اعتاد المتحدثون والمعنيون بالتعليم العالي بمصر علي تداول مصطلح استقلال الجامعات, ولست أدري حتي يومنا هذا وأنا أمارس عملي بالجامعات المصرية المختلفة منذ ثلاثين عاما. هل هناك مفهوم صحيح متفق عليه لهذا الاستقلال؟ وماهو مدلوله الحقيقي وماهي كيفية ممارسة هذا الاستقلال؟ هل هو استقلال الجامعات عن وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلي للجامعات؟ أم هو استقلال الجامعات عن بعضها بعضا؟ أم استقلالها عن مؤسسات الدولة والمجتمع المدني؟ أم استقلالها عن السلبيات والتدخلات والتوجهات الخارجية؟ وهل هناك جامعات مستقلة وجامعات غير مستقلة؟ وكيف تستقل الجامعات وهي تعمل بأهداف استراتيجية موحدة, وسياسات علمية وبحثية وتعليمية متوافقة,وأنظمة متكاملة والتي تنبثق جميعها من المجلس الأعلي للجامعات بقطاعاته وآلياته المختلفة والمنوط بوضع ومتابعة وتطوير السياسات العامة للتعليم العالي والبحث العلمي بمصر. فلا ينبغي أن يكون استقلال الجامعة هو انغلاقها علي لوائحها الداخلية ومصالحها الذاتية, وانعزالها عن الجامعات الأخري, ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني. ولاينبغي أن تستقل الجامعة عن القرارات السيادية للمجلس الأعلي للجامعات والخطط الاستراتيجية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.. وينبغي أن تستقل الجامعة بقراراتها العلمية والتعليمية والبحثية المستنيرة بحياد تام وإرادة واعية ودون أي توجهات أو تدخلات من خارجها. ويتحقق المفهوم الصحيح لاستقلال الجامعات بشكل شامل بالتوافق بين سيادة ونزاهة قراراتها, وتحقيق مصالحها, وتنمية مواردها الذاتية, وتطوير وتحديث كيانها علي جميع المستويات, وبين تحقيق التناسق والتكامل مع الجامعات الأخري, والتفاعل البناء مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني, وتوافق مصالحها مع المصلحة العامة للمواطنين والمصالح القومية العليا للوطن. وإنني أنادي بإعادة النظر في مفهوم مصطلح استقلال الجامعات وترسيخ وترشيد ذلك المفهوم, كما أطالب ملحا بالتكامل والتناسق والترابط والتوافق بين جميع الجامعات المصرية الحكومية والخاصة, وما أحوجنا للتكامل والتناسق والترابط والتوافق في هذه الأيام. د. بلال محمد علي ماهر جامعة المنوفية
