إعادة كارت البنزين.. فخري الفقي يكشف عن الآلية الجديدة لدعم المحروقات    عاجل - لغز الطائرة الغامضة.. هل جاءت لنقل جثمان نصر الله إلى إيران؟ ( التفاصيل الكاملة)    "12 قتيلا من الفصائل الموالية لإيران".. آخر إحداثيات هجوم دير الزور    بايدن يتلقى إفادة بشأن الشرق الأوسط ويراجع وضع القوات الأمريكية بالمنطقة    إسرائيل: دمرنا قسمًا كبيرًا من مخزون حزب الله الصاروخي    أحدث ظهور ل يوسف الشريف في مباراة الأهلي والزمالك (صورة)    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    الصحة اللبنانية: استشهاد 33 شخصًا وإصابة 195 بالغارات الإسرائيلية    وزير الخارجية: مصر حريصة على تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة    عمرو أديب يشكك بركلة جزاء الأهلي ويقارنها بهدف منسي: الجول الحلال أهو    مدحت العدل: جوميز يظهر دائمًا في المباريات الكبيرة وتفوق على كولر    سحر مؤمن زكريا يصل إلي النائب العام.. القصة الكاملة من «تُرب البساتين» للأزهر    أول تعليق من محمد عواد على احتفالات رامي ربيعة وعمر كمال (فيديو)    حار نهارا.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الأحد    "حط التليفون بالحمام".. ضبط عامل في إحدى الكافيهات بطنطا لتصويره السيدات    حكاية أخر الليل.. ماذا جرى مع "عبده الصعيدي" بعد عقيقة ابنته في كعابيش؟    صلح شيرين عبد الوهاب وشقيقها محمد.. والأخير يرد: انتى تاج راسى    مصر توجه تحذيرا شديد اللهجة لإثيوبيا بسبب سد النهضة    بعد انخفاض عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (بداية التعاملات)    نجم الزمالك السابق: هذا الشخص السبب في خسارة الأهلي بالسوبر    «غرور واستهتار».. تعليق ناري من نجم الأهلي السابق على الهزيمة أمام الزمالك    الصحة اللبنانية: سقوط 1030 شهيدًا و6358 إصابة في العدوان الإسرائيلي منذ 19 سبتمبر    أسعار السيارات هل ستنخفض بالفترة المقبلة..الشعبة تعلن المفاجأة    «التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    راعي أبرشية صيدا للموارنة يطمئن على رعيته    نشرة التوك شو| أصداء اغتيال حسن نصر الله.. وعودة العمل بقانون أحكام البناء لعام 2008    الأوراق المطلوبة لتغيير محل الإقامة في بطاقة الرقم القومي.. احذر 5 غرامات في التأخير    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    انخفاض جماعي.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    القوى العاملة بالنواب: يوجد 700 حكم يخص ملف قانون الإيجار القديم    خاص| خبير عسكري فلسطيني: نتنياهو سيقود المنطقة لتصعيد لا يُحتمل إذا واصل مخططاته    ضبط شاب لاتهامه بتصوير الفتيات داخل حمام كافيه بطنطا    التحويلات المرورية.. بيان مهم من الجيزة بشأن غلق الطريق الدائري    حدث في منتصف الليل| السيسي يؤكد دعم مصر الكامل للبنان.. والإسكان تبدأ حجز هذه الشقق ب 6 أكتوبر    وزير الخارجية يتفقد القطع الأثرية المصرية المستردة في القنصلية العامة بنيويورك    برج السرطان.. حظك اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024: عبر عن مشاعرك بصدق    المنيا تحتفل باليوم العالمى للسياحة على كورنيش النيل.. صور    يوسف الشريف يبدأ تصوير فيلم ديربى الموت من داخل مباراة كأس السوبر.. صورة    أسعار الذهب اليوم في مصر بنهاية التعاملات    "100 يوم صحة" تقدم أكثر من 91 مليون خدمة طبية خلال 58 يومًا    اتحاد العمال المصريين بإيطاليا يوقع اتفاقية مع الكونفدرالية الإيطالية لتأهيل الشباب المصري    تعرف على سعر السمك والكابوريا بالأسواق اليوم الأحد 29 سبتمبر 2027    «شمال سيناء الأزهرية» تدعو طلابها للمشاركة في مبادرة «تحدي علوم المستقبل» لتعزيز الابتكار التكنولوجي    وزير التعليم العالى يتابع أول يوم دراسي بالجامعات    «الداخلية» تطلق وحدات متنقلة لاستخراج جوازات السفر وشهادات التحركات    تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. «الحمل»: لديك استعداد لسماع الرأى الآخر.. و«الدلو»: لا تركز في سلبيات الأمور المالية    «احترم نفسك أنت في حضرة نادي العظماء».. تعليق ناري من عمرو أديب بعد فوز الزمالك على الأهلي (فيديو)    المخرج هادي الباجوري: كثيرون في المجتمع لا يحبون فكرة المرأة القوية    سيدة فى دعوى خلع: «غشاش وفقد معايير الاحترام والتقاليد التى تربينا عليها»    ضبط 27 عنصرًا إجراميًا بحوزتهم مخدرات ب12 مليون جنيه    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    كيف تصلي المرأة في الأماكن العامَّة؟.. 6 ضوابط شرعية يجب أن تعرفها    أحمد عمر هاشم: الأزهر حمل لواء الوسطية في مواجهة أصحاب المخالفات    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد القافلة الطبية الأولى لقرية النصر    دعاء لأهل لبنان.. «اللهم إنا نستودعك رجالها ونساءها وشبابها»    رئيس هيئة الدواء يكشف سر طوابير المواطنين أمام صيدليات الإسعاف    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جابر عصفور‏..‏الناقد الذي يصدقه الجميع
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 10 - 2010

هذا الرجل أحبه كثيرا‏..‏ له في ذمتي وعنقي وعقلي وقلبي إعجاب كبير وتقدير وفير وتبجيل جليل‏..‏ جابر عصفور‏..‏ المثقف الحقيقي وفي بلادي المثقفون قليل‏..‏ جبل المعارف وتجلياتها‏.‏ أمير النقد وسيده‏..‏ ذواقة الإبداع وخط الدفاع الأساسي للمبدع‏,‏ والمرآة التي يري فيها المبدع نفسه بكل ملامحه مجسدة بارزة ليتعرف عليها جيدا‏..‏ السهل الممتنع الذي لا حاجة له في نقده للتشدق بالمصطلحات والنظريات الأكاديمية الثقيلة علي طبلة الأذن‏..‏ المرن المستنير الذي لا يصنف الناس‏,‏ ولا يأخذ المبدعين باتجاهاتهم الفكرية وإنما بمدي ابتعادهم عن الصواب الفني أو مجافاتهم للمسئولية الفنية‏..‏ قارئ ما بين السطور وما قبل السطور وما سطره الخفاء علي جدران النفس‏..‏ عصفور من الشرق قرأ الغرب وتاريخه ومؤلفاته وفلسفاته وأشعاره‏,‏ وتابع بعين صقر كل ما تخرجه مطابع العالم من فكر وأدب وفن ليقوم بتقييمه ونقده وقت صدوره حتي أنه جلس لمدة‏36‏ ساعة متواصلة لقراءة شفرة دافنشي للروائي دان براون ولم يكتب عنها لرؤيته النقدية بأنها تنتمي إلي الروايات الجماهيرية بست سيللر فقد وزعت أكثر من خمسين مليون نسخة‏,‏ لكن كاتبها في رأيه لا يرقي إلي مستوي هيمنجواي‏..‏ صاحب الألف كتاب التي تمت ترجمتها خلال عام من لغاتها للعربية تحت إشرافه في صرح المركز القومي للترجمة كان من بينها‏15‏ لغة نادرة منها الكورية والكردية والبوسنية والهولندية والحبشية القديمة والقازاقية ليتحقق علي يديه القول بأن الأرض بتتكلم عربي‏..‏ صاحب الحق الذي طالب به فلم يضع حقه عندما كتب لعبدالناصر يقول له نحن نعيش في بلد لا عدل به ولا مساواة ذلك لأنه كان قد تخرج في عام‏1965‏ في جامعة القاهرة قسم اللغة العربية بتقدير امتياز‏,‏ وبدلا من تعيينه معيدا عين مدرسا للغة العربية بإحدي قري الفيوم وظل رئيس الجامعة يرفض مقابلته بحجة مش فاضي ووصلت تعليمات ناصر إثر الخطاب الجرئ فاستقبله رئيس الجامعة بالأحضان مبديا تعاطفا جما ومعاتبا لأنه لم يقصده منذ البداية وروح يا حبيبي استلم عملك دلوقت‏...‏ جابر الذي يري أنه عندما يحل الظلام دائما هناك بقعة من الضوء المستتر‏,‏ والمثقفون يمثلون تلك البقعة المنيرة‏..‏ معتاد الهجوم الذي أصبح له مواسم ثابتة توجه فيها الكتابات ضده‏,‏ وأبرز هذه المواسم هي إعلان منح التفرغ‏,‏ وإعلان جوائز الدولة‏!..‏ الناقد الذي يري أننا نعيش الآن زمن الرواية‏,‏ فعندما حصر أسماء الفائزين بجائزة نوبل علي مستوي العالم وجد أن معظمهم روائيون‏,‏ وسأل أصحاب ومديري دور النشر فقالوا إن دواوين فطاحل الشعراء‏,‏ أو من يطلقون هذا علي أنفسهم‏,‏ لا تبيع مائة نسخة‏,‏ بينما الروايات تصدر وتوزع في وقت قصير‏,‏ هذا إلي جانب أن الشعر في أزمة ولم نعد في زمن الشعر لأن حركة الحداثة جعلته محدود القراءة‏,‏ ولابد للشعراء أن يراجعوا تقنياتهم حتي يخرج الشعر من أزمته‏.‏
ولا يمكن أن يكون هناك شخص يمكن أن يحبه الجميع‏,‏ ويلتف حوله الجميع‏,‏ ويقول فينصت الجميع‏,‏ وينقد فيصدق الجميع‏,‏ كل التيارات والاتجاهات والمذاهب‏..‏ أكثر من جابر عصفور الذي قال لي يوما في قالب المدح عندما تصديت للكتابة عن الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور‏:‏ أعرف معاناتك البالغة في الكتابة عن عبدالصبور وأحلام الفارس القديم‏,‏ ففي الدخول إلي عالمه معاناة‏,‏ وفي الخروج أيضا معاناة‏..‏ وابتسمت في أعماقي عندما وجدت الدكتور جابر يدخل عالمه هو في مذكراته الشخصية التي صدرت في صياغتها الثانية الأخيرة باسم زمن جميل مضي والتي أهداها إلي ابنه أحمد ليعرف الزمن الذي عاشه أبوه‏..‏ يدخل من بوابة صلاح عبدالصبور في قوله الشاعر‏:‏
أنا رجل من غمار الموالي
فقير الأرومة والمنبت
فلا حسبي ينتمي للسماء
ولا رفعتني لها ثروتي
ولدت كآلاف من يولدون
بآلاف أيام هذا الوجود
لأن فقيرا بذات مساء
سعي نحو حضن فقيرة
وأطفأ فيه مرارة أيامه القاسية
وإذا ما كانت صفحات جابر عصفور في كتبه وأبحاثه ومقالاته تحتاج عادة من قارئها إلي مقعد الانتباه‏,‏ وموقع التلميذ من الأستاذ‏,‏ وإخفاء التهتهة أمام ذخائر الجهبذة‏,‏ والرغبة الجادة للمعرفة الجادة‏,‏ فإنه في مذكراته الشخصية وسيرته الذاتية يجبرك علي أن تدهش له ومنه‏,‏ ففي داخل المتن الصلب والصرح الأكاديمي المهيب هناك تجري عذوبة أنهار‏,‏ وتتعانق في شوق ألسنة النار‏,‏ ويهب النسيم العليل‏,‏ ويسقط المطر زخات زخات وأنواء وشطحات ودموع منزوية وشدو وغناء وربة الوحي والإلهام‏..‏ و‏..‏قلب عصفور يغني‏:‏
غني لي لحن الوفا غني لي واشجيني
وانعم بليل الصفا واملالي واسقيني ويا الأحبة
وما بين سطر وآخر في تاريخ جابر عصفور مع الزمان الجميل الذي ولي وراح نلمس تأثيرا والتصاقا وإعجابا وإشفاقا بالأب الذي عاش في كلمات الابن كالطائر المحلق الرافض لجميع القيود زوربا السكندري قيود المدرسة والتعليم‏,‏ وقيود العمل مع أبيه في مهنة صياغة الذهب‏,‏ وقيود المكان وأصحاب المكان‏,‏ فذهب بما جمعه من كلمات إنجليزية يعمل مترجما مع الإنجليز في الصحراء‏,‏ حيث ساحات الحرب مع الألمان‏..‏ ويترك الصحراء وملل كثبان الرمال ليدخل حظيرة الزواج لكنه سرعان ما ينضو عنه قيود الإذعان إلي جوار زوجة عاقر‏,‏ فينطلق حاملا قلب العصفور الكبير المغرد في ساحات النساء‏,‏ بلد تشيله وبلد تحطه‏,‏ حتي حط الرحال في المحلة الكبري ليفتح محل بقالة في قلب المدينة بشارع سعد زغلول‏,‏ وإذ ذاع صيت القادم في موكب الحيوية‏,‏ تقبل لتساعده الأرملة الجميلة الولود لينسج الحب حدوتة الزواج فتنجب منه‏,‏ من استولت علي جميع مفاتيحه إلي جوار أبنائها اليتامي الابنة ليلي فكلاهما يحب ليلي مراد ونعيما يا حبيبي نعيما يا منايا‏,‏ وينذر الزوج لمقام سيدي جابر بإطعام حلقة مريديه إذا ما أنجب ولدا فيستجيب الله ليرزقه بعد سبعة أشهر بتوأم عاش منهما جابر ومات سيد ليسجل المولود الذي قاوم ليحيا باسم جابر أحمد السيد عصفور المولود في الخامس عشر من مارس‏1944..‏ وبحكم نشأته ما بين شخصية الأب الطيب المتساهل‏,‏ والأم الحازمة الصارمة قوية الإرادة والعزيمة والشكيمة يتساءل أستاذنا فيما إذا كانت تركيبته تنضوي علي شخصيتين لا تخلوان من تضاد تبعا لعامل الوراثة‏:‏ وأحسبني بعد سنوات عديدة طويلة من العمر‏,‏ قد استطعت التوفيق بين الشخصيتين‏,‏ لكن بما ظل مبقيا علي تجاورهما‏..‏
ومثل تلك الازدواجية يستشعر توأمها جابر عصفور في ذكري المولد النبوي الشريف الذي يثير بداخله شعورا دينيا عميقا لم تغيره القراءات‏,‏ ولا التقلب بين المذاهب المختلفة‏,‏ وذلك علي نحو يجعله يشعر أحيانا أنه شخصان‏:‏ عقلاني يموج رأسه بالأفكار والمذاهب التي درسها‏,‏ ووجداني لايزال منتسبا إلي الجذور التي تربي عليها والتي لاتزال متأصلة فيه والحق أنني لم أفهم إمكان المصالحة بين هذين الشخصين إلا بعد أن ذهبت إلي اليابان‏,‏ ووجدت أن أبناء هذه الأمة متدينون إلي حد بعيد‏,‏ سواء كانوا ينتسبون إلي الديانة البوذية أو عبادة الأرواح الشنتوية‏.‏ وقد شاهدت في أكثر مصانع اليابان‏,‏ تقدما وتعقيدا‏,‏ معابد صغيرة للعمال‏,‏ يلجأون إليها في أوقات الراحة‏,‏ وسط العمل‏,‏ فأدركت إمكان التعايش بين أنواع العقيدة الدينية‏,‏ وأعقد أشكال العلم‏,‏ فلكل من الطرفين مجاله وحضوره‏..‏ وما أكثر ما كان جابر يخرج المصحف ليقرأ منه بصوت عال كي تهدأ نفسه بالاستماع إلي كلمات الله الذي كان يدعوه أن يحفظ أباه في مرضه‏..‏ وظلت عادة الاحتفاظ بمصحف في كل مكان أحل فيه باقية معي‏,‏ فهناك مصحف في سيارتي‏,‏ وأكثر من واحد في غرفة مكتبي‏,‏ وآخر في غرفة النوم‏,‏ ولولا انفرادي عن الآخرين ووجودي في مكتبتي مع القرآن الكريم عندما ماتت ابنتي الكبري الدكتورة سهير‏,‏ وكانت ولاتزال قرة عيني ونور قلبي‏,‏ لكنت أصبت بالجنون‏,‏ وكانت كارثة لاتزال لها آثارها الغائرة في قلبي‏..‏ ويحمد جابر مولاه لأنه كان ابنا بارا بوالديه يرعي وصية القرآن الكريم فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ولكنه لا يدري فيما إذا كان كما أراده والده أم لا‏,‏ ما أعرفه أنني ما دخلت مسجدا إلا وأذهب إلي مقامه‏,‏ وأقرأ لهما الفاتحة‏,‏ إلي أن لحقت بهما سهير كريمتي فصرت أقرأ الفاتحة للثلاثة‏,‏ وحتي عندما ذهبت إلي العمرة ولم أستطع تسلم الحجر الأسود بقصد تقبيله‏,‏ وذلك بسبب جحافل المعتمرين من أفريقيا السوداء الذين أحاطوا بالكعبة يمنعون غيرهم من الاقتراب مثلهم‏,‏ فأطاحوا بي أكثر من مرة إلي أن أصابني اليأس‏,‏ فجلست مستندا إلي مقام إبراهيم عليه السلام‏,‏ أتأمل الكعبة والدموع تنسال من عيني‏,‏ ولا أمنع نفسي من الشعور بالحزن لأن العمر لم يطل بأبي وأمي‏,‏ كي أتيح لهما فرصة الحج التي ظلا يحلمان بها دون أن تتحقق‏,‏ فقد ضحيا بأي فائض مالي كي أكمل تعليمي‏,‏ وأكون مثل طه حسين الذي كانا يدعوان الله أن أكون مثله‏,‏ رحمهما الله‏..‏
وقد يكون لصرامة الأم التي كانت أشبه بالوتد كارهة الهشاشة العاطفية والبكاء وإظهار المشاعر الفياضة‏,‏ مؤثرة أن يكون فعلها وسلوكها العملي معبرا عن حبها العميق لكل الذين تراهم الأقرب إلي قلبها من رعايا الأب‏..‏ ربما ذلك ما دفع جابر للارتماء صغيرا في أحضان بدرية الحنون زوجة والده الأولي التي لم يهاوده قلبه علي تطليقها‏,‏ وكان يزورها سرا في بلدتها بدمنهور مصطحبا معه الابن الذي يناديها ماما بدرية‏..‏ فتسعد بهاتين الكلمتين إلي درجة البكاء وتغدق علي جابر الصغير بالحلوي والأحضان كما لو كان ابن رحمها‏..‏ ويوم توفي الأب‏,‏ أنت في خفاء لتأخذ جابر في أحضانها تغمر وجهه بدموعها في صمت‏,‏ وتلح في أن يزورها‏,‏ لكنها لحقت بحبيبها بعد وقت قصير‏,‏ لأنها لم تحتمل الحياة من بعده‏...‏ وكانت هناك لجابر أم ثالثة قبطية اسمها دميانة جارتهم التي ترضعه في غياب والديه‏,‏ وظلت تعامله كابنها إلي أن توفاها الله فبكاها مثلما بكي أمه الحقيقية‏..‏ أما الأم الرابعة فقد التقاها جابر عندما كان معيدا في قسم اللغة العربية وكانت الدكتورة سهير القلماوي المشرفة علي رسالته لنيل درجة الماجستير في الأدب العربي الحديث ونقده‏,‏ وكانت تعامله كما لو كان ابنا لها‏,‏ فرحة بتفوقه‏,‏ سعيدة بنهمه في طلب العلم‏,‏ عارفة بهوسه بطه حسين وكتاباته‏,‏ ومن هنا لم تمانع عندما طلب منها أن يصحبها في إحدي زياراتها إلي طه حسين في رامتان وهي التي بمثابة ابنته الروحية وأقرب الناس إليه‏:‏ دخلنا محراب العميد‏,‏ أستاذتي أولا‏,‏ وأنا وراءها‏,‏ أكاد أرتجف من الرهبة‏..‏ كانت غرفة المكتب المستطيلة تحمل كل جدرانها صفوف الكتب التي ترتفع من الأرض إلي السقف‏,‏ وكان العميد يجلس علي كرسي‏(‏ فوتيه‏)‏ قريبا من المكتب‏,‏ كما لو كان يتأمل‏,‏ وابتسم وجهه عندما سمع صوت تلميذته التي انحنت وقبلت وجنتيه‏,‏ فربت علي ظهرها في حنان أبوي‏,‏ وأفسح لي مكانا‏,‏ بعد أن قالت له‏:‏ معي حفيد لك من تلامذتي‏,‏ يريد أن يلقاك‏,‏ فهو مفتون بكتاباتك التي يحفظ بعضها عن ظهر قلب فابتسم العميد ومد يده صوبي‏,‏ فسلمت عليه‏,‏ وكدت أقبل هاتين اليدين كما أفعل مع أبي‏,‏ ولكني ارتبكت‏,‏ وبادرني بالسؤال عن من أحب من الشعراء فقلت من فوري‏:‏ أباالعلاء‏,‏ فسألني إذا كنت أحفظ له شعرا‏,‏ فأنشدته‏:‏
كذب الظن لا إمام سوي العقل مقيما في صبحه والمساء
ونسيت باقي الأسئلة والأجوبة‏..‏ قال العميد لسهير القلماوي‏:(‏ تلميذك هذا قد يكون له إنجاز في النقد الأدبي وابتسم ابتسامة حانية‏,‏ كأنها ابتسامة جد فرح بولادة حفيد جديد‏..‏ وتلحظ الأستاذة الأم الخجل الزائد علي الحد علي ابنها وتلميذها والمعيد تحت إشرافها فتعالجه علاجا قاسيا بالتدريس للفرقة الرابعة من قسم اللغة الفرنسية ليواجه مشكلته علي الطبيعة حيث هناك ثمانية وتسعون طالبة معهن طالبان فقط‏,‏ وتستشعر الطالبات عقدة خجله فيقمن باستغلال نقطة ضعفه تلك‏,‏ فبينما يقوم بشرح كتاب لرفاعة الطهطاوي يقمن جميعا بتحريك أذرعهن التي ترتدي أساور الشخاليل لتصدر أصواتا تقطع الاندماج وتسقط علي جبينه قطرات العرق‏,‏ فيهرع بعد المحاضرة إلي الدكتورة سهير يشكو لها فتضحك‏,‏ لكنها تقول في لهجة تجمع بين حنو الأم وصرامة الأستاذة‏:‏ لا تخف‏,‏ احتمل‏,‏ وشيئا فشيئا سوف يفارقك الخجل من الطالبات‏.....‏ ومعذرة لقطع سرد ذكريات الدكتور جابر هنا بالذات ليقيني من أن الدرس القلماوي قد أتي بأطيب ثماره فيما بعد فجلسة لجان الثقافة بالمجلس القومي للمرأة وغالبية أعضائها من النساء‏,‏ لا تحلو‏,‏ ولا تتأجج أفكارها النورانية‏,‏ ولا تتقابل مفاهيمها الخلاقة‏,‏ ولا تصاغ قراراتها في الصميم‏,‏ اللهم إلا بوجود الدكتور جابر المشع الذي لا يقاطعه صوت الشخاليل في زمان الزغاليل التي راح زمانها مع الزمن الجميل الذي مضي‏!!‏
المشاء‏..‏ عاشق السير في الزمن البعيد‏,‏ الذي كان يترك نفسه هائما في شوارع القاهرة يرقب المحلات ويدخل المكتبات‏,‏ وتزداد متعة التجوال بهدوء الشوارع ونظافتها ونضارة الوجوه فضلا عن بهجة الأزياء التي كانت تسود‏,‏ ولم يكن يعدل متعة مطالعة واجهات المكتبات سوي مطالعة طرز العمارة في شوارع قصر النيل وطلعت حرب وعماد الدين والألفي وعبدالخالق ثروت وعدلي وغيرها‏..‏ ودارت الأيام دورتها‏,‏ ولم يعد يدرك من وظيفة للشوارع إلا أنها مجرد مسالك تخلو من جمال البشر والحجر والنبات‏..‏ لم يعد في وسط القاهرة العجوز أقبح من العمارة التي تصدم العين فيما يطلق عليها اسم مجمع التحرير الذي يبدو وكأنه إحدي البنايات الصارمة الجهمة التي بناها ستالين في مدينة موسكو رمزا لزمنه الذي لم يعرف معني الحرية أو حق الاختلاف‏!!‏
العصامي الذي شق طريقه وسط الصخور والأمواج العاصفة‏,‏ الذي اكتمل أثاث غرفته كطالب جامعي في القاهرة بسرير حديد ومرتبة وملاءتين وكيسين للمخدتين‏,‏ وبراد ألمونيوم للشاي‏,‏ وحلة متوسطة للطبخ‏,‏ وطاسة مثلها‏,‏ ووابور جاز تحت السرير وحجرة فوق السطوح‏,‏ وسقف لا يحتمل المطر‏,‏ وحمام مشترك‏,‏ وساندويتش فول وطعمية بقرشين‏..‏ ويموت الأب في المستشفي ويطلب الحانوتي للكفن والنقل ثلاثين جنيها‏,‏ ولم يكن في جيب الطالب الجامعي غير قروش معدودات وقف مصعوقا يحصيها فوق الرصيف لينتشله من مأساته أستاذه عبدالعزيز الأهواني الذي تصادف مروره بسيارته‏,‏ فيدفع للحانوتي‏,‏ ويواسي الدموع المنسابة ويقام العزاء في المحلة الكبري‏,‏ ويرفض الأستاذ الكريم استرداد المبلغ‏..‏
حول فتاة أحلامه بحث عصفور طويلا في وجوه الجيران‏,‏ عن شبيهة تماثل بطلات أفلام عبدالحليم في جمال إيمان‏,‏ أو فاتن حمامة أو صباح‏..‏ ونجحت وتفوقت وكنت الأول وأصبحت معيدا في قسم اللغة العربية‏,‏ الذي ترقيت فيه‏,‏ إلي أن أصبحت رئيسه لسنوات عديدة‏,‏ فجلست علي كرسي طه حسين‏,‏ لكني لا أزال إلي اليوم‏,‏ ولتسامحني زوجي‏,‏ ابحث عن وجوه أشبه بوجه مريم فخرالدين الخمسينيات‏,‏ أو لبني عبدالعزيز منذ أكثر من ثلاثين عاما‏,‏ ولا أزال إلي اليوم أبحث عن الحبيبة المثالية‏,‏ التي تخيلتها فحسب‏,‏ وحلمت بها نموذجا للطهارة والبراءة في مطلع الصبا‏,‏ إلي الآن لم أجد هذه الحبيبة التي ظلت ذكري جميلة تزودني بالرغبة‏,‏ والقدرة علي مواصلة الحلم‏..‏
صاحب المذكرات الذي كان يشاهد الأفلام في مقاعد الترسو بالمحلة الكبري‏..‏ ثلاثة أفلام بتذكرة ثمنها تسعة مليمات ومعها قطعة حلوي بمليم ليكتمل القرش‏..‏ أفلام لا تفلت الذاكرة منها فيلم ظهور الإسلام المأخوذ عن رواية الوعد الحق لطه حسين وفيلم زينب عن قصة حسين هيكل الشهيرة‏,‏ والأفلام المأخوذة عن روايات محمد عبدالحليم عبدالله الرومانسية‏,‏ وقبلها رومانسيات عبدالوهاب في ممنوع الحب ويحيا الحب وأم كلثوم في فيلم سلامة‏:‏ وكانت ليلي مراد قيثارة الأفلام عندي لرغبتي في المخالفة علي صوت أم كلثوم‏,‏ وكان ذلك قبل أن أتهوس بعبدالحليم حافظ الذي أصبح الشباب يقلدون تسريحة شعره وطريقة ارتدائه القميص البسيط والبنطال‏,‏ ويطلق جابر عصفور علي ذكريات الشباب الباكر في الخمسينيات عنوان زمن عبدالحليم الذي تعاصر أغانيه وأفلامه جميع مراحل النمو والنضوج من أول الناجح يرفع إيده في فيلم الخطايا مرورا بأغنية شادية في فيلم دليلة‏:‏ كان فيه زمان قلبين الحب تالتهم واتفرقوا الاتنين في عز فرحتهم‏,‏ وتخونوه في الوسادة الخالية‏..‏ ويمضي تاريخ عبدالحليم الفني تاريخا لثورة يوليو منذ انفجارها إلي انكسارها الأليم في يونيو‏67‏ أي من أغنية احنا الشعب اخترناك من قلب الشعب‏..‏ حتي كلمات الأبنودي بعد الهزيمة‏,‏ التي ناح بها عبدالحليم عدي النهار والمغربية جاية تتخفي ورا ضهر الشجر‏..‏ وعشان نتوه في السكة‏,‏ شالت من ليالينا القمر‏..‏
المجرب علي عجل الحب الرومانسي‏,‏ والجنس‏,‏ وحلقة الذكر‏,‏ وشرب البوظة‏,‏ وكتابة القصة القصيرة التي نشرها في جريدة الحياة‏,‏ وأيضا مقتطفات ساخرة تحت عناون سمادير‏,‏ وفي جريدة البيان الإماراتية حوارات علي غرار ما نشره طه حسين في حديث الأربعاء وحاول كتابة الشعر ثم توقف لإدراكه أنه سيكون شاعرا من الدرجة الثانية أو الثالثة‏,‏ فاختار النقد لأنه كان مستشعرا البروز فيه وهو ما حدث‏..‏ وتحركه أيام طه حسين فيعيد قراءتها بلا ملل‏,‏ في نفس الوقت الذي ينفر فيه من سارة العقاد التي لم يستطع إكمالها‏,‏ ولا التعاطف مع بطلها همام الذي خانته حبيبته‏,‏ ويري أنها كانت علي حق‏,‏ فمن تلك التي تحتمل ثقل ظل هذا الحبيب الذي لا يكف عن فلسفة الأشياء‏,‏ ويكتب عن حبه بطريقة جافة‏,‏ لا نضارة فيها‏,‏ إلي أن ينتهي الحب‏,‏ وتتركه الحبيبة إلي غيره‏,‏ متجاهلة مكان هذا الحبيب وتصوره عن نفسه‏:‏ وقد أجبرتني كثرة الكتابة عن‏(‏ سارة‏)‏ الرواية علي قراءتها حتي النهاية فقلت لنفسي‏:‏ خيرا فعل العقاد عندما لم يكتب غير هذه الرواية‏..‏ وبقدر ما كرهت سارة أحببت‏(‏ عودة الروح‏)‏ و‏(‏يوميات نائب في الأرياف‏)‏ و‏(‏عصفور من الشرق‏)‏ فقد كان أسلوب الحكيم سلسا بسيطا‏,‏ ودرجة الحوار عالية‏..‏
ويفوز الدكتور جابر عصفور في مايو الماضي بجائزة القذافي العالمية للآداب ليحق عليه قول الجاحظ بأن العلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك‏..‏ ويمضي الركب الثقافي الرفيع بالمثقف الرفيع لنسمع فاصلا من آرائه النقدية التي يقول فيها‏:‏
‏-‏ الآن يالعجائب الزمان لم يعد لدينا عيد للعلم نحتفي فيه برموز العلم والفكر والإبداع سنويا‏,‏ وأصبحت جوائز الدولة توزع قيمتها المادية في السر‏,‏ ونسيت الأمة معني وضرورة الاحتفاء بالعلم والثقافة والإبداع‏,‏ وحتي الأدب اهتزت معاييره وأصبحت الأولوية للأكثر مبيعا لا الأكثر قيمة‏,‏ وسكت النقاد يؤثرون السلامة والحفاظ علي مصالحهم الضيقة‏,‏ وتآكلت شعارات ثورة‏19‏ وأهمها الدين لله والوطن للجميع‏..‏
‏-‏ المرأة في بلدي عورة ناقصة عقل ودين وهي لا ترث في الصعيد وهذا يعني أن القضية لا علاقة لها بالدين وإنما هي عرف اجتماعي يغلب في أحيان كثيرة علي النص الديني‏.‏
‏-‏ رحم الله الشيخ الشعراوي الناطق بالحق فما أكثر أسباب تخلفنا ومنها الجدال في مزايا شكلية الأزياء‏,‏ وقد جاء في قصيدة له استقبل بها طه حسين في مكة المكرمة في يناير عام‏1955‏ في حضور الملك فهد رحمه الله عندما كان وزيرا للمعارف حيث تكررت الاحتفالات بعميد الأدب العربي الذي كان يعامل معاملة الملوك‏,‏ في زمن كان يعرف قيمة الأدباء الكبار‏,‏ ويضعهم في قمة التقدير‏..‏ يقول الشعراوي‏:‏
هو طه في خير كل قديموجديد علي نبوغ سواء
يا فريد الأسلوب قد صفته من نغم ساحر شجي الغناء
كلمات كأنهن الغوانييترفرفن في شفيف الكساء
يا عميد البيان لا تحرم للأزهرعونا بصائب الآراء
يلتقي فيه محدث وقديمفي جلاليهما أعز التقاء
كم سقيتم من نبعه فاذكروهذلك بر الأبناء بالآباء
واصرفوا الناس عن مثار جدالفي مزايا شكلية الأزياء
ويتحاور جابر عصفور مع ابنه أحمد بمناسبة الاحتفالات التي غمرت الدنيا فجأة بمرور خمسين عاما علي ثورة يوليو‏,‏ ويشرق الحوار ويغرب حول تاريخ هذه الثورة التي لا يذكر الابن عنها الكثير‏,‏ فقد ولد في زمن السادات‏,‏ ويلحظ ما تصوره تناقضا في أقوال الأب فهو يمتدح إنجازاتها بحماسة غامرة كما لو كان مهووسا بها‏,‏ وينقد سلبياتها بما يجعله يبدو عدوا لها‏,‏ ولا يملك الابن سوي أن يسأل أبيه‏:‏ ألا تري يا أبي أن في كلامك عن ثورة يوليو نوعا من التضاد العاطفي؟‏!!‏ فأنت تحبها وتكرهها في الوقت نفسه‏!!..‏
هنا تطل من جديد رأس الازدواجية‏,‏ وقضية عدم فض الاشتباك‏,‏ ومسألة أكرهه وأحبه‏,‏ ونقطة البين بين‏,‏ وتحلف لي أصدقك أشوف أمورك أستعجب في حياة الناقد الكبير الذي لن يصفح علي ما فعلته محكمة الثورة بزعماء وطنيين من أمثال محمد حسين هيكل وأقرانه‏,‏ أو مصطفي النحاس وريث سعد زغلول الذي رفض أن يقسم الملك فاروق الشاب يمين تسلمه الملك إلا في البرلمان لا في الأزهر‏,‏ لأن مصر دولة مدنية يحكمها دستور مدني‏...‏ لكنه إذاما كان ينتقد الثورة فذلك إيمانا بها وإدراكا بأن كثيرا من شعاراتها لايزال صالحا وقادرا علي تطوير حياتنا بشرط تعرية السلبيات التي أدت إلي الهزيمة البشعة لعام‏67‏ ولاتزال تؤدي إلي المزيد من الهزائم‏...‏
ويترك الأب الساهم الشارد الابن في طريقه إلي الخارج وكان الود وده أن يقول له‏..‏ يا ولدي‏..‏
إن أجمل البحار لم نره بعد
وإن أجمل ما أود أن أقوله لك
لم أقله بعد‏!!‏
[email protected]
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.