انتهي الجزء الأول من مسلسل الجماعة لمؤلفه الكاتب الصحفي وحيد حامد, لكن لم ينته الجدل الدائر حوله, وتلك إيجابية تحسب له وليست عليه, إذ إنه لو لم يمثل أهمية لدي المتلقي لما التفت إليه أحد. حيث بصر المتلقي بجوانب كانت خافية حول جماعة الإخوان التي تحولت من جماعة دينية سمحة إلي جماعة سياسية تملي إرادتها بقوة السلاح, مما جعلها مرفوضة من كل الأنظمة ملكية كانت أو جمهورية, حيث تصبح علي خلاف دائم معها.. ومن هنا تبدو أهمية هذا المسلسل وما يتضمنه من أفكار وشخصيات, من حق المتلقي أن يتعرف عليها, مما يجعل المادة في حاجة دائمة إلي استكمال, يتطلب جهدا مضاعفا في البحث للوفاء بكل ما يتمم هذه الملامح والسمات, ومن هذه الملامح والسمات التي كانت تتطلب اهتماما أكثر شخصية العلامة طنطاوي جوهري ابن الشرقية وخريج الأزهر وكلية دار العلوم, الذي أشار إليه المسلسل إشارات لا تتناسب مع قيمته الفكرية أو قدره العلمي, إلي جانب أنه كان يجسد صمام الأمان للجماعة في بداياتها, وكان من أكبر المدعمين لها فكرا ومن أشد المعارضين لاتجاهها إلي أسلوب الاغتيالات, والأهم موقفه الرافض تماما لإنشاء تنظيم خاص للجماعة يتعامل بقوة السلاح, والذي لم يعلن عنه إلا بعد وفاته, وغير ذلك مما يوضح موقف هذا العالم والمفكر المشهود له بالعلم الواسع, والتفكير المستنير, الذي ينبئنا عنه تاريخه كواحد ممن يدعون إلي العلم والسلام, فيتقدم إلي جائزة نوبل للسلام بكتابين أحدهما عنوانه أبن الإنسان؟ راسما فيه للعالم الطريق المستقيم إلي السلام الدائم الذي أقره الله عز وجل في قوله: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.... والكتاب الثاني عنوانه أحلام السياسة وكيف يتحقق السلام؟ مبرهنا فيه أن سياسة الأمم إذا لم يكن بناؤها محسوبا مثل حساب العلوم, فإن النوع الإنساني سيحل به الدمار مستنيرا بقوله تعالي: والسماء رفعها ووضع الميزان, ألا تطغوا في الميزان, وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان. وقد نال هذا الكتاب استحسانا عالميا من الأوساط العالمية, ومنها الجمعية الآسيوية الملكية البريطانية التي أوصت بأن يتقدم به صاحبه للحصول علي جائزة نوبل للسلام, وبالتالي رشحه العالم المصري الخالد مصطفي مشرفة مع نفر من المفكرين والسياسيين المصريين, وأرسلوا ترشيحهم إلي البرلمان النرويجي مصحوبا بآراء الأوساط العالمية, للحصول علي جائزة نوبل للسلام, إلا أن الشيخ طنطاوي رحل عن دنيانا في12 يناير عام1940 فلم يحصل علي هذه الجائزة برغم أنه كان في مقدمة المستحقين لها, لأنها لا تمنح إلا لمن يكون علي قيد الحياة, وعلي ذلك فقد كان الشيخ طنطاوي أول مصري عربي تم ترشيحه لجائزة نوبل, لكنها حجبت عنه لتتوجه إلي رئيس الوزراء البريطاني تشمبرلين. حجبت عنه مع أنه كان الأحق لأنه كان واحدا من دعاة السلام كما عرفه العالم, وفيلسوفا من فلاسفة الشرق كان شأنه شأن الفيلسوف البنغالي محمد إقبال, وحكيما من حكماء العصر كما لقبه أستاذه الإمام محمد عبده, ومشرفا لمصر كما قال عنه الزعيم مصطفي كامل بمثل الشيخ طنطاوي ترتقي الأمم, وصاحب اثنين وثلاثين كتابا أحصاها المستشرق الألماني بروكلمان بكتابه تاريخ الأدب العربي, ومن بعض هذه الكتب يمكن تبين جوانب شخصيته العلمية والفكرية, فهو حكيم اجتماعي يتأمل أحوال الأمة, وهو حكيم لاهوتي يبحث عن الروح وخلودها بعد خروجها من أسر الجسد, وهو حكيم إسلامي فسر القرآن بأسلوب عصري في26 مجلدا, هو باختصار فوق راحة اليد فيلسوف من فلاسفة القرن العشرين, ومصلح اجتماعي, ومجدد في الإسلام, وكاتب مجيد. المزيد من مقالات سامح كريم