علي شاطئ نهر النيل العظيم وفي مدينة القاهرة اجتمع دبلوماسيون واكاديميون من مختلف دول العالم للمشاركة في الملتقي الدولي للحد من الانتشار النووي. وعلي مدي ثلاثة ايام كاملة كان ابرز ما شد الانتباه والاهتمام هو محاولة الإجابة عن سؤال رئيسي.. كيف تقام بالشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي واسلحة الدمار الشامل الأخري.. وبصيغة اخري كيف يمكن ان تنجح دول المنطقة في عقد مؤتمر عام2012 الخاص بإخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي وباقي اسلحة الدمار الشامل؟ السفير د. محمد شاكر ممثل المجلس المصري للشئون الخارجية والباجواش المصري اشار الي ان لقاء القاهرة له دلالة عظيمة حيث يلتقي ممثلو الحكومات والمجتمع المدني معا للعمل علي معرفة كيفية احراز تقدم في مجال تطبيقات القرارات التي تم التوصل إليها خلال المؤتمر الأخير لمراجعة معاهدة منع الإنتشار النووي بنيويورك في مايو2010 معربا عن امله في التوصل الي علامات واشارات علي الطريق يمكن ان تستدل بها الحكومات والمجتمع المدني للتعرف علي سبل عقد مؤتمر عام2012 الخاص بإقامة منطقة خالية من السلاح النووي وكافة اسلحة الدمار الشامل.. وعالم آمن. واشار السفير خالد شمعة ممثل وزارة الخارجية المصرية الي ان الوثيقة الختامية لمؤتمر مراجعة معاهدة منع الإنتشار النووي تضمنت اعتماد واقرار الدول الأطراف بالمعاهدة لآلية تنفيذية تكفل التطبيق الكامل لقرار الشرق الأوسط الصادر عام1995 واعاد مؤتمر المراجعة التأكيد علي اهمية انضمام اسرائيل لمعاهدة منع الإنتشار النووي واخضاع منشآتها النووية للضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وباختصار فإن الآلية المقترحة تتشكل من عدة خطوات تم اقرارها بالفعل خلال مؤتمر المراجعة ومن ابرزها:تكليف سكرتير عام الأممالمتحدة والدول المتبنية لقرار الشرق الأوسط عقد مؤتمر في عام2012 بمشاركة كافة دول المنطقة لمناقشة انشاء منطقة خالية من السلاح النووي واسلحة الدمار الشامل الأخري بالشرق الأوسط.. أما السفير نبيل فهمي سفير مصر السابق لدي الولاياتالمتحدة والمعروف بجهوده في مجال احلال السلام بالشرق الأوسط وفي مجال نزع السلاح اقليميا وعالميا فقد اشار الي ان اسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تنضم لعضوية معاهدة منع الإنتشار. ويأمل فهمي ان يشهد عام2012 بداية حقيقية جادة عبر المؤتمر واضاف لانكسب شيئا من الجدل ولكننا لانقبل بأن يستمر هذا الوضع دون تحقيق اي تقدم ايا كان او بتجاهل متطلبات امننا القومي. اما ربيكا جونسون المدير التنفيذي لمعهد اكرونيم لدبلوماسية نزع السلاح ببريطانيا وعالمة الفيزياء والناشطة الدولية فقدمت استراتيجيتها المكونة من3 محاور مترابطة وتهدف الي تعاون الحكومات والمجتمع المدني في مجال نزع السلاح. تمثل المحور الأول في الواجب الإنساني حيث يتم ترهيب العالم من استخدام السلاح النووي وتجريم الاستخدام دوليا والحد من قيمة ما يترتب علي استخدامه سواء فيما يتعلق بالأمن اوالقوة ونصحت بزيادة اللقاءات بين منظمات المجتمع المدني العاملة في هذا المضمار بالإضافة للقاءات تجمع المجتمع المدني بممثلي الحكومات لإنعاش المناقشات بهدف تكوين رأي عام مضاد للسلاح النووي علي المستوي الجماهيري اما المحور الثاني فيتمثل في المستوي الإقليمي وفيما يتعلق بالشرق الأوسط تحديدا اكدت ربيكا ان بالإمكان الإستفادة من النموذج الأوروبي اثناء الحرب الباردة(عملية هلسنكي)عندما عملت كل الدول الأوروبية والمجتمع المدني علي عدة محاور متزامنة فالأمر لم يقتصر علي التفاوض بشأن الرقابة علي التسلح فقط بل كانت هناك مسارات أخري متعلقة بحقوق الإنسان والموارد و تبني استراتيجيات مشتركة لمواجهة العديد من المشكلات الإقليمية بدءا من ندرة المياه ووصولا الي السلاح النووي.. الخ ولكنها نوهت الي الرفض الإسرائيلي لمناقشة المسألة النووية مؤكدة علي اهمية تجاوز هذا الموقف.فسياسة وترسانة اسرائيل النووية الغامضة تمثل عقبة حقيقية امام قبول كافة دول المنطقة بضوابط ومتطلبات منع الإنتشار.اما المحور الثالث فيتعلق بتمهيد الطريق لمعاهدة حظر شامل للسلاح النووي بلا استثناءات ويتم تطبيقها علي الجميع. وعلي الرغم من المثالية والطوباوية الواضحة في مقترح ربيكا فإن الدكتور عادل محمد احمد من المجلس المصري للشئون الخارجية قدم وجهة نظر تعتمد علي المقايضة الإيجابية..فتحويل الشرق الأوسط لمنطقة خالية من الأسلحة النووية واسلحة الدمار الشامل الأخري سيصب في مصلحة كافة الأطراف المشاركة فيها. فإيران بموافقتها علي المشاركة في المنطقة الخالية من السلاح النووي ستتلافي ضربة عسكرية ضدها وتثبت حسن نواياها وحقها في الإستخدام السلمي للطاقة النووية وتسقط الذرائع الغربية والشكوك المثارة حول برنامجها. والغرب بزعامة الولاياتالمتحدة سيجني ايضا فائدة تتمثل في الإمتناع عن شن عمل عسكري محتمل وغير مضمون العواقب وتجنب آثار عدم الاستقرار بالشرق الأوسط وخاصة في مجال الطاقة. والطرف الإسرائيلي يمكن ان يخرج فائزا بموافقته علي الإنضمام للمنطقة الخالية من السلاح النووي لأنه سيتجنب التهديدات الإيرانية في حال امتلاك الأخيرة سلاحا نوويا مستقبلا. وفي نهاية المؤتمر غادر الجميع الفندق حيث النيل يمر امامهم حاملا معه رسالة السلام والأمان لحضارة تجاوزت خبراتها وعمرها سبعة آلاف عام.