اثار صدور حكم المحكمة الإدارية العليا رفض الطعن علي حكم محكمة القضاء الإداري بالقاهرة القاضي ببطلان عقد بيع أراضي مشروع مدينتي المبرم بين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وإحدي شركات مجموعة طلعت مصطفي لمخالفته قانون تنظيم المناقصات والمزايدات ر قم1998/89 اثار الاضطراب في الأوضاع القانونية للمتعاملين مع هذه الشركة من المشترين للوحدات التي تم بناؤها علي الأرض محل عقد البيع المقضي ببطلانه وكذلك الحاجزون لها وايضا اصحاب المساهمات في رأس مال الشركة المشترية للأرض. (أولا): وضع المسائل القانونية المثارة: ومن الواضح أن التصدي للتعقيدات المترتبة علي الحكم الصادر ببطلان بيع الأرض المقام عليها الوحدات السكنية يقتضي التعامل مع شبكة من القوانين واللوائح ذات الصلة بجوانب الموضوع, سواء فيما يتعلق بالبناء علي ملك الغير ومن ثم بيعه لآخرين أو فيما يتصل بقواعد المسئولية المدنية مطبقة علي الجهات الادارية المنسوب إليها أخطاء ترتب عليها بطلان عقد بيع أرض مدينتي. وحيث ان الدستور( م33) جعل للملكية العامة حرمة ونص علي أن حمايتها ودعمها واجب علي كل مواطن وفقا للقانون, وجعل سيادة القانون أساس الحكم في الدولة( م64) وجعل تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية جريمة يعاقب عليها القانون( م72 دستور, م123 قانون العقوبات), إلا ان المبادئ العامة للقانون تقتضي حماية حقوق المواطنين الذين تعاملوا عليها بحسن نية, وهو ما يقضي البحث في ترسانة القوانين القائمة عن النصوص التي تكفل التوفيق بين حرمة المال العام وحماية حقوق المواطنين الذين تعاملوا بحسن نية علي ما أقيم علي الأراضي المملوكة للدولة. ونشير, قبل هذا التصدي للبحث المذكور, إلي بروز اقتراحات بشأن حماية حقوق مشتري الوحدات المقامة علي الأرض المقضي ببطلان عقد بيعها, نذكر من بينها الاقتراح وباستصدار قرار بقانون من رئيس الجمهورية يعالج الآثار المترتبة علي صدور حكم البطلان باعتبار أن هذه الآثار تقتضي اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير, وذلك عملا بالمادة147 من الدستور, هذا في حين فضل البعض الآخر استصدار تشريع من مجلس الشعب يعالج ذات الآثار وبأسلوب يقدم حماية قانونية لأصحاب الحقوق أو المراكز القانونية ممن تعاملوا علي الوحدات المقامة علي أرض مدينتي, علي أن ينص في التشريع المقترح علي سريانه بأثر رجعي عملا بالمادة187 من الدستور كغطاء قانوني لحقوقهم المراد حمايتها. ومن الواضح أن مثل هذه الاقتراحات تنطلق من مبدأ قانوني مستقر هو وجوب حماية حقوق الغير من حسن النية, غير أن الأساليب التي تقوم عليها مثل هذه الاقتراحات قد لا تكفل الحماية العاجلة من ناحية والفعالة وغير القابلة للطعن أو الاعتراض عليها من ناحية أخري, لذلك فإننا نفضل النظر فيما هو قائم عن قوانين لالتماس حلول للآثار الجانبية لبطلان بيع أرض مدينتي, وهو اقتراح نحاول أن نعرض لخطوطه العامة. (ثانيا): التماس حلول المسائل القانونية في القوانين القائمة: تضمن القانون المدني نصوصا تعالج المسائل القانونية التي يثيرها قيام شخص بإقامة منشآت علي أرض مملوكة للغير( أو أقامها علي أرض اشتراها ثم عادت ملكيتها إلي البائع بسبب بطلان عقد بيع الأرض). في مثل هذه الحالات يثور التساؤل عن مصير حقوق من تعامل مع من أقام المباني أو المنشآت بعد أن تعود ملكية الأرض إلي صاحبها الأصلي بأثر رجعي, وهو ما مفاده انطباق وصف بيع ملك الغير علي التعاقد الذي قام بمقتضاه القائم بالبناء ببيع وحدات الآخرين. وهكذا فإن تقنين وضع المشترين في بيوع عقارات وقعت علي ملك الغير يقتضي الالتزام بما نص عليه القانون المدني في شأن بيع ملك الغير, ومن حسن الحظ أن ترسانة القوانين القائمة تتضمن نصوصا اخري تتيح تقنين وضع من اشتري وحدة عقارية من شخص قضي ببطلان عقد تملكه الأرض المقام عليها هذه الوحدة, ونحن نعني بذلك التعديل الذي أدخل علي قانون المناقصات والمزايدات بمقتضي القانون رقم148 لسنة2006 بشأن ضوابط التصرف في العقارات أو الترخيص بالانتفاع بها بطريق الاتفاق المباشر. وقد يكون من المفيد كشفا لتعقيدات المسائل المثارة ومن ثم تبسيطا لعرض حلولها أن نعرض الحلول المستفادة أولا من نصوص القانون المدني وثانيا لتلك المستمدة من قانون المناقصات والمزايدات. 1 حلول القانون المدني: تتوزع هذه الحلول بين طائفتين من القواعد: الأولي تتعلق بوضع البناء علي ملك الغير والثانية تتصل بقيام البائع ببيع ما أقامه علي أرض مملوكة لغيره. أ البناء علي أرض مملوكة للغير: تتلخص القواعد المكملة لهذه الحالة فيما يلي: كل ما علي الأرض من بناء أو اغراض أو منشآت أخري يعتبر من عمل صاحب الأرض اقامه علي نفقته ويكون مملوكا له. غير انه يجوز إقامة الدليل علي أن مالك الأرض خول أجنبيا الحق في إقامة المنشآت علي نفقته ومن ثم تملكها(922 مدني). إذا رخص مالك الأرض لأجنبي إقامة منشآت علي نفقته فلا يجوز لهذا المالك أن يطلب إزالتها ويجب عليه في مقابل تملكها أن يؤدي للباني المقابل المنصوص عليه في القانون( م926 مدني) واعمالا بهذه القواعد علي المباني المقامة علي أرض مشروع مدينتي فانه من الواضح ان هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة عندما تعاملت مع مشتري الأرض بمقتضي العقد الباطل قد رخصت له بالبناء عليها ومن ثم بيع الوحدات, ووجب إعادة الحال إلي ما كان عليه قبل التعاقد, فان ملكية الأرض وما عليها من مبان تعود إلي الهيئة البائعة وذلك في مقابل تسديدها المبالغ المحددة في القانون( م926 مدني). وفي هذه الحالة يحكم العلاقة بين هيئة المجتمعات ومشتري الوحدات قواعد بيع ملك الغير, مما سوف نتعرض له فيما بعد. غير انه يمكن أن يعرض وضعا آخر لملكية المباني المقامة علي الأرض المقضي ببطلان بيعها وذلك في حالة أيلولة هذه الملكية إلي الشركة مشترية الأرض عملا بالنصوص الجديدة التي أدخلت علي قانون المناقصات والمزايدات علي وفق ما سيرد به البيان فيما بعد. ب بيع ملك الغير: حين تنطبق حالة من حالات بيع ملك الغير علي وضع من قاموا بشراء الوحدات المقامة علي أرض مشروع مدينتي المقضي ببطلان عقد بيعهما, فإن قواعد هذه الحالة تتلخص فيما يلي: للمشتري أن يطلب بطلان عقد شرائه للوحدة و لكن يجوز له اجازته( م466 مدني). لا يسري عقد بيع الوحدات في حق المالك الأصلي ما لم يقره( م1/467 مدني) سواء كان الاقرار صريحا أو ضمنيا حسب قضاء محكمة النقض. يصح العقد ايضا إذا آلت ملكية الوحدة المبيعة إلي بائعها بعد صدور العقد( م2/467 مدني). إذا حكم للمشتري بإبطال البيع فيكون له الحق في أن يطالب البائع بتعويض ولو كان الاخير حسن النية. وإعمالا لهذه القواعد فإن عقود بيع الوحدات المقامة علي أرض مشروع مدينتي لا تسري إلي حق هيئة المجتمعات العمرانية ما لم تقرها بالاسلوب الذي تحدده لوائحها الداخلية. كما ان بمقدور مشتري هذه الوحدات في حالة بطلان بيعها الرجوع علي من قام ببيعها لهم ولا يؤثر في حقهم هذا كون البائع له بيده ترخيص بالبناء والبيع. 2 تقنين وضع بائع الوحدات بطريق الانفاق المباشر:إذا كان تقنين وضع ملكية شركة طلعت مصطفي للأرض المبيعة وللوحدات التي أقامتها عليها غير جائز أو غير ممكن بمقتضي عقد بيع الأرض بعد القضاء ببطلانه( بطلانا مطلقا), ومن ثم فهو عقد غير قابل للتصحيح, الا أنه يجوز تصحيح هذا الوضع بمقتضي آليات قانونية اخري, ونعتقد أنه ليس من بينها ما تردد من إمكانية إعادة بيع الأرض بمقتضي مزايدة جديدة يتبع فيها قواعد العلانية والمنافسة والشفافية, لانه لا يوجد ما يضمن في هذه الحالة أن يرسو المزاد علي شركة طلعت مصطفي, وربما جاز تلمس الحل الأكثر قبولا وفعالية, في تقديم حلول عاجلة للمسائل القانونية الطارئة المترتبة علي صدور حكم نهائي ببطلان بيع أرض مشروع مدينتي, تلمسه في النص المستحدث الذي أدخله مجلس الشعب علي قانون المناقصات والمزايدات( تحت المادة رقم31 مكرر) والذي يحير للجهة الإدارية المعنية التصرف في العقارات أو الترخيص بالانتفاع بها بطريق الاتفاق المباشر مع متعاقد استوفي شروط الاستفادة من النص المستحدث. ووفقا لهذا النص يجوز التصرف في العقارات لواضعي اليد عليها والذين قاموا بالبناء عليها( مع مراعاة الحدود القصوي المنصوص عليها بالنسبة للأراضي الصحراوية وايضا الزراعية القديمة), وقد أضاف النص إلي دائرة المستفيدين من حكمه من تتوافر في شأنه حالات الضرورة والتي تقتضي التعاقد معه بالأمر المباشر تحقيقا لاعتبارات اجتماعية واقتصادية تقتضيها المصلحة العامة, علي أن يجري التصرف في العقارات وفقا للقواعد والاجراءات التي يصدر فيها قرار من مجلس الوزراء بناء علي اقتراح من وزير المالية وهي القواعد التي تتضمن تقدير المقابل العادل واسلوب سداده. ومن هذا نري أن النص الجديد في حالة توافر شروط تطبيقه علي وضع الأرض المقضي ببطلان بيعها وبالتالي تحقق وصف واضع اليد عليها لمن اشتراها( مع ملاحظة أن بطلان عقد شراء الأرض لا يحول دون ثبوت وضع اليد عليها لمشتريها), هذا النص يقدم حلا مبتكرا للتقنين وضع الشركة مشترية أرض مشروع مدينتي والبائعة للوحدات المقامة عليها, وبالتالي تقنين وضع مشتريها عملا بالمادة2/467 مدني سابق الاشارة اليها, وهو حل يفترض اعتبار تقنين وضع مشتري هذه الوحدات من الضرورات التي يقتضيها الأمن الاجتماعي لعدد كبير من المواطنين حسني النية, كما ان هذا الحل من شأنه ان يمنع الانهيار الذي يمكن أن يطول سوق الاستثمار العقاري, خصوصا بالنسبة للوحدات المقامة علي أراض مملوكة للدولة جري بيعها بالمخالفة لقانون المناقصات والمزايدات مما يرشح هذا البيع بالبطلان. الخلاصة إذن: إننا نفضل البحث في ترسانة القوانين القائمة عن وسائل تقنين أوضاع المتصررين من ذوي حسن النية من بطلان عقد بيع أرض مشروع مدينتي, وهو بحث نعتقد أنه يمكن أي يحقق الغاية المقصودة دون الالتفاف علي حكم البطلان بطريقة أفضل من الطرق الاستثنائية التي يمكن أن تختلف وجهات النظر بشأنها, فضلا عن أن اللجوء إلي الأساليب الاستثنائية يخالف الأصل في عمومية القواعد القانونية وتجريدها ويفتح ثقوبا في مبدأ سيادة القانون المنصوص عليه في الدستور.