تنطوي المدن الجديدة علي امكانات كبري لاستيعاب كتلة سكانية كبيرة تؤدي لتحسين توزيع السكان علي خريطة مصر, وتخلق هي وجوارها مجتمعات انتاجية صناعية وخدمية بالاساس. وزراعية جزئيا في بعض الحالات, لكن هذه المدن الجديدة والتي لم تعد جديدة في الحقيقة بحكم انه قد مر مايقرب من ثلاثة عقود علي بدء انشائها واعمارها, تحتاج إلي خطة تطوير حقيقية لمعالجة الكثير من المشكلات العامة التي تعاني منها مصر عموما, وبعض المشكلات الخاصة المتعلقة بنواقص في تخطيط وتنفيذ تلك المدن والبنية الاساسية التي تخدم المواطنين الذين يعيشون فيها والتي تربطها بباقي الوطن من العاصمة إلي المراكز الحضرية الرئيسية في الشمال والجنوب, وهذه المدن تحتاج إلي تطبيع وضعها كمدن عادية, تدار من خلال اجهزة الحكم المحلي من المحافظ ووحدات الإدارة المحلية والمجالس الشعبية المحلية التي تراقب اداءها, مع انهاء دور أجهزة المدن إما بدمجها في الإدارة المحلية, أو بنقلها لمدن ومجتمعات عمرانية جديدة. واذا بدأنا بمشكلة عامة في مصر كلها وهي البيروقراطية الحكومية التي تحصل علي رواتب بالغة التدني وتعاني من التدهور في قدرتها الشرائية بصورة هائلة عن المرتبات قبل عدة عقود, وهي رواتب لاتمكنها من تحقيق حد ادني لمستوي معيشي لائق, وتحتاج لتغيير جوهري من خلال نظام جديد للاجور يتسم بالعدل ويمكن العاملين في الجهاز الحكومي عموما وضمنه العاملون في اجهزة المدن الجديدة من العيش بشكل كريم اعتمادا علي دخلهم المشروع من وظيفتهم, ونتيجة للوضع الحالي لاجور العاملين في الجهاز الحكومي وضمنه العاملين في اجهزة المدن الجديدة, فان قسما مهما من هذه البيروقراطية, يلجأ لتعطيل الاعمال استغلال سلطته المتعلقة بمنح التراخيص وتمرير الأعمال, في التربح علي حساب المواطنين ورجال الأعمال وبالذات الصغار والمتوسطين منهم ممن لايملكون نفوذا سياسيا يجعل الجهاز الحكومي طيعا لهم ومنجزا لاعمالهم, كما يلجأ قسم آخر للتكاسل لتوفير مجهوده لعمل آخر في القطاع غير الرسمي أو القطاع الخاص أو العمل مشروع عائلي, كما يهرب قسم اخر بالسفر للخارج لتكوين بعض المدخرات, ويبقي قسم يعيش براتبه ويحافظ علي مبادئه كالقابض علي الجمر ويعاني شظف العيش وظلم نظام الأجور الذي يدفع العاملين للفساد دفعا, أو يلقي بالشرفاء منهم في هوة الفقر. وفي هذه الظروف تغيب المرونة ويتم تعقيد وتطويل الاجراءات عمدا, حتي يكون المواطنون ورجال الأعمال الصغار وحتي المتوسطين, مضطرين لدفع الرشاوي الصغيرة أو الكبيرة لسلسلة طويلة من الموظفين لتمرير الاجراءات الخاصة بأعمالهم, وتجد الكثير من المنشآت الصناعية والتجارية التي استكملت كل الأوراق الخاصة بالحصول علي التراخيص ويتم تعطيلها لان بقاءها بدون ترخيص يسمح لبعض الموظفين الفاسدين بابتزاز اصحابها بصورة اسهل واعلي عائدا, كما ان هناك بعض الامور التي تغيرت في الواقع ولم تتخذ اجهزة المدن الجديدة اي إجراءات لمنعها مثل تحويل بعض العقارات السكنية إلي الاستخدام التجاري سواء كمحال منفردة, أو كمحال تشكل امتدادا لاسواق الخضر والفاكهة وتقوم بتشغيل اعداد كبيرة من العاطلين الذين لم توجد الدولة ولا القطاع الخاص الرسمي وظائف لهم, ومثل هذه الأمور تحتاج لدراستها وإعادة تخطيط المدن الجديدة بصورة توازن بين القانون الذي تساهلت اجهزة المدن في تطبيقه وتركت المتجاوزين يمارسون تجاوزاتهم ويكسبونها الشرعية الواقعية بمرور الزمن كتجسيد للاهمال أو مقابل رشاوي يحصل عليها الموظفون المكلفون بمنع وازالة تلك التجاوزات, وبين ما ترتب علي تلك التجاوزات من عمليات تشغيل ينبغي الحفاظ عليها دون انتهاك للقانون من خلال توفيق أوضاع المخالفين والزامهم بما يتم التوصل إليه من اتفاقات. ولان كل المدن الجديدة مرتبطة بمناطق حضرية أو ريفية مجاورة, فان تطور هذه المدن خلال الثلاثين عاما الأخيرة وبالذات مدن السادس من أكتوبر والعبور والعاشر من رمضان وتزايد عدد الوظائف فيها التي يشغلها مواطنون يعيشون في المدن والمناطق الريفية المجاورة, مقابل وجود اعداد كبيرة من المواطنين الذين يعيشون في المدن الجديدة ويعملون في المدن الكبري أو المناطق الريفية المجاورة.. وهذا الواقع أوجد حالة اختناق مرورية مروعة في أوقات الذروة اي الذهاب إلي العمل أوالخروج منه, تصل بطابور السيارات إلي عدة كيلومترات, نتيجة عدم ربط هذه المدن الجديدة بالمدن الكبري والمناطق الريفية المجاورة لها بخطوط قطارات أو مترو تنقل اعدادا كبيرة من المواطنين في تلك اللحظات وتوفر استهلاك البنزين وتقلل التلوث الناتج عن استخدام سيارات الركوب والميكروباص. كما يمكن حل ازمة العلاقة بين المدن الجديدةوالقاهرة, من خلال توفير سكن رخيص للعاملين في المدن الجديدة ايا كانت اعمارهم من خلال مشروع توفير شقق اقتصادية لا تتراوح مقدمات ثمنها بين خمسة آلاف وعشرة آلاف جنيه, ولاتزيد اقساطها علي150 جنيها من خلال المشروع القومي للاسكان, بما يساعد علي التوطين الكامل لمن يعملون في المدن الجديدة ويقلل من حركة الانتقال منها إلي القاهرة وجوارها والعكس. كما ان المدن الجديدة انشئت بنفس امراض المدن القديمة فلا توجد مراكز شباب مطورة في كل حي وكل مجاورة لاستيعاب طاقات الشباب في انشطة رياضية مفيدة, ولاتاحة متنفس رياضي واجتماعي للفقراء والطبقة الوسطي, ولاتوجد قصور ثقافية إلا فيما ندر بصورة تقتصر علي قصر ثقافة واحد غالبا. وعند بناء احياء المدينة في بداياتها كان جهاز المدينة يلزم بصورة عرفية غير مكتوبة, اي شركة تحصل علي مقاولة بناء اي مجاورة ببناء مسجد فيها, والحقيقة ان مصر تحتاج لازاحة كل مظاهر التحيز لأن قوة هذه الامة العظيمة تكمن في وحدتها الوطنية وفي اعتدالها الديني الذي كان مضرب الامثال قبل ان تزحف عليها رياح التزمت البعيدة عن مستوي التطور والتحضر الذي أنجزته مصر, وارتدت للاسف عن الكثير من عناصره منذ اواخر سبعينيات القرن الماضي.