وعاد بائعو الورود يحتلون أماكنهم لكنهم لم ينسوا أن الموت كان هنا علي بعد أمتار وفي الضفة الاخري ومع بداية جادة استقلال الشهيرة وعلي مسافة خطوات من نصب الجمهورية وضع ماسحو الأحذية معداتهم يستقبلون زبائنهم قالوا لصاحب تلك السطور إنه في اليوم التالي من حادث الانفجار الانتحاري كانت أعينهم في وسط رأسهم, نظراتهم زائغة لا تستقر تخشي انتحاريا قد يقفز فجأة من الأركان وكم هي عديدة يفجر نفسه فيهم بحجة أنه لا يستهدفهم وإنما رجال الأمن الذين يقف بجانبهم!. يالهم من بشر عجيب يسوقون مبررات واهية لأفعالهم الإجرامية! ولأنهم في النهاية مؤمنون بالقضاء والقدر, فسرعان ما نسوا وانكبوا علي رزقهم صحيح الزبائن شحت غير أن هذا لم يكن بسبب الخوف ولكن الطقس قد يتغير في لحظة ومعه تهب الامطار من كل صوب وحدب. هؤلاء هم الثابتون فماذا عن المادين؟ الميدان يجيب بنفسه: انظروا هاهم المواطنون يزحفون أفواجا كما هي عادتهم وأصوات تصدح غناء وطربا وأخري تدعو الناس إلي أحلي ساندويش شاورما ومعه قدح من الآيران و' سرايا السميط' بأنواعه التي لا حصر لها والذي يعتبره الأتراك' الكروسان علي الطريقة التركية انتهزت صحو النهار وبزوغ شمس اطلت بأشعتها الدافئة فراحت تضع مناضدها الصغيرة أمامها حتي تجذب الزوار يتناولون شرائح السميط مع الشاي التركي التقليدي. ورغم كل هذا بدا هناك شئ غامض لا تلمسه ولكنك تلاحظة, فها هي الحيرة ومعها الترقب علي وجوه كثيرين خصوصا هؤلاء التي ترتبط مصالحهم بهذا المربع الشهير, بيد أنه يضم بين اضلاعة الاربعة المتساوية ما لا يقل عن مائة فندق تزداد كلما ابتعدت عنه قليلا, وكلها يؤمها سياح تتفرق مشاربهم وكذا الوجهات التي يقصدونها في الاناضول لكن شيئا واحدا يجمعهم ألا وهو ميدان تقسيم فكل الشوارع تصب فيه ومن ثم فبدونه لا معني للمدينة التاريخية. فماذا عساهم إذن أن يفعلوا سوي أن يتسلحوا بالأمل وهم علي يقين أن اثارا سلبية ستترتب علي تلك المأساة البغيضة ولكن ما حدث حدث, المهم ألا يتكرر وهذا هو بيت القصيد!! فالسؤال ما الذي يضمن ألا يعود منتحر آخر يفعل فعلته الشنعاء في نفس المكان وهو ما يعني كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معان, لأنه ببساطة لن يكون هناك تردد فمن جاءوا من اجل السياحة سيلغون مشاريعهم فورا ويعودون في نفس التو واللحظة إلي حيث أتو. ومن أجل أن يتم وأد أي محاولة تخريبية محتملة يحاول القائمون علي الأمن تحديد من وراء إحلال الفوضي في' تقسيم'. الرسميون لم يخفوا اتهاماتهم لمنظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية ولكن الأخيرة نفت بل قامت بمد وقف إطلاق النار من جانب واحد إلي ما بعد الانتخابات البرلمانية في يونيو العام القادم.. الا يكون هذا تمويها فهم اصحاب مصلحة واستهدافهم الشرطة له أسبابه, فرجال البوليس هم الاقرب الي التيارات القومية العدو اللدود لأي نزعة تفتت الوطن, فتركيا عندهم لا تعرف القسمة علي اثنين ومن ثم نجدها ترفض أي تفاوض أو تنازل تحت أي مسمي, فلا لسان سوي اللسان التركي. في المقابل ابدي العديد من الكتاب والمحللين شكوكهم في أن يكون( آبو) أي عبد الله اوجلان وأعوانه هم المحرضين ويسوقون في ذلك أكثر من سبب, فالمراد اليوم ليسوا هم الامس لقد ضاقوا ذرعا من المواجهات المسلحة صحيح هم متمسكون بتراث الاهل والاجداد لكنهم في الوقت ذاته يريدون حقوقهم في إطار الدولة التركية والعدالة والتنمية الحاكم مدعوما من المثقفين ونخب علمانية تدشن خطوات إنفتاحية علي المعضلة فما هي مصلحتهم أذن في تبديد أجواء الأمل والتفاؤل. وهكذا وإلي أن تظهر الحقيقة تستمر التخمينات منها من إتهم القاعدة خاصة وأن الولاياتالمتحدةالامريكية سبق وحذرت الحكومة من أتراك صاروا يتسابقون علي هذا التنظيم, وأخري ذهبت إلي النقيض متهمة الموساد الإسرائيلي الذي يريد تدمير صورة تركيا بعد أن ارتفع صوتها في العالم الاسلامي. علي اية حال كم من حوادث وقعت ومعها سقطت ضحايا وأهدرت موارد, لكن اسطنبول دائما ما تعود إلي بهائها متحدية الارهاب والارهابيين.