القاتل‏,‏ بلد الأنهار والغابات والأرض البكر التي تؤهلها لأن تكون سلة غذاء المنطقة الأكثر غنا بالموارد الطبيعية والأكثر فقرا بمقاييس دخل الفرد‏.‏إلي السودان كانت مهمتنا وتحديدا جنوبه والذي يمر بمرحلة هي الأخطر في تاريخه وهي مرحلة تحديد المصير فإما أن يقرر أهله البقاء سودانا واحدا موحدا أو أن تنشأ دولة جديدة في جنوب السودان‏.‏
ونحن في مصر نتعامل مع السودانيين في مدارسنا وجامعاتنا ومختلف أشغالنا دون أن نفرق بين شمالي وجنوبي ونعتبرهم جميعا أشقاء لنا وإذا كنا نحن نؤيد الوحدة ونطالب بدعمها إلا أننا نحترم رغبة أهل الجنوب إذا كان خيارهم هو الانفصال‏.‏
وربما أغلبنا لا يدري شيئا عن الصراع الدائر بين الطرفين منذ خمسين عاما والذي أفضي إلي الاستفتاء الذي سيجري بعد شهور قليلة ومن هنا كانت أهمية أن نتعرف علي أهل الجنوب وهم الذين يملكون قرار الوحدة أو الانفصال‏,‏ ما هي عاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم ؟ وما هي أسباب استمرارهم في الصراع لعقود طويلة ؟ ما هي مطالبهم ؟ وما هو تأثير قرارهم إذا كان بالانفصال علي المنطقة ؟ وما هي حقيقة الدعاوي التي واجهتنا هناك وفي كل مكان من أن مصر تدعو للوحدة لمجرد خوفها علي حصتها من مياه النيل ؟
منذ‏12‏ عاما وأثناء اشتعال الحرب بين الجنوب والشمال كانت زيارتي الأولي إلي الجنوب وكنت آنذاك أول صحفية مصرية التي تذهب هناك ورغم إنني قمت بعدة مهام صحفية لمناطق مشتعلة بالحروب فيما بعد إلا تلك المهمة ظلت هي الأكثر صعوبة نظرا لظروف الحياة القاسية وغير العادية التي واجهتها هناك‏,‏ وكنت أظن وأنا في طريقي لمهمتي الجديدة هناك وذلك بعد مرور خمس سنوات علي اتفاق السلام أن تكون الرحلة أكثر سهولة ولكنها كانت حافلة بالمتاعب بداية من صعوبة التنسيق مع المسئولين أو في الحصول علي معلومات واختتم الأمر باحتجازي في مطار الخرطوم عند عودتي للقاهرة وإنزالي من الطائرة قبل أقلاعها بثوان ومنعي من السفر لحين تدخل السفارة المصرية التي لولاها ولولا السفير عفيفي عبد الوهاب والقنصل معتز مصطفي كامل فربما كان اختفائي لغزا محيرا حتي الآن‏(‏ وتفاصيل هذه الرواية سأعود لها لاحقا‏)‏ لكن دعونا نبدأ من أسباب قيامي بتلك المهمة وهو البحث عن إجابات لأسئلة عديدة حول الجنوب ومنها‏:‏
كيف أختلف الجنوب بعد السلام عن فترة الحرب ؟
هل حدث تطور في عادات ومعتقدات القبائل بالجنوب وما هي خريطة القبائل هناك وتأثير ذلك علي الاستفتاء ؟
هل هناك صراع ديني بين المسيحيين والمسلمين في الجنوب ؟
مصر في الجنوب وما هي المساعدات التي تقدمها لدعم الجنوبيين؟ وهل الاهتمام المصري يعود لقضية المياه فحسب أم لأسباب أخري ؟
انفصال أم وحدة وما هي القوي المحركة في الجنوب نحو الانفصال؟
ما هي مناطق التوتر التي يمكن أن تنشأ في حال الانفصال وتشعل الصراعات‏..‏
ثلاث زيارات علي مدي ثلاثة أشهر وعشرات الساعات من السفر بكافة أنواع الطائرات لزيارة مدن وولايات الجنوب في محاولة للوصول إلي إجابات شافية حول تلك القضايا فهل استطعت ذلك ؟ سوف أترك الحكم لكم‏.‏
ولنبدأ بالتعرف علي جنوب السودان كيف كان وماذا أصبح ؟
‏‏ الجنوب الآخر
كان واضحا منذ الوهلة الأولي للرحلة أن هناك تغييرا كبيرا قد حدث بداية من دخولي إلي الجنوب عن طريق الخرطوم بالخطوط الجوية السودانية‏,‏ فأثناء الحرب كان الدخول يتم من خلال كينيا حيث كنا نحصل علي تصاريح الدخول من مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان ثم ننطلق بعد ذلك علي منطقة علي حدود كينيا يطلق عليها لوكوشوجيو وكانت قوات الأمم المتحدة تتمركز هناك ورغم أن الإقامة كانت في مخيمات إلا أنها كانت تتمتع بخدمة متميزة تتناسب مع الأجانب المقيمين حيث كان بها حمامات سباحة وطعام ذو جودة عالية وربما كان هذا تمهيدا للمعاناة التي سوف نلاقيها فيما بعد عندما تنقلنا طائرات الأمم المتحدة إلي جنوب السودان حاملين معنا طعامنا وشرابنا والخيام الخاصة بنا ونضعها في المعسكر المتواضع الخاص بالأمم المتحدة في داخل قطاعات مختلفة في الجنوب حيث لا مياه نقية أو كهرباء أو طعام وبالطبع فإن وجود دورات مياه كان دربا من الرفاهية‏.‏
الصورة اختلفت تماما الآن عن ذي قبل فرغم أن الأمم المتحدة لا تزال لها سيطرة علي الكثير من مجريات الأمور وخصوصا بالنسبة للنقل الجوي حيث تمتلك أسطول الطيران الأكبر فإنه يكفي أن الجنوب أصبح به عدة مطارات وفي مقدمتها مطار العاصمة جوبا وهو مطار نهاري غير مجهز للعمل ليلا ولذلك لا يستقبل الطائرات إلا في ضوء النهار ويتكون من ممر هبوط صغير وصالتي سفر ووصول متواضعين ولا تتوافر به أي إمكانيات حجز إلكتروني وحتي بالنسبة لنظام استلام الحقائب به فيتم عبر نافذة ضخمة في صالة الوصول حيت تمرر حقائب اليد من خلالها إلا إنه لمن كان يعرف الأوضاع يدرك أن هذا المطار يعد تطورا كبيرا فقد كانت الطائرات الكبيرة نسبيا لا تستطيع الهبوط من قبل في الجنوب وفي أيام الإغاثة كانت تلك الطائرات تلقي بحمولاتها من الجو حيث كانت الممرات الترابية التي مهدتها الأمم المتحدة آنذاك لا تحمل سوي الطائرات الصغيرة ولكن الآن المطار يستوعب حركة طيران ضخمة سواء دولية أو شركات الطيران الداخلي الخاصة‏.‏
أثناء تحليق الطائرة في الجو يبدو التحول في جوبا واضحا فعدد ضخم من البيوت والبنايات تظهر من الجو وصحيح أنها لا تقارن بالمباني الشاهقة في الخرطوم أو العواصم الأخري القريبة كنيروبي وكمبالا ولكنها أفضل بكثير من الأكواخ التي لم يكن هناك غيرها من قبل‏.‏
‏‏ هامر في الجنوب
أصابتني السيارات ذوات قوة الدفع الرباعية المتراصة أمام المطار بالذهول فتلك السيارات لم يكن يمتلكها سوي موظفي الأمم المتحدة أما الآن فأغلب السيارات حتي الأجرة هي سيارة جيب علي أحدث طراز ومن النوعية التي لا يقوي علي شرائها في مصر سوي الأثرياء‏.‏ سألت إسماعيل قائد سيارة الأجرة الذي كان برفقتي فقال لي إن هذه النوعية من السيارات ضرورية وذلك لأنه عندما يأتي موسم الأمطار تكون هناك صعوبة كبيرة جدا في استخدام السيارات العادية خصوصا أن معظم الطرق هنا غير ممهدة‏.‏
ثم أكمل قائلا‏:‏ ولكن هذا لا يعني أن تلك السيارات هي مواصلات عامة الشعب فالأغلبية لا يركبون سوي البودا بودا وهي عبارة عن موتوسيكلات صغيرة يتم إحضارها من أوغندا ويقودها الشباب الصغار ويمكن أن يقوم بتوصيل شخص أو اثنين خلفه في نظير جنيه سوداني للتوصيلة ورغم حوادث الطرق الكثيرة التي تحدث بسبب رعونة سائقي البودا بودا فإنه لا يوجد بديل وذلك لعدم توفر أي مواصلات عامة بالمدينة‏.‏
ورغم ما ذكره لي إسماعيل فإن الشعور بالدهشة عاد لي مرة أخري عندما رأيت سيارات هامر تجوب شوارع المدينة ولمحت سيارات جيب أمريكية مزودة بشاشات تليفزيون وأدركت علي الفور أنني أزور مكانا جديدا‏.‏
‏‏ ثراء أم فساد
بالطبع أول ما تبادر إلي ذهني هو من أين كل هذا‏!!!‏
جاءتني الإجابة علي لسان ريجينا وهي زميلة صحفية التقيت بها فيما بعد في وزارة الأعلام حيث قالت إن ظهور البترول في الجنوب واقتسام دخله بين الشمال والجنوب بعد اتفاق السلام أدي إلي دخول حوالي‏8‏ مليارات دولار لحكومة الجنوب تم إنفاق جزء منها علي تجهيزات مباني الوزارات وعلي شراء سيارات وأضافت أنه حدث في غضون ذلك مخالفات كثيرة كان من أشهرها قضية شراء الحكومة لعدد‏495‏ سيارة جيب من شركة سيارات معروفة وذلك من خلال اتفاق أبرمه وزير المالية آنذاك وفرضه علي باقي الوزارات حيث تم دفع مبلغ‏70‏ مليون دولار وبلغت قيمة السيارة الواحدة أكثر من‏100‏ ألف دولار في حين أن ثمنها الحقيقي لا يزيد عن‏45‏ ألف دولار وتم إعفاء وزير المالية من منصبه آنذاك‏.‏
نعود إلي جوبا فهذه المدينة كان بها أثناء الحرب‏3‏ أنواع من المساكن‏:‏
أولها‏:‏ هي المربعات السكنية القديمة في غرب المدينة وكانت تستعمل كمنازل سكنية للحكام البريطانيين‏.‏
وثانيها‏:‏ هي المنازل التي يسكنها المواطنون الشماليون الذين يعملون في التجارة والأعمال الحرة‏.‏
وثالثها‏:‏ هي منازل الأهالي التي تمثل أكبر مناطق المدينة السكنية‏,‏ وتشيد المباني من القش وفروع الشجر ويطلق عليها القطيات‏.‏ ويسكن فيها معظم الأهالي لأن إمكانياتهم المادية لا تسمح لهم بعمل مثل المنازل التي بالاسمنت والحجارة لأنها باهظة التكاليف‏.‏
كما كان يوجد في جوبا فندقان متواضعان وجامعة ومستشفي جوبا وكانت جميعها مهجورة في الماضي ولكن ما رأيته فيها الآن من تطور في عدد المباني والمنشآت يستحق لأن تكون بحسب تقرير التنمية الدولية واحدة من أسرع مدن العالم نموا رغم انخفاض الدخل بها‏,‏ فمثلا وبحسب أرقام وزارة السياحة في الجنوب فهناك الآن‏66‏ فندقا يملكها لبنانيون وأثيوبيون وماليزيون وهنود كما تستعد الإمارات لبناء فندق علي غرار فنادقها الضخمة‏.‏ أما عن أسعار الإقامة حاليا فهو لا يقل عن‏200‏ دولار في الليلة وهو سعر أغلي من فنادق فخمة في أوروبا‏.‏
لفت انتباهي وجود فندق باسم شالوم وتساءلت ما إذا ما كان يعود في ملكيته إلي إسرائيليين فجاءتني الإجابة قاطعة علي لسان المسئولين بأن الفندق يملكه أثيوبيون ولكن هذا لا يمنع بعض الشائعات حول وجود إسرائيلي غير معلن بشكل رسمي في جهات عديدة‏.‏
‏‏ عودة الروح للجامعة
جامعة جوبا أصبحت تضج بالحركة‏,‏ سألت عن رئيسها فأخبروني أن مكتبه الرئيسي في الخرطوم فبحسب ما ذكره لي أندريه أحمد بويل المسئول عن التسجيل بالجامعة فرغم ممانعته في بداية عن الإجابة عن المعلومات التي سألته عنها إلا أنه أفصح في النهاية عن بعض منها حيث ذكر أن الدراسة عادت بالكامل في كليات التربية وكليات الآداب في حين أن هناك كليات عديدة لا تزال الدراسة فيها في الخرطوم فكلية الطب لم تنتظم فيها الدراسة إلا في أول سنتين وذلك لعدم توفر الأجهزة والمعامل المطلوبة للطلبة هناك ولكن يتم تجهيزها حاليا وأشار إلي أن الجنوب به الآن‏5‏ جامعات ومعاهد عليا في واو وملكال ورومبيك وبور ولكن تبقي الجامعة الأكبر هي جوبا‏.‏
ربما تكون الطفرة الحقيقية هي ما حدثت في المدارس فبعد أن كانت معظمها عبارة عن سبورة معلقة تحت أحد الأشجار ويفترش الأطفال الطريق أمامها أما الآن فهناك مدارس عديدة بعضها عبارة عن منح من بعض البلاد العربية والأغلبية مدارس تابعة للكنائس وزاد عليها أيضا المدارس الخاصة بالمصروفات وهي غالبا تابعة لكنائس أيضا ولكنها ليست مجانية وهذه تضم ملاعب وارجوحات للصغار وبالطبع يبدو واضحا من السيارات الفاخرة التي تنتظر الأطفال أن تلك المدارس هي لفئة الصفوة في المجتمع الجنوبي الجديد‏.‏
ولكن القطاع الذي يعاني بشدة هو قطاع الصحة فحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية فإن أكثر من‏75%‏ من الجنوبيين لا ينالون أي درجة من الرعاية الصحية و‏20%‏ من الأمهات تلقين حتفهن أثناء الولادة وواحد من كل خمسة أطفال يموت قبل سن الخامسة وذلك بسبب افتقاد أبسط قواعد الرعاية الصحية‏.‏
‏‏ كله في كونيو كونيو
بيد أن أكثر الأشياء التي تعطي مؤشرا عن تحسن أحوال مجتمع ما هي الأسواق وحركة البيع والشراء فيها ونوعية البضاعة المعروضة وأذكر أنني عندما زرت الجنوب أثناء الحرب كان الدولار يساوي أكثر من‏3000‏ جنية سوداني وكانت عمليات البيع والشراء تتم بأسلوب المقايضة ولكن الآن الحال أختلف تماما فبعد أن أصبحت السودان دولة مصدرة للبترول أدي ذلك إلي أن الدولار صار يساوي جنيهين سودانيين ونصف فقط ومع ظهور طبقة جديدة ذات قدرة مالية مرتفعة فإن هذا أدي إلي توافر معروضات عديدة في الأسواق‏.‏
ويعد سوق كونيو كونيو أشهر أسواق العاصمة وفيه تزدهر تجارة مولدات الكهرباء حيث تشكل تلك المولدات المصدر الرئيسي للحصول علي كهرباء بسبب أن محطة الكهرباء في العاصمة لا تغذي سوي مناطق معينة وبشكل غير دائم كما بدأت تجارة الأجهزة الكهربائية المنزلية توجد بشكل محدود‏,‏ ولكن التجارة الأكثر انتشارا ورواجا هي تجارة التليفون المحمول‏.‏
‏‏ نار‏..‏ الأسعار
ورغم أن أكثر من‏95%‏ من أهل جوبا يقيمون في‏(‏ القيطات‏)‏ فإن بناء الوحدات السكنية من المجالات التي تجد رواجا وذلك بعد أن ازداد الطلب عليها من القنصليات والموظفين في المؤسسات الدولية فقد أوضح لي ممدوح سالم وهو شاب مصري لديه شركة مقاولات ويقوم ببناء مجمع سكني‏(‏ كومباوند‏)‏ في جوبا فإن كل مواد البناء لا تنتج في الجنوب‏.‏ وهو نفس ما أكده لي القنصل المصري في جوبا فقال أن إيجار البيت العادي الذي لا يتمتع بأي مستوي من الرفاهية أو حتي التشطيب الجيد يمكن أن يصل في الشهر إلي حوالي‏25‏ ألف جنية سوداني وذلك لمجرد وجوده في منطقة متميزة‏.‏ والأحياء المتميزة في جوبا قليلة ويأتي في مقدمتها حي‏(‏ أمارات‏)‏ وهو الحي الذي يوجد فيه القصر الخاص لرئيس حكومة الجنوب سيلفا كير وفيلا ريك مشار نائب الرئيس وعدد من أصحاب النفوذ في الحكومة ومقار بعض المؤسسات الدولية‏.‏
ولا يقتصر الارتفاع في الأسعار علي الإيجارات وحدها ولكن ما يثير الاستغراب أنه رغم أن دخل الفرد في الجنوب من أقل معدلات الدخول في العالم فإنها من أكثر البلاد ارتفاعا في الأسعار فجالون البنزين يصل إلي‏20‏ جنيها سودانيا أي حوالي‏55‏ جنيها مصريا وسعر الخمسة أمتار مكعب من مياه النيل التي تستخدم لأغراض النظافة وري الحدائق تصل إلي‏75‏ جنيها سودانيا وتصورا أنها بهذا السعر ولا تصلح للشرب وهي طبعا لا يشتريها سوي الأثرياء أو البعثات الدولية‏,‏ حقا أنها أرض الماء والعطش‏!!‏
أيضا معظم المنتجات الزراعية باهظة الثمن وقد بلغ سعر كيلو الطماطم وصل في العام الماضي كما أخبرني مصطفي شيخ تجار سوق كونيو كونيو إلي ثمانين جنيها سودانيا والمنتجات الوحيدة التي يمكن شراؤها بسعر رخيص هي الأناناس والمانجو وطبعا اللحوم فيصل سعر الكيلو إلي‏15‏ جنيه سوداني‏,‏ وينسحب الأمر علي المنتجات الصناعية فالتصنيع في الجنوب لا يزال في خطواته الأولي ويكاد يقتصر علي مصانع للبيرة والمياه المعدنية حيث أنشأت شركة سابميلر العالمية مصنعا بحوالي‏50‏ مليون دولار وهي تنتج ما يقرب من مليون زجاجة بيرة أسبوعيا وهو ما يفسر أن البيرة المحلية هي الشيء الوحيد الذي يمكن شراؤه بسعر زهيد في الجنوب‏.‏
‏‏ صحف بلا مطابع أو قراء
كصحفية كان طبيعيا أن أتسأل عن حال الصحافة والإعلام عموما في الجنوب فعلمت أن هناك صحف لديها مكاتب في جوبا ولكنها تطبع في الخرطوم معظمها بالإنجليزية ومنها جوبا بوست‏,‏ الغريب أن الجريدة الأكثر شعبية هناك هي جريدة الإنتباهه وهي جريدة شمالية تصدر من‏5‏ سنوات ويرأس تحريرها الطيب مصطفي خال الرئيس عمر البشير وتلك الجريدة تهاجم الجنوب بشكل مستمر وتنادي بانفصاله عن الشمال‏.‏
وللتعرف علي الإعلام بشكل أفضل التقيت بول مايوم وهو سياسي بارز في حكومة الجنوب ويحظي بثقة كبيرة من سيلفا كير وكان يشغل منصب وزير الداخلية لعدة سنوات وأثناء لقائي كان يشغل منصب وزير الإعلام‏(‏ وبعد سفري علمت أنه تم اختياره لمنصب وزير الري‏).‏
وفي البداية سألته عن عدد الصحف التي تصدر من الجنوب ؟
فأجاب قائلا‏:‏ إن عددها يبلغ‏6‏ صحف وأضاف أنها جميعا صحف خاصة ولا توجد صحف مملوكة لحكومة الجنوب‏.‏
سألته عن المشاكل التي تواجه الصحافة في الجنوب والتي تتمثل بشكل أساسي في عدم وجود مطبعة واحدة في كل الجنوب وهو ما يؤدي للطباعة في الخارج وتحديدا في الخرطوم وأوغندا وهو ما يجعل الصحف تصل متأخرة كل يوم وأحيانا لا تصل في اليوم نفسه ؟
فأجاب مؤكدا‏:‏ أن هناك عدة جهات تتبني هذا المشروع الآن وأن المطبعة ستكتمل بنهاية هذا العام‏.‏
سألته عن القناة التليفزيونية الفضائية والتي أطلقت منذ فترة وجيزة علي القمر الصناعي عرب سات سألته عن السبب في تملك الحكومة لها ونسبة المناطق التي تستقبل الإرسال التليفزيوني في الجنوب ؟
فقال أنه من الطبيعي أن يكون هناك حرص علي أن تكون هناك قناة تتحدث بلسان الجنوب وتعبر عن ثقافاتنا وسياساتنا والإرسال يستقبله حوالي‏25‏ إلي‏30%‏ من الجنوبيين وهي تقريبا نسبة من يملكون تليفزيونات ولكن الأمر يختلف بالنسبة للإذاعة فهناك العديد من المحطات الإذاعية في كل ولاية وبعدة لهجات‏.‏
الحقيقة أن نسبة من يمتلك أجهزة تليفزيون والتي ذكرها سيادة الوزير أصابتني بالدهشة فمن واقع الزيارات التي قمت بها بعد ذلك لحوالي خمس ولايات وجدت أن الفارق بين جوبا وأغلبها كالفارق بين القاهرة وأبعد واحة في صحراء مصر‏,‏ فبعض القري لم يلمسها تطورا لا منذ أن زرتها قبل اثني عشر عاما فحسب بل منذ بدء الخليقة حيث توجد قبائل لا تزال النساء والرجال يسيرون فيها عراه وقبائل تخطف الأطفال‏.‏ وأخري تقوم بمعارك ضارية من أجل حفنة من البقر‏.‏
ولهذا حديث آخر في الحلقة القادمة‏.‏
المورلي يقاتلون الأسود ويخطفون الأطفال‏..‏
سر الطبلة التي يطالب النوير باستعادتها من مصر‏..‏

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.