محافظ البحيرة: لمسنا شكاوى المواطنين من بعض الطرق.. «دعواتكم بالتوفيق»    موعد وخطوات حجز شقق الإسكان الاجتماعى 2024    أول يوم عمل.. نائب محافظ سوهاج الجديد يبدأ مباشرة مهام عمله (صور)    خطوات اضافة المواليد في بطاقة التموين 2024    عضو سابق بمجلس الحرب: نتنياهو سيعرقل اتفاق غزة    قصف إسرائيلي متواصل على حي الشجاعية شرق غزة    أردوغان يحذر خلال لقاء مع نظيره الصيني من امتداد الصراع بالمنطقة    تعرف على تفاصيل انتهاء أزمة خالد بو طيب مع الزمالك    بيان عاجل بشان حالة الطقس غدا والأرصاد تكشف موعد انكسار الموجة الحارة (تفاصيل)    حملات تموينية مكثفة على المخابز في الوادي الجديد    تنسيق مدارس التكنولوجيا التطبيقية 2024 بعد الإعدادية.. طريقة التقديم عبر الموقع الرسمي    "جهار": مشروع "مؤشر مصر الصحي" يستهدف قياس أثر تطبيق معايير الجودة على الخدمات    وزير السياحة والآثار: الاستفادة من كافة الكفاءات والخبرات الموجودة بالوزارة    خالد محمود يكتب : دموع رونالدو .. فيلم بلا نهاية    اتخاذ الإجراءات القانونية ضد أب ترك أطفاله يخرجون من نوافذ السيارة حال سيرها بالمنصورة    الرئيس السيسي ينيب محافظ القاهرة لحضور احتفال العام الهجري الجديد    الخشت: أسامة الأزهري سيكون خير سفير للإسلام السمح    أسامة ربيع يناقش سياسات إبحار السفن الكورية عبر قناة السويس    تداول 7 الاف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    أمريكا تخصص حزمة مساعدات عسكرية جديدة لدعم أوكرانيا ب 150 مليون دولار    تعرف على إيرادات فيلم جوازة توكسيك لليلى علوى في أول أيامه بالسينما    تامر حسني يُفاجئ جمهوره بأغنيته الجديدة «جامدين جامدين» (تفاصيل)    صاحب فكرة "بيت السعد": أحمد وعمرو سعد يمتلكان موهبة جبارة وهما الأنسب    ورش رسم وأداء حركي ومسرحي للموهوبين في ثاني أيام مصر جميلة بدمياط    وزارة الأوقاف تحتفل بالعام الهجري الجديد 1446ه بالسيدة زينب مساء السبت    اعتقال 6 أشخاص على خلفية حادث التدافع بولاية أوتار براديش الهندية    وزير الصحة يستأنف جولاته الميدانية بزيارة محافظة الإسكندرية    مانشستر يونايتد يمدد تعاقد تين هاج    تقرير مغربي: اتفاق شبه نهائي.. يحيى عطية الله سينتقل إلى الأهلي    السيسي يشيد بدور الهيئات القضائية في حماية حقوق المواطنين وصون مصالح الوطن    وزير الأوقاف يتلقى اتصالا هاتفيا من وزير الشئون الإسلامية بدولة إندونيسيا    بالصور.. تامر عاشور يحيي أقوى حفلات التجمع الخامس    محافظ قنا يبدأ عمله برصد حالات تعدٍ على الأراضي الزراعية    وزير التعليم يتفقد ديوان الوزارة ويعقد سلسلة اجتماعات    محافظ القليوبية يعتمد خطة صيانة جميع مدارس    «السبكي» يشارك في احتفالية الهيئة العامة للتأمين الصحي لمرور 60 عامًا على إنشائها    مستشفى الصدر بالزقازيق بين الماضي والحاضر |صور    أشرف زكي يكشف حقيقة تدهور الحالة الصحية لتوفيق عبدالحميد    متى موعد إجازة رأس السنة الهجرية 2024 للموظفين بالقطاعين العام والخاص ؟    تأكيدًا ل المصري اليوم.. الزمالك يعلن رسميًا انتهاء أزمة خالد بوطيب    نظام أمان مبتكر لمواجهة انزلاق السيارة على الماء    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    بدء الصمت الانتخابي اليوم تمهيدا لجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية    تحرير 35 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    أستاذ جراحة تجميل: التعرض لأشعة الشمس 10 دقائق يوميا يقوي عظام الأطفال    سويلم يتابع ترتيبات عقد «أسبوع القاهرة السابع للمياه»    مباحث العمرانية تضبط عاطلين بحوزتهما 5 كيلو حشيش    البيت الأبيض: هدف باريس وواشنطن حل الصراع عبر الخط الفاصل بين لبنان وإسرائيل دبلوماسيًا    "رغم سنه الكبير".. مخطط أحمال بيراميدز يكشف ما يفعله عبدالله السعيد في التدريب    العكلوك: الاحتلال يستهدف التوسع الاستيطاني وتقويض صلاحيات الحكومة الفلسطينية    بعد فاركو.. موعد مباراة الزمالك المقبلة في الدوري المصري    موعد إجازة رأس السنة الهجرية واستطلاع هلال شهر المحرم    انهيار عقار مكون من 5 طوابق بالمنوفية، والعناية الإلهية تنقذ السكان من الموت    حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا    دعاء استفتاح الصلاة.. «الإفتاء» توضح الحكم والصيغة    أول ظهور لحمادة هلال بعد أزمته الصحية    قصواء الخلالي: الحكومة الجديدة تضم خبرات دولية ونريد وزراء أصحاب فكر    أول رد سمي من موردن سبوت بشأن انتقال «نجويم» ل الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإدارة الاقتصادية بين الكم والكيف

كثيرا ما يقال إن الفارق بين الدول أو المؤسسات الناجحة وتلك الفاشلة هو عنصر الإدارة‏.‏ فالإدارة السليمة تحقق النجاح والتقدم والرقي ويحدث العكس تماما في حالة الإدارة الفاشلة‏.‏ فالإدارة هي سر النجاح والفشل‏.‏ ويصدق ذلك علي الإدارة الاقتصادية للمشروعات أو الثقافية للمدارس والجامعات وغيرها من الميادين‏.‏ فما هي هذه الإدارة؟ وهل هي علم يدرس في الجامعات ويتوقف علي الدراسة الأكاديمية المنهجية‏,‏ أم هي أقرب إلي الفن تعتمد علي التجربة والخبرة والممارسة‏,‏ إن لم يكن علي الاستعداد الشخصي؟ هذه كلها أسئلة مهمة تستحق المناقشة‏.‏
ولا أدعي تخصصا علميا أو معرفة كافية بقضاياالإدارة بشكل عام‏,‏ وإن كنت أقرب إلي معرفة ما يدور في المجال الاقتصادي وخاصة فيما يتعلق بإدارة المشروعات الاقتصادية‏.‏ والسؤال‏,‏ ما هو معيار النجاح في إدارة المشروعات الاقتصادية‏,‏ وكيف تتحقق الإدارة الاقتصادية الناجحة في ظل اقتصاد السوق ؟
لم تكن الإدارة تخصصا اكاديميا في معظم جامعات الدول باستثناء الولايات المتحدة حتي منتصف القرن العشرين حين أصبحت‏,‏ خاصة منذ الربع الأخير من ذلك القرن‏,‏ أحد أهم مراكز الجذب للشباب الأكثر طموحا فيما يعرف بمعاهد إدارة الاعمال‏,‏ وحيث أصبحت شهادة الماجستير في إدارة الأعمال‏(MBA)‏ جواز المرور للارتقاء إلي مركز الإدارة العليا في معظم الشركات والمؤسسات والتي يحصل عليها ليس فقط المتخصصون في علوم الإدارة وإنما أيضا الطامحون في المراكز العليا من المهندسين والأطباء ورجال البنوك والمؤسسات المالية وغيرهم‏.‏
وإذا كانت الجامعات الأمريكية هي أول من وجه العناية لدراسة علوم الإدارة‏,‏ فالسبب في ذلك يرجع إلي طبيعة الأمريكيين العملية‏.‏ فالجامعة عندهم ليست مكانا فقط للدراسات النظرية أو المضاربات الفكرية‏,‏ بل أن الجامعة يجب أن تساعد أيضا علي زيادة الكفاءة في التطبيقات العلمية‏.‏ ومن هنا بدأ العديد من رجال الأعمال الأمريكيين يقدمون المنح والعطايا لإنشاء معاهد لتعليم كيفية إدارة الأعمال وبذلك بدأ ظهور علوم الإدارة في الجامعات الأمريكية‏.‏ وقد صادف أيضا أن كانت الولايات المتحدة هي موطن فريدريك تايلور‏taylor‏ الذي دافع عن مفهوم الإدارة العلمية بغرض زيادة الكفاءة الإنتاجية‏.‏ وكانت أفكار تيلور قد ساعدت علي انتشار تقسيم العمل الفني في الصناعة والتوسع في استخدام خطوط الإنتاج والتي نجح هنري فورد في تطبيقها في صناعة السيارات‏.‏ وجاءت التيلورية الجديدة بالتأكيد ليس فقط علي أهمية تقسيم الأعمال وتنميطها بل بجعلها قابلة للقياس‏.‏ فأنت لا تستطيع أن تدير ما لا يمكن قياسه ومن هنا اتجهت أساليب إدارة الأعمال إلي محاولة اختصار العملية الإنتاجية في سلسلة من الأعمال القابلة للقياس‏.‏ ونظرا لأن أفضل وسيلة للقياس هي ترجمة هذه العمليات في شكل نقدي كما تظهر في البيانات المحاسبية للمشروعات سواء في حساب الميزانية أوحساب الأرباح والخسائر‏,‏ فقد أصبحت الاداة الرئيسية للإدارة الحديثة هي مراقبة الحسابات المالية للمشروع والعمل علي تحسين الأداء المالي له‏.‏ فإدارة المشروع أصبحت في التحليل النهائي علي يد المديرين الجدد هي إدارة مالية للمشروع‏.‏ وقد ذهبت بعض مدارس علوم الإدارة مثل ما عرف بمصفوفة بوسطن إلي أن وظيفةالإدارة في أي مشروع هي توزيع أوجه النشاط بين ما يعرف بالنجوم والبقر والكلاب فأما النجوم فهي تلك الفروع الإنتاجية الواعدة في المشروع والتي لم تستنفد بعد إمكانياتها وأمامها مستقبل للنجاح والتوسع‏,‏ وهذه تحتاج إلي المساندة والاستثمار فيها‏.‏ وأما البقر الحلوب‏,‏ فهي الفروع الناجحة فعلا ولكنها لا تتوقع مزيدا من النمو في المستقبل‏,‏ وهذه تستحلب كما البقر لتمويل التوسع والاستثمار في أنشطة النجوم وأخيرا فإن الكلاب هي الفروع الإنتاجية التي بدأت في الخسارة والتي يجب التخلص منها بأسرع وقت‏.‏
وهكذا تتحدد إستراتيجية الإدارة بالاستثمار في النجوم مع استغلال البقر النجوم ثم التخلص من الكلاب وهذه هي وظيفة المدير الناجح وفقا لهذه المدرسة‏.‏
وإلي جانب الهوس بالأرقام في الإدارة الحديثة‏,‏ فإن العقيدة الراسخة لدي هذه المدرسة هي أن الإدارة علم‏,‏ وأن أساليبها تصلح‏,‏ بالتالي‏,‏ لأي مشروع بصرف النظر عن طبيعة الإنتاج في هذا المشروع فالإدارة هي الإدارة‏,‏ لها متخصصون لديهم القدرة علي إدارة مشروع للصلب كما مشروع لإنتاج المواد الغذائية أو مشروع للدعاية والإعلام‏,‏ ومن هنا ظهرت فئة جديدة من المديرين المحمولين‏Mobile‏ مثل التليفون المحمول‏,‏ حيث يستطيع المدير أن ينتقل من رئاسة شركة في فرع إنتاجي إلي شركة في فرع آخر‏,‏ فاختصاصه الحقيقي هو إدارة أرقام الميزانية وحساب الأرباح والخسائر‏,‏ والسعي لتحقيق الأرباح‏,‏ وهي أمور لا تكاد تختلف من شركة إلي أخري‏,‏ فهناك متخصصون في الإدارة الذين ينجحون في إدارة أي مشروع‏,‏ وبنفس الكفاءة‏,‏ فيكفي أن يكون المدير حاصلا علي شهادة الماجستير في إدارة الأعمال‏(MBA)‏ من الجامعات المشهورة للقيام بهذه الوظيفة في أي مكان‏.‏
وفي كتاب حديث صدر في الولايات المتحدة بعنوان هبة البيوريتان‏thepuritangift‏ يذهب المؤلفان إلي أن مشكلة الاقتصاد الأمريكي الحالية ترجع إلي فشل الإدارة الاقتصادية خلال الأربعين سنة الماضية‏,‏ ووفقا لهذا الكتاب‏,‏ فإن العصر الذهبي للصناعة الأمريكية بدأ في السبعينيات من القرن التاسع عشر‏,‏ وحتي نهاية الستينيات من القرن العشرين‏,‏ وخاصة خلال الخمسين سنة من‏1920‏ وحتي‏1970‏ وبعدها فقدت هذه الصناعة ريادتها وتفوقت عليها الإدارة اليابانية‏,‏ ويرجع الكتاب هذا التدهور في الصناعة الأمريكية إلي غلبة مفهوم الإدارة الحديثة والتي تركز علي الجوانب المالية‏,‏ مع تجاهل شبه تام للاعتبارات التكنولوجية‏,‏ ويبرز الكتاب حنينه إلي التقاليد البيوريتانية الموروثة مع المهاجرين الأوائل‏,‏ وهي تتلخص في مجموعة متكاملة من القيم التي ضاعت مع أساليب الإدارة الحديثة‏,‏ ويلخص الكتاب تلك التقاليد في وازع ديني يحدد الهدف من الهجرة في إقامة مملكة الله علي الأرض‏,‏ حيث النجاح المادي دليل علي رضاء الرب‏,‏ مع رادع أخلاقي يري أن المصلحة الفردية يجب ألا تطغي علي المصلحة العامة للجماعة‏,‏ ومع التأكيد علي ضرورة الانغماس في ممارسة النشاط الانتاجي والغوص في أساليب التكنولوجيا والسيطرة عليها‏,‏ وأخيرا في النزوع إلي الحرص وعدم البذخ في الانفاق‏,‏ وهكذا قامت الصناعة الأمريكية علي أكتاف أفراد تجمعت لديهم هذه النظرة الكلية لعملية الإدارة‏,‏ وهذا ما عرفته إدارة شركة فورد‏,‏ ودي بونت‏,‏ وكارنجي‏,‏ وشركة بنسلفانيا للسكك الحديدية‏,‏ وجنرال إلكتريك‏,‏ وكوكا كولا وغيرها‏,‏ ففي جميع هذه الأمثلة كانت الإدارة في أيدي أبناء هذه الشركات الذين عايشوا وتدرجوا في مختلف مناصب مؤسساتهم‏,‏ وكانوا من الممارسين والعارفين بمشكلات الصناعة التي يعملون بها‏,‏ وبوجه خاص بتفاصيل التكنولوجيا المستخدمة وأسرارها ومجالات تطورها‏.‏
ومنذ نهاية الخمسينيات بدأ هذا النمط للإدارة يتراجع ويتزايد الاعتماد علي كفاءات متخصصة في أعمال الإدارة دون أن تكون لهم تجربة مباشرة مع طبيعة الصناعة‏,‏ فمنذ‏1958‏ بدأت جنرال إلكتريك وجنرال موتورز في استخدام مديرين متخصصين في الإدارة المالية من خريجي أشهر مدارس إدارة الأعمال‏,‏ وجاء تركيز هذه الإدارات الجديدة علي الأرقام‏,‏ وهي بالضرورة الاعتبارات المالية في المصروفات والإيرادات والربح والخسارة‏,‏ وأصبحت المشكلة هي تعظيم الأرقام وليس تعظيم الجودة في المنتج‏,‏ علي عكس الحال مع تقاليد الإدارات القديمة‏,‏ والتي تلخصها العبارة المكتوبة علي لوحة حائط ترسانة بناء السفن في فيرجينيا بأننا سوف نبني سفنا جيدة مع تحقيق الأرباح إن أمكن‏,‏ ومع تحمل الخسائر إذا اضطررنا لذلك‏,‏ فالجودة هي المعيار لدي الإدارة التقليدية‏,‏ وهكذا فقدت الإدارات الجديدة فرصة الارتقاء بالجودة‏,‏ وبالتالي فقدت أسواقها في المدة الطويلة‏,‏ وإن حققت أرباحا في المدة القصيرة‏,‏ وتركز اهتمام الإدارة الحديثة علي تطوير الهندسة المالية بدلا من الاهتمام بالهندسة التقليدية وتطوير التكنولوجيا‏.‏
لا غني عن الإدارة المالية في الإدارة الحديثة‏,‏ كما لا يمكن التجاوز عن أرقام المصروفات والإيرادات‏,‏ فضلا عن أن الأرباح هي أحد أهم المؤشرات في الإدارة الناجحة‏,‏ ولكن تعظيم الأرقام وحده غير كاف‏,‏ هناك أمور أخري هي صلب أو جوهر التقدم الصناعي‏,‏ وفي مقدمتها التطوير التكنولوجي‏,‏ والاهتمام بالجوانب الإنسانية من‏,‏ حيث خلق الشعور بالولاء والأمانة والرغبة في التجديد والإبداع لدي العاملين‏,‏ وغير ذلك مما لا يظهر دائما في أرقام الميزانية أو حساب الأرباح والخسائر‏.‏
والله أعلم
‏www.hazembeblawi‏
المزيد من مقالات د‏.‏حازم الببلاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.