عبرت الحكومة الهندية أخيرا عن نيتها منح إقليم كشمير حكما ذاتيا في إطار الدستور, ويعارض هذه السياسة التي ستزيح عبئا أخلاقيا من علي كاهل الهند حزب الشعب الهندوسي بي جي بي اليميني المتطرف ذو التاريخ المعروف بكراهيته للإسلام ولمسلمي الهند من منطلق أن سياسة كهذه ستقود إلي تفكيك الهند. هذا التحول التاريخي يأتي تحت ضغط تطورات دامية بدأت عام1989 بعنف مسلح شهد شهر أغسطس الماضي أحد فصوله الأكثر دموية. المصلحة الكشميرية تتطلب قيام القادة الكشميريين بدراسة جادة لهذا العرض لتحقيق حكم ذاتي واسع الصلاحيات الذين يعلمون بالتجربة أن العالم لم يعد يعطي هذه القضية ما تستحقه من اهتمام الحكم الذاتي يحافظ علي الهوية الكشميرية التي تتجاهلها منظمات إسلامية عابرة للقارات تحتقر الوطنية وتنسي أن كشمير شطران منفصلان أحدهما في الهند والآخر في باكستان وأن الأولوية للمناضلين الحقيقيين هي توحيد كشمير وليس البحث عن تبعية بديلة. ولقد حان الوقت لينسي بعض الكشميريين رومانسيتهم في ضم كشمير إلي باكستان ولكن هذا لا يعني عدم إعلاء سقف مطالبهم من الحكم الذاتي والقبول باستحالة تحقيقهم هذا الهدف بالعنف وحده وبدون مشاركة عسكرية باكستانية تهزم فيها باكستان الهند وهذا هو المستحيل بعينه. مشروع ضم الأصبع الخامسة وهي كشمير إلي اليد الباكستانية التي تتكون من أربع أصابع( أقاليم) هي السند والبنجاب الغربية وبالوشستان وإقليمالحدود الشماليةالغربية وتنقصها هذه الأصبع الخامسة سرابا في سراب بالنظر إلي موازين القوي في المنطقة والعالم. ومشكلة كشمير ليست مشكلة هندية بحتة, لأن لها أبعادا إقليمية واضحة, فباكستان لا يمكن تجاوزها لأنها لم تنس ميراث التقسيم, والصين لها ادعاءات فيها, إضافة إلي البعد الدولي الذي تحاول الهند القفز عليه بعدم الخوض في قرارات مجلس الأمن التي تقول إنه عفا عليها الزمن. الحكم الذاتي خطوة كبيرة إلي الأمام وسيلقي استجابة طيبة من شعب تضرر كثيرا من العنف وتدرك قواه الوطنية أن الانفصال عن الهند لا أفق له. هذه القوي ربما تكون قد تدارست ما آلت إليه التجربة التاميلية في سريلانكا التي انتهت باندحار حركة التاميل بعد أن سيطرت سيطرة شبه تامة علي إقليم التاميل لمدة ربع قرن وكانت فيها هي الحاكمة الفعلية لإقليم التاميل مدنيا وعسكريا ومستقلة تماما عن العاصمة كولومبو. العنف والعنف المضاد في كشمير لم يحقق سوي تدمير هذه الأرض فائقة الجمال التي كانت تسمي جنة الله علي الأرض وإلحاق أفدح الأضرار بمصالح فئات واسعة من الكشميريين تعتمد في حياتها علي السياحة والصناعات اليدوية التي تنفرد وتتميز بها كشمير وتعتبر الهند وليس باكستان سوقها الرئيسية. ونظرا للتراجع النسبي لموجة العنف الذي يرتدي جبة الإسلام فإن حلا وسطا يحكم بمقتضاه الكشميريون أنفسهم قد يرضي قسما من المتشددين الكشميريين والقوي التي تتوقع من الهند ذات التاريخ المضئ في دعم الحرية خارج الهند ألا يكون موقفها في كشمير مناقضا لموقفها من قضايا الحرية في العالم أجمع. إن لكشمير وضعا خاصا اعترفت به الهند بعد الاستقلال وجسدته في دستورها بنص المادة370 التي تمنع أي تغيير ديمغرافي فيها, أي منع هجرة الهندوس إليها لتحافظ الأغلبية المسلمة علي غالبيتها(80%) والأقليتان الأخريان من بوذيين وسيخ علي قوتيهما النسبية. والحقيقة أن هذه الخصوصية احترمت حتي في الفترات التي حكم فيها اليمين المتطرف الذي تظهر في أوساطه دعوات لسحق الهوية الكشميرية وإحداث تغيير ديمغرافي وتعديل المادة370 من الدستور. ويتطلب نجاح الحكم الذاتي مقدمات منها تخفيف القبضة الحديدية في كشمير وتخفيض الوجود العسكري الذي لا يوجد له نظير في أي منطقة أزمات في العالم(700 ألف جندي) وأن تتعاون الهند مع ممثلي كشمير الحقيقيين وليس مع الذين يحكمون الإقليم بتزوير الانتخابات. إن التجاوب مع بعض مطالب الكشميريين كإعادة منصب رئيس الوزراء الذي تولاه أسد كشمير الوطني والعلماني الشيخ عبد الله الذي لم تحسن نيودلهي التعامل معه لن يضعف الكيان الاتحادي بل يقويه ويصون موارد تهدر في صراع لا نهاية له. وكل ذلك ينسجم مع ممارسات سابقة ومع الدستور الهندي والأسس التي قامت عليها الهند ومنها احترام الحريات وحقوق الأقليات. وهذا الحل ليس سهلا ويحتاج إجماعا هنديا حتي لا ينتكس إذا ما وصل اليمين إلي السلطة, وإجماعا كشميريا ينبغي أن يدرك أطرافه أنه عندما تصبح الهند قوة كونية كبري قد تصبح الهند أكثر تشددا وقد تتحول كشمير إلي مشكلة هندية صينية وليس هندية باكستانية فقط وتكون هذه الفرصة قد ضاعت. الآن الفرصة سانحة للطرفين للتفاوض حول حلول وسط للخروج من دوامة الصراع العسكري والمباراة الصفرية.