أثار استطلاع الرأي حول بناء المآذن في سويسرا, العديد من وجهات النظر حول جدوي حوار الأديان والحضارات, وأنه لم يعد له جدواه في حياتنا المعاصرة مادام الغرب يصعد العداء المرة تلو الأخري, مرة الحجاب, ومرة بناء المآذن, والبقية تأتي..؟ وفي ظننا أن الأمر لابد أن ينظر إليه نظرة شمولية من جميع الزوايا, ولا يختزل أمر الحوار مع الآخر في طرح مبتسر يقفز الي النتائج مباشرة, دون دليل أو برهان, فقد لاحظنا في الفترة الأخيرة, فريقا من الكتاب يدعو الي إغلاق باب الحوار الذي بدأ منذ ثلاثة عقود, لأنه لا فائدة من ورائه, سوي إضاعة الوقت والكلام, بينما يري فريق آخر أن الانتصار للحوار, للغة العقل والمنطق والموضوعية, ولا سبيل أمامنا سوي هذا الطريق. لعلي لا أجانب الصواب, اذا قلت إن الغرب قلق الآن من نمو واطراد الظاهرة الإسلامية, وازدياد عدد المسلمين هناك, فبعض استطلاعات الرأي تذهب الي أن عدد المسلمين في أوروبا سيبلغ ما يقرب من أربعين مليونا عام2025, وأن نسبتهم تقترب من8%, وأنهم سيشكلون تأثيرا في المجتمع الأوروبي, ولنبادر بتحليل هاجس الخوف الذي أصبح يكتنف الإنسان الغربي. إن الناس أعداء ما جهلوا, ومن ثم فإن الإنسان الغربي نتاج ثقافته المغلوطة عن الإسلام والمسلمين, فأصبح ينظر الي المسلم علي أنه يمثل الإرهاب أو سفك الدماء وغيره من مفاهيم خاطئة, قد أثر هذا تأثيرا مباشرا علي بعض النخب في المجتمع الغربي, مثل اليمين المتطرف في سويسرا, من جانب آخر, هناك بعض العقلاء من المنصفين للأقليات في مجتمعاتهم الغربية, ولكن للأسف لم نعظم آراءهم, ولم نستثمر خطابهم الاستثمار الأمثل, مثل خطاب ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز, فمحاضرته التي ألقاها بمصر في عام2006, والذي يؤكد فيها الدور الإيجابي للمسلمين في الغرب, بقوله:( نحن في بريطانيا نرحب بأتباع الديانات الأخري ونسعي لتمكينهم من المحافظة علي هوياتهم وتكيفهم في الوقت ذاته مع الحضارة البريطانية, ويوجد الآن أكثر من مليون ونصف المليون مسلم يثرون المجتمع البريطاني ويغنونه بطرق عديدة, كما أني علي يقين بأن الأقليات المسيحية هي أيضا تثري مجتمعاتها الإسلامية), وكلام الرجل لا يحتاج الي تعليق, في غاية العمق والأصالة معا, في اعترافه بدور الأقليات الإسلامية في الغرب, شهادة منصفة ينبغي أن نتوقف عندها, وكذلك انصافه لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي, تدل علي موقفه المتوازن, ونحن نضيف من جانبنا بأنهم( أي الأقليات في المجتمع الإسلامي) جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع, وبالفعل هذه حقيقة الواقع والتاريخ, وعلي سبيل المثال, مصرنا العزيزة بما تمثل من تراث حضاري للتلاحم والذوبان بين المسلمين والمسيحيين. إذن هذه حقيقة أولي تؤكد ضرورة الحوار مع الآخر, ولعل ما ذهب إليه الأمير تشارلز ومن علي شاكلته من العقلاء الغربيين مثل أسبوسيتو الأمريكي وغيره من المفكرين المنصفين لحضارتنا الإسلامية, خير دليل علي صحة ما ندعي. ولا يقتصر الأمر علي النخبة العاقلة التي تري ضرورة الحوار بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية, بل يتعدي الأمر الي تبديد هاجس الخوف كما أشرت في بداية الطرح, ومن هنا يتعين علي المؤسسات الرسمية, وكل مؤسسات المجتمع المدني في الاضطلاع بعبء الدعوة والتعريف بسماحة الإسلام واعتداله ووسطيته, بأسلوب شيق يلبي منطق وعقل الإنسان الغربي المعاصر, خاصة في ضوء ثورة المعلوماتية والاتصال في حياتنا المعاصرة فهل نحن علي مستوي الحدث والمسئولية؟ هل قمنا بمسئوليتنا التاريخية أمام الله في إظهار الوجه المشرق لسماحة الإسلام, وبكل اللغات الحية حتي يكون الغرب علي بينة من حقيقة ديننا, وحتي نستطيع أن نميط اللثام حول المعني الجميل لسماحة الإسلام, وحتي يطمئن الإنسان الغربي, أن الأقليات المسلمة في المجتمع الغربي هي نسيج متناغم في الحضارة الغربية, وأنهم يؤدون دورا مهما في الرقي بالحضارة لخدمة بني الإنسان في أي زمان ومكان من منطلق الأخوة الإنسانية التي أعلي من شأنها الإسلام من منطلق قول الحق سبحانه وتعالي: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا( سورة النساء: آية1) كما أننا لابد أن نبذل الجهد من أجل تصحيح المناهج التعليمية في أوروبا نظرا لوجود العديد من الأخطاء حول التاريخ الحضاري الإسلامي وغيره من موضوعات تؤثر تأثيرا مباشرا علي نفسية الإنسان الغربي. إن الحوار الحضاري في هذا الوقت ضرورة, أكثر من أي وقت مضي, ولابد أن نتعامل مع الغرب خاصة في قضية بناء المآذن بالأسلوب القانوني, بتعبئة النخبة الواعية في الغرب نحو الدفاع عن قضايا الأقليات, كما ينبغي علي تلك الأقليات المسلمة في أوروبا أن تتحلي بالسلوك الحضاري للإسلام وأن تكون قدوة في حياتها اليومية في المجتمع الأوروبي وأن ينأوا بعيدا عن كل الخلافات وأن يجتمعوا حول راية التوحيد( وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون), وأن يتحاوروا بلغة المنطق والعقل والموضوعية, وأن يتجنبوا كل أساليب الانفعال أو الإثارة, فهذا هو الطريق الوحيد للوصول الي الهدف المنشود, حتي وان طال الوقت فملاذنا هو الحوار مع الاعتصام بحبل الله.