من المؤكد أن البعض منا قد سأل نفسه عن مدي صحة ما يثار عن تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية, وما نراه الآن علي شاشات التليفزيون من تساقط الثلوج علي القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية. وتراكمها علي طرقات هذه البلاد بأعماق تصل الي عشرات السنتيمترات واعتراضها للسيارات والمركبات والقطارات في موجة يقال إنها ستمتد الي أسبوعين أو ما يزيد علي ذلك. ومن المؤكد أيضا أن المناهضين لفكرة التسخين الحراري وظاهرة غازات الصوبة الزجاجية وانبعاثاتها التي قيل انها تؤدي الي ارتفاع درجة حرارة الأرض سيجدون الفرصة المواتية لإثبات ما يقولون من أن القضية هي فقط اختلاف طبيعي في المناخ يحدث منذ الأزل ولا علاقة له بزيادة أو انخفاض ما تحرقه البشرية من الوقود الاحفوري الذي يتمثل بشكل أساسي في زيت البترول والفحم. ومن المؤكد ثالثا أن العديد من متخذي القرار ممن يعرضون عن تفهم الموضوع ويأبون إلا أن يكونوا في جانب المتفرج علي ما يحدث والمنتظر لوقوع الكارثة وساعتها تكون لكل حادث حديث, ولكل فعل رد فعل, سيحمد هؤلاء الله علي أن ألهمهم الصواب وجنبهم التفكير والانفاق في مجالات هم يظنون أن الانفاق عليها ضرب من ضروب الاسراف والسفه ومجاراة قصص وحواديت الخيال العلمي الضارب في الأوهام. وأظن أنه من الواجب علينا تفهم أراء كل هؤلاء حتي لو اختلفنا معهم خصوصا وأن فيهم علماء أجلاء وساسة من العظماء ومفكرين لا يستطيع ولا يقوي أحد علي الاستهانة بنتاج عقولهم ولا الاستخفاف بآرائهم ومقترحاتهم. لكن مثل هذه الأمور التي قد تمس حياة الصغير قبل الكبير منا, تحتاج أيضا الي التروي في الحكم عليها وموالاة النقاش والحوار حولها والاستفادة بآراء الآخرين من قومنا ومن غير أقوامنا, ودراسة الظواهر التي تعتري عوالمنا ومراجعة الأدبيات التي تثبت حقيقة الأمور والأدبيات الأخري التي قد تؤكد عكس هذه الحقيقة. من هذا المنطلق سأحاول أن أشرح الموضوع الذي يعرف الجميع أنه بدأ فقط منذ بداية الثورة الصناعية في منتصف القرن الماضي, وهي النقطة التي بدأت فيها البشرية في الاستخدام المتسارع والمتنامي للطاقة والتي كانت محصورة لبعض الوقت في الدول الصناعية الكبري في أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان, وفي مرحلة لاحقة دخلت الهند والصين بقوة لكي ينقسم العالم الي ثلاثة أقسام من حيث استخدام هذه الطاقة تقف أمريكا الشمالية علي رأسها بإحراق30% من وقود العالم, تليها أوروبا بواقع20% ثم الصين والهند معا30% وترك هؤلاء النسبة المتبقية(20%) لكل دول وبلدان العالم. لاحظت معظم دول العالم أن زيادة إحراق الوقود الاحفوري يزيد من نسبة تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون بشكل أساسي ورئيسي, وبعض غازات الصوبة الزجاجية الأخري مثل الميثان وأكاسيد النيتروجين والفلوكلور وكاربونات في الغلاف الجوي الكوني مع اختلاف هذه الزيادة بطبيعة الحال باختلاف المكان طبقا لكثافة الانبعاثات المحلية في هذا المكان. تلاحظ أيضا أن زيادة نسبة تركيز غازات الصوبة الزجاجية يتبعه ارتفاع في درجة حرارة الكرة الأرضية, وهنا كان أحد نقاط الخلاف الرئيسية علي كيفية حساب هذا الارتفاع, هل هو زيادة في درجة الحرارة العظمي أم الصغري أم في متوسط درجات الحرارة؟ وهل الزيادة تكون صيفا مما يزيد الاحترار العالمي أم تكون شتاء فيعم الناس الدفء والاحساس باعتدال المناخ, ولعله من المفيد أن نتجاوز هذا الجدل للانتقال الي ما هو أهم, وهو أن ارتفاع درجة الحراري يؤدي الي ذوبان الثلوج عند قطبي الكرة الأرضية وقد ثبت ذلك بالدليل القاطع والقياس كما أن ذوبان الثلوج يؤدي الي ارتفاع مناسيب المياه في البحار والمحيطات, وقد ثبت ذلك أيضا بالدليل القاطع والرصد المستمر لهذه المناسيب عن طريق الأقمار الصناعية والقياسات الأرضية علي حد سواء. كذلك ربط العالم بين ارتفاع درجة الحرارة وتغير العديد من الظروف المناخية, التي تشمل سرعة واتجاه الرياح, وزيادة وانخفاض الرطوبة النسبية وتكون السحب وكثافتها وتغير وتحول أحزمة المطر بحيث ضرب الجفاف الكثير من المناطق بينما أصابت الفيضانات والسيول البعض الآخر منها. من أهم ما لاحظه العالم كنتيجة لتغير المناخ زيادة عدد مرات وتكرار الظواهر والأحداث المتطرفة, مثل العواصف والأعاصير والارتفاع والانخفاض غير المتوقع في درجات الحرارة ومعدلات الأمطار التي تزيد عن الحدود المألوفة والنقص فيها الي حد القحط والشح والجفاف. أذكر القاريء هنا بموجة الحرارة التي ضربت القارة الأوروبية مرتين خلال السنوات الخمس الماضية والتي وصلت فيها درجة حرارة بعض البلاد الي ما يزيد علي42 درجة مئوية وهو أمر لم يحدث خلال عشرات الأعوام, إن لم يكن قد حدث من قبل علي الإطلاق. كذلك أذكر بهذا الاعصار المدمر الذي ضرب السواحل العمانية منذ سنوات والذي لم تشهد له البلاد مثيلا من قبل وكيف شاهدنا علي الشاشات تحول سيارات الدفع الرباعي الضخمة الي ما يشبه علب الكبريت علي سطح الماء. أيضا أذكر بانهمار الثلج علي شكل كرات علي أراض البادية الأردنية في مشهد نفقت من جرائه قطعان الغنم والماعز التي لم تألف مثل هذه الظواهر من قبل. وفي العام الماضي هطلت أمطار غزيرة علي مدينة جدة السعودية بلغت شدتها90 مم كاملة خلال ليلة واحدة علي الرغم من أن معدل الهطول المطري السنوي علي هذه المدينة لا يزيد علي25 مم. كذلك هطلت علي بعض مناطق الجنوب الانجليزي300 مم خلال24 ساعة تعادل20% من متوسط الأمطار السنوي علي البلاد وستسجل المراصد أن الموجة الحالية لتساقط الثلوج علي القارتين الأوروبية والأمريكية هي إحدي تلك الأحداث المتطرفة التي يسببها تغير المناخ والتي دعت العالم للوقوف منذ أسابيع في مدينة كوبنهاجن الدانماركية لكي يضع الدول الصناعية بصفتها المسئول الأول عن إحراق الوقود الاحفوري والمتسبب الأول في ظاهرة تغير المناخ أمام مسئولياتهم مطالبين بأن يخفض العالم من استهلاكه للطاقة طوعا قبل أن يفوت الأوان وينخفض الاستهلاك كرها بعد أن يكون الدمار قد حدث والداء قد استفحل والدواء لا جدوي من ورائه ولا نفع من استخدامه ولا طائل وراء الندم علي ما فات ولا بكاء علي لبن قد انسكب وانتهي أمره, والله المستعان علي كل حال.