سبعة أسابيع تقريبا مرت علي ذهاب الرئيس النيجيري عمر يار أدوا للسعودية للعلاج من مرض بالقلب, ومازال الغموض قائما حول حقيقة الحالة الصحية للرئيس, في ظل حالة تعتيم متعمدة شاملة, دفعت البعض لترديد الشائعات حول وفاة الرئيس, أو إصابته بتلف في خلايا المخ. وعلي الرغم من اصرار المسئولين الحكوميين علي نفي هذه الشائعات وتأكيدهم أن أعداء الرئيس هم من وراء ترديد مثل هذه الأكاذيب, فقد ظلت الشائعات في تزايد, حتي قطع الرئيس الشك باليقين, وأدلي بحديث مقتضب ل البي. بي. سي الأسبوع الماضي أكد فيه أن حالته الصحية في تحسن وأنه يستجيب للعلاج, معربا عن أمله في قرب عودته للبلاد. ومع أن الحديث اعتبر ردا واضحا علي كل المشككين, إلا أنه لم يكن كافيا من وجهة نظر الكثيرين لتخفيف حدة التوتر والقلق علي مستقبل البلاد, في ظل الغياب الطويل للرئيس, وما ترتب عليه من أزمة سياسية مازالت تداعياتها مستمرة حتي الآن, خاصة بعد أن رصد الكثيرون أن صوته بدا واهنا وضعيفا. فالرئيس الذي دخل المستشفي للعلاج منذ الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي, لم يقم بنقل صلاحياته رسميا لنائبه جود لك جوناثان الأمر الذي يعني أن هناك حالة فراغ في السلطة, يتخوف البعض من أن تتطور وتتسبب في حدوث أزمة دستورية, في تلك الدولة التي عانت عقودا طويلة من الحكم العسكري ولم تتخلص منه سوي منذ عشر سنوات تقريبا. وعلي الزغم من ان نائب الرئيس يترأس في الوقت الحالي اجتماعات مجلس الوزراء, فإنه غير مخول باتخاذ قرارات تنفيذية. وهو ما تسبب في تعطيل بعض الأعمال الحكومية, وتأخير إجراء اصلاحات ضرورية في قطاع البنوك والأعمال, والأهم من ذلك أنه هدد استمرار عملية السلام في منطقة دلتا النيجر الغنية بالبترول والتي تواجه أصلا معوقات كثيرة, وحتي ميزانية العام الحالي, وقعها الرئيس من فراش المرض في المستشفي. وفي الوقت الذي شعر فيه العديد من النيجيريين بالراحة لسماعهم صوت الرئيس واطمئنانهم أنه مازال علي قيد الحياة, إلا أن الشعور بعدم الثقة ظل قائما ودفعهم للمطالبة برؤية الرئيس في بث حي ومباشر من المستشفي. ومن ثم لم يكن هذا الحديث كافيا لمنع عدة مئات من المواطنين العاديين ورموز المعارضة وعدد من الشخصيات البارزة من بينهم الأديب الحائز علي جائزة نوبل وول سونيكا من الاشتراك في مسيرة حاشدة شهدتها العاصمة أبوجا وتوجهت حتي مبني البرلمان للمطالبة بكشف كل التفاصيل المتعلقة بالحالة الصحية للرئيس, وبإنهاء هذا الوضع الغريب الذي لا يتماشي مع دولة تعد الأكبر في إفريقيا من حيث عدد السكان, والثانية علي مستوي القارة انتاجا للنفط. ولعل ذلك هو السبب الأساسي في الاتجاه العام للجوء إلي القضاء, لرفع دعاوي قضائية تطالب بتولي نائب الرئيس جود لك جوناثان مهام الرئاسة في الوقت الحالي وبتنحية الرئيس لعدم قدرته علي القيام بمتطلبات الرئاسة. وهو ما استجابت له أخيرا المحكمة الفيدرالية العليا, التي أصدرت حكما بتمكين نائب الرئيس من اتخاذ القرارات التنفيذية بشكل فوري في مباشرة مهامه, حتي يعود يار أدو من رحلة العلاج. ولكن هل يعني هذا الحكم أن الأزمة السياسية في البلاد علي وشك الانتهاء؟ والإجابة تبعا لمعطيات الوضع الراهن ستكون بالنفي. فهذا الحكم في نظر المراقبين ستكون له تداعيات خطيرة, أولها أنه سيفتح الباب واسعا أمام سيل من الدعاوي القضائية المطالبة بإقالة الرئيس, واعتبار القرارات التي اتخذتها الحكومة خلال غيابه لاغية, وهو ما سيؤدي بالقطع لحالة من عدم الاستقرار في دولة متعددة إثنيا ودينيا, وتنقسم أساسا لشمال مسلم وجنوب مسيحي. وثانيها أنه ربما يكون عاملا مساعدا في تصاعد التوتر وعدم الاستقرار في منطقة دلتا النيجر, التي تعاني من هجمات الميليشيات المسلحة, تستهدف العاملين في مجال النفط بعمليات اختطاف وتقوم بتخريب أنابيب نقل البترول, وهو ما يهدد بتفجر الوضع من جديد.. وهنا يشير المراقبون إلي أن القضية لم تعد تتعلق بالحالة الصحية للرئيس, وما إذا كانت مستقرة أم تتدهور, بل إنها تعدت ذلك لتصبح حول مدي كفاءة الحكومة وقدرتها علي تسيير أمور البلاد في المرحلة المقبلة مع إتاحة الفرصة لجوناثان للسيطرة علي الوضع, خاصة أن الغياب الطويل للرئيس كان مبررا لتوقف الحديث تماما في موضوعات هامة وعاجلة مثل الإصلاحات الدستورية والتعديلات المطلوب إدخالها علي النظام الأنتخابي, بل وأدي من وجهة نظر المعارضة لانتشار الفساد وازدهاره, وهي أوضاع مقلقة لا يمكن أن تستمر, لأنها وإن كانت تصب في جانب الذين يستغلون فترة التخبط لوضع ترتيبات وخطط الانتخابات المقبلة لمصلحتهم فقط, إلا أنها لا تصب بالتأكيد في مصلحة البلاد.