ما كل هذا العداء, وهذه الكراهية لمصر وأهلها, ويتمثل أو تتجسد هذه الكراهية في صور متعددة, منها اندفاع هؤلاء الكارهين لتخريب كل نهر للخير يبدأ في التدفق بكل قواهم, ولا يتورعون عن استخدام أوصاف وكلمات مدببة مثل الفساد والسرقة, ونهب مصر. وفي كل الأحوال ينصبون سرك الهجوم علي الحكومة, وأهل الحكم, ويواكب ذلك إطلاق حملات جديدة من التشهير بالاغنياء مصاصي دماء الوطن والناس. وينتقل المهاجمون خطوة أخري علي الطريق, حيث يركزون علي الارتفاع الجنوني للاسعار وتفاقم مشكلة البطالة مع الإشارة إلي مشكلات الإسكان والعنوسة وتعاظم الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون, وكي لا ينسي الناس القضية الجديدة لا يتوقفون عن الصياح والصراخ صباحا ومساء. ونتوقف أمام واحدة من هذه القضايا, وهي تلك المرتبطة بتعمير مساحات من صحاري مصر. ومن المعروف أن مساحة مصر تتجاوز مليون كيلو متر مربع, وقد ظل أهل المحروسة يعيشون فوق3% من هذه المساحة, وتركوا هذا الامتداد الشاسع من الأراضي الصحراوية مهجورا, ولنقل إنه ظل سكنا ومرتعا للثعابين والعقارب وغيرها. ولم يتوقف الناس عن التزاوج والإنجاب, وخلال أقل من نصف قرن قفز عدد السكان من20 إلي80 مليونا, وضاق الوادي المسكون بأهله, وعاني الناس من الزحام والاختناق. وبجسارة وبصيرة واستشراف للمستقبل, بدأ الرئيس السادات خطة لاقتحام هذه الصحراء, وقرر إنشاء عدد من المدن الجديدة والمناطق الصناعية, منها10 رمضان,6 أكتوبر,15 مايو, والسادات, والعبور, هذا الاتجاه الجديد صاحبه تشجيع المستثمرين وشركات القطاع الخاص علي اقتحام هذا المجال, اقتناعا بأن موارد الدولة وامكانياتها وقدراتها لا تسمح لها بحمل مثل هذه المسئولية, وهذا العبء وحدها, وامتد العمران بصورة جدية إلي الصحراء وولدت المدن والمناطق الصناعية. وبفضل هذه الجهود, تحولت مساحات من الصحراء الجرداء الموحشة والسواحل المهجورة إلي واحات وجنات متلألئة الأضواء, والأهم أنها وفرت للدولة موارد مالية هائلة, كما فتحت الأبواب أمام عشرات الآلاف من الباحثين عن عمل. واستوعبت المدن الجديدة الملايين من أهل مصر, وضاعفت من حجم المساحة التي يقيم عليها الناس, ووفقا للأرقام, ارتفعت النسبة من3% إلي7,4% من مساحة مصر خلال نحو3 عقود. هذا الانجاز الضخم, يعد متغيرا رئيسيا في الحياة المصرية, ونقلة هائلة في أسلوب التفكير والعمل, وتطلب الأمر إنفاق آلاف المليارات من الجنيهات, وإنشاء شبكات هائلة من الطرق والكهرباء والمياه, والصرف الصحي والمواصلات, وبدون هذا الانفاق الضخم لإنشاء هذه المرافق, وتوفير احتياجات الناس والمشروعات المختلفة, ما كان ممكنا تحقيق هذا الهدف. ولا يمكن لعاقل أن ينكر علي المستثمر حقه في جني الأرباح, فالمغامرة والإنفاق الضخم يسمحان بالتطلع إلي حجم معقول من الأرباح, وعلينا ألا ننسي أن العائد هنا لا يتحقق إلا بعد سنوات قد تطول, كما أن المشروع خاصة إذا كان سياحيا معرض للخسارة. وإذا كانت الدولة توفر للمستثمر أو للمطور العقاري مساحات من الصحراء لتحويلها الي جنة من العمار واللون الأخضر والأضواء, فلماذا الصراخ والتشنج وتطاير الاتهامات بالنهب والرشوة والفساد وبيع مصر والتضحية بمصالح الغلابة؟ وكأن الاحتفاظ بالأرض صحراء كما هي هو الذي سيحمي مصالح الغلابة ويحد من الفساد ويوقف عمليات النهب. هل تريدونها جرداء لكي تسعدوا؟ وليس هناك عاقل واحد قادر علي أن يكره مصر وصالحها مثلما تكرهونها. إن هناك دولا تمنح الأراضي للمستثمرين مجانا لكي ينشئوا المشروعات, بل هناك من الدول من يمنح من الحوافز أكثر مما تمنحه مصر, فلماذا كل هذه الجلبة؟ وإذا كان هناك مخالفات في تطبيق القانون, فليتدخل القضاء ليقول كلمته, ولكن بعيدا عن كل هذا الضجيج المخزي. ندرك أن العداء للأثرياء والثراء قد استولي علي هذا الفريق, ولكن هذا العداء الذي سمم عقولهم, تحول الي كراهية لكل ما هو خير لمصر, لأن الثراء هو الذي يبني الدول وينهض بالمجتمعات, ولم يحدث أبدا أن بني الفقر دولة أو حقق بها تقدما. لقد عاش هؤلاء وتربوا في عصر قام علي إطلاق حملات الكراهية والعداء للأغنياء ومازال هذا العصر يسكنهم ويسيطر علي سلوكهم وأساليب تفكيرهم. وهذا الفريق المريض بالكراهية والعداء لمصر, أطلق مؤخرا حملة مشبوهة ضد مشروع لتعمير8 آلاف فدان صحراوية بالقرب من القاهرة وتحويلها الي مدينة عصرية بكل المنشآت التي تجعلها منطقة متكاملة, وبدأت الجلبة بإثارة الشبهات حول العقد والتعاقد, واتهموا الجميع بالفساد, وعادوا ليكرروا نفس الاتهامات وإن بقسوة أشد والأمر ببساطة أن الشركة أو المطور العقاري وهي مسئولية جديدة بمصر, وبعد أن نفذوا عددا من المشروعات السياحية والمدن العصرية, حصلت علي هذه المساحة الجديدة من الصحراء الجرداء, وكل ما وفرته الدولة مصدر ماء عند رأس الأرض, وعلي امتداد السنوات الماضية أنفقت الشركة أكثر من100 مليار جنيه مصري لمد المرافق وإنشاء شبكة من الطرق والبناء والتعمير, وأخيرا نجحت في تحويل الصحراء الجرداء إلي مدينة استعانت بثلاث شركات أمريكية متخصصة في تخطيطها, كما استفادت من خبراتها المتراكمة في هذا المجال. والآن, وأمام هذه الحملة من الكراهية والعداء لكل ما هو مصري وجميل, هل نهدم المدينة, ونعيد المنطقة جرداء كما كانت؟ هل نتركها للثعابين والعقارب التي هجرتها؟ وبصورة أخري هل كان من الأفضل تركها جرداء؟ وربما فاتهم أن يتبينوا أن قطعة من الصحراء قد تحولت إلي منطقة معمورة, وأن المشروع وفر الآلاف من فرص العمل لأهل مصر, وأسهم الدخل الذي تحقق لهؤلاء العمال والموظفين في تحريك السوق ودوران عجلة الانتاج, كما حققت الشركة قدرا من الأرباح سددت عنه الضرائب المستحقة للدولة, كما وفر المشروع عدة آلاف من الشقق للباحثين عن سكن. وفي ظل هذه المكاسب, أين هي السرقة ونهب الموارد؟ وأين هو الفساد؟ ومرة أخري إذا كان هناك مخالفة للقانون, فلتأخذ العدالة مجراها, ولكن السؤال, هو لماذا كل هذا العداء لمصر والمصريين؟ ولماذا يكرهون ما يجري من تحويل الصحراء إلي واحات مزدهرة متلألئة الأضواء؟!! المزيد من مقالات عبده مباشر