في احتفال وزارة الأوقاف بليلة القدر هذا الأسبوع ليلة السابع والعشرين من رمضان جلست أتابع الحدث الذي تضمن كلمات وتوزيع جوائز وتكريم شخصيات قدمت الجهد للدعوة الإسلامية, وكعادته السنوية كان الرئيس حسني مبارك حاضرا, يوزع الجوائز علي المكرمين والفائزين من مصر ومختلف بلدان العالم الإسلامي في مسابقة القرآن الكريم. وتحدث إلي الفائزين واستمع إليهم, وفي كلمته توقفت أمام تحذيره من الهجمات التي تتوالي علي العالم الإسلامي, ولم يكن الرئيس هذه المرة يعني فقط الهجوم الذي اعتدناه من الخصوم, لكنه كان يحذر من الهجمات التي يتعرض لها الإسلام من الداخل من طلاب الشهرة, وطلاب المال الذين يتسترون وراء حرية الرأي والتعبير للنيل من صورة هذا الدين والتشكيك فيه فيؤذون مشاعر الناس, وينشرون الاختلاف والتوتر والاحتقان بين المسلمين. هذا التحذير الذي وجهه الرئيس إلي الأمة ليلة القدر ينبغي أن يؤخذ بالجدية اللازمة. فلقد اجترأ الكثيرون بغير حق علي الإسلام شريعة وعقيدة وتاريخا, ولم تعد هذه الأكاذيب مقصورة علي مواقع الإنترنت, حيث تجد طريقها بعد ذلك إلي وسائل الإعلام الجماهيرية, مما يهدد الأمن الفكري لهذه الأمة, ويمهد الأرض لخلاف وتوتر يهدد المصالح العليا للوطن. وإذا كنا حريصين علي حرية التعبير والرأي للجميع, فإننا لايمكن أن ندفع مقابل حرية التعبير لدي بعض أنصاف المتعلمين, مصالح الوطن وأمنه واستقراره. فتاريخ الإسلام يشهد أن الإساءة للإسلام في عقيدته وعباداته وتاريخه جاءت من المسلمين أنفسهم أكثر مما جاءت من غيرهم, وأن المسلمين دفعوا ثمن تلك الإساءات الكثير من الدماء والموارد والتضحيات عبر التاريخ. وفي هذا الاحتفال تحدث الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر, وقد أنصت جيدا لكلمته. وكانت كلمة بليغة المحتوي واللغة والأداء, وقد أنهي الإمام الأكبر حديثه تاركا لدي سامعيه عشرات الأفكار التي أثارتها كلمته القصيرة. فالاحتفال بليلة القدر هو احتفال بالقرآن الكريم في المقام الأول. وقد تحدث عن بعض مآثر القرآن وتأثيراته في مسيرة الحياة الإنسانية علي الأرض. وبه عرف الإنسان لأول مرة الحقوق والحريات العامة, وبه استقر في الوجدان الإنساني معني المساواة والتحرر من القيود والمظالم, وتوقف الإمام الأكبر عند المرأة التي ظلم بها كثيرون الإسلام داخل بلاد المسلمين وخارجها, حيث استمع الناس لأول مرة في حضارات العالم القديم إلي نبي الإسلام وهو يعلن أن النساء شقائق الرجال, واستمعوا إلي قوله: لو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء علي الرجال, وتوقف الإمام الأكبر عند الفرية الكبري التي تتردد عند الحديث عن المرأة في الإسلام وهي الخاصة بميراثها, فقد جاء الإسلام ليقر للمرأة حقوقا في الميراث, وكانت تورث ضمن تركات الأموات, وأشار إلي أن الإسلام جعل ميراث الأنثي نصف ميراث أخيها الذكر في أربع حالات فقط, وهناك أكثر من ثلاثين حالة تحصل فيها المرأة من التركة مثلما يحصل الرجال وأكثر. وأشار أيضا إلي أن هناك حالات ترث فيها المرأة ولايرث الرجل. وتحدث عن حرية العقيدة وتحرير العقل من القيود. وقال إن السلام راية ترفرف علي الإسلام وحضارته التي أنشأها, فلقد تحدث القرآن عن السلام إحدي وأربعين مرة ولم ترد كلمة الحرب إلا في ثلاثة مواضع فقط. كانت كلمة الإمام الأكبر قصيرة, ولكنها غنية بما طرحته من أفكار, تمثل في مجموعها نواة صلبة لخطاب ديني يقترب من فقه الواقع الذي يعيشه المسلمون هذه الأيام.. خطاب ينتهي إلي فهم أقوم لهذا الدين وإلي إنجاز مهمة الإنسان التي خلقه الله من أجلها دون إفراط أو تفريط. ..................................... لقد وقف بنا الإمام الأكبر أمام حقيقة العلاقة التي تربط الحضارة الإسلامية مع غيرها من الحضارات.. علاقة ترفض التسلط وتعلي شأن التعارف والتعاون والتكامل. إننا بحاجة إلي أن نفهم ذلك وبحاجة إلي أن يفهم غيرنا أيضا أن هذا هو موقف الإسلام الذي يتحدث به العلماء الثقات. فالإسلام لايؤخذ عن كل صاحب هوي أو غرض في الداخل أو الخارج. فقد أضر أصحاب الهوي دين الله كثيرا وأساءوا للمسلمين أيضا. ..................................... إن كلمة الإمام الأكبر في احتفال ليلة القدر وحديثه عن الإسلام, وكذلك دعوة الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف إلي التمسك بالقيم الدافعة لتقدم المجتمع وهي القيم التي نسيها الكثيرون, وعلي رأسها العلم والعمل والتسامح والتراحم والتعاون واحترام الإنسان من حيث هو إنسان, بصرف النظر عن انتماءاته في الدين أو الجنس أو اللغة أقول إن الكلمة والدعوة تواكبان ذكري أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ..................................... فتلك الأحداث فجرت أكبر موجات العداء للإسلام في العصر الحديث. وحاصرت الدين الإسلامي ووضعته موضع الاتهام, وفجرت موجات من التطرف ضد هذا الدين وأتباعه ولاتزال أحداث الحادي عشر من سبتمبر تضخ مشاعر الحقد والكراهية في دوائر لاتريد للفتنة أن تهدأ ولاتريد تبرئة الدين الإسلامي من أفعال الإرهاب والتطرف. بعد تسع سنوات كاملة تخرج دعوة من كنيسة مغمورة لحرق كتاب المسلمين المقدس في ذكري أحداث الحادي عشر من سبتمبر, لإحياء الحقد والعداء الذي كاد يخضع للتصحيح وإعادة العلاقات مع الإسلام والمسلمين إلي أتون التوتر والاضطراب, ولابد أن ينتبه المسلمون إلي تلك القوي التي تتربص بالإسلام والمسلمين, وتريد أن تحيل قوة الإسلام إلي ضعف وهوان. لقد وقع المسلمون ضحايا لما حدث يوم الحادي عشر من سبتمبر. ووضعتهم الأحداث في دائرة الاتهام والاشتباه وأخذوا بذنوب المتطرفين الذين أذاقوا المسلمين ويلات التطرف والإرهاب. ولانزال بأخطاء بعض المسلمين نعطي غيرنا الحجج والذرائع لمواصلة الهجوم علي الدين وأتباعه. إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تنته من الذاكرة الجماعية لشعوب الغرب وغيرهم. وإذا كان ما وقع هو من فعل متطرفين خارجين علي صحيح الدين, فإن العالم ينظر إليهم علي أنهم مسلمون تابعون لهذا الدين. وعلي المسلمين أن يتحملوا مسئولية تصحيح المفاهيم المغلوطة والصور المشوشة والتعميم الخاطئ حتي نتجنب نارا قد تشتعل تحت الرماد. ..................................... نحن بحاجة إلي الاستجابة لما حذر منه الرئيس مبارك بألا نترك الدين نهبا للمتآمرين عليه والمتطاولين علي ثوابته. ونحن بحاجة أيضا إلي أن نواجه الأفكار والآراء التي تسيء إلي هذا الدين. نحن بحاجة إلي خطاب مثل ذلك الذي تحدث به الإمام الأكبر ليلة القدر نجلو به حقيقة هذا الدين ونكشف به عن المعاني الرائعة والقيم السامية التي جاء بها القرآن, وتوارت خلف ركام التفاسير واجتهادات البعض الذي تدور في مسارات لم تتغير ولم تستجب للتغيير, الذي تأتي به الحياة جيلا بعد آخر. نريد أن يفهم العالم رؤية الإسلام لرسالة البشر علي اختلاف انتماءاتهم وهي- كما قال العالم الجليل وزير الأوقاف- إن الله أراد للبشر أن يتعارفوا ويتعايشوا ويتسامحوا ويتعاونوا من أجل إقامة مجتمع يسود فيه الأمن والاستقرار وترفرف في سمائه ألوية السلام. /////////////////////////// أعمال الخير في رمضان كل عام وأنتم بخير.. انقضت أيام رمضان وخرج من شهر الصيام فائزا كل من صبر علي العبادة لله والإحسان للناس طوال أيام هذا الشهر الكريم. وبرغم المعاناة مع الصيام في أشد أيام السنة حرا, فإنها أيام تظل بكرمها وروحانياتها وتكافلها أمنية نرجو أن تدوم علي مدي الأيام. المصريون في رمضان أكثر تكافلا وأشد عطفا علي المعوزين والمحتاجين. صحيح أن التراحم بين المصريين قديم ودائم وهذا التراحم هو الذي وفر الحماية الاجتماعية للفقراء من المصريين في أوقات الأزمات طوال تاريخهم إلا أن رمضان في الوجدان المصري شهر تختلف فيه العبادة, ويشتد فيه الشعور بالمحتاجين. وخلال السنوات القليلة الماضية حدث تغير ملحوظ في الأداء المصري لفعل الخير, حتي علي مستوي الأفراد والأسر البسيطة فهناك وعي ينمو بشأن مصارف الزكاوات والصدقات. ولم تعد الصدقة عند غالبية المصريين مجرد أموال تعطي لسائل فقير يلقاه الناس في الشوارع حيث أصبح البحث عن الفقراء الحقيقيين والمحتاجين المتعففين ملمحا ملموسا في مساعي الخير في مصر.. سيدات وشباب ورجال يجوبون الأحياء الفقيرة والعشوائيات وقري الريف البعيدة بحثا عن محتاج حقيقي وفقير يرجو في حياء العون من إخوانه. ..................................... لقد شاهدت وسمعت الكثير عن هؤلاء الباحثين بالعون والصدقة عن المستحقين في كل انحاء البلاد. ولم يعد الكثيرون من المصريين يكتفون بمنح أموال الزكاة والصدقات فقط ولكنهم الآن يتحملون مشقة البحث عمن يستحق إينما كان. لم يعد المانحون للصدقات قانعين بالمتسولين الذين يملأون الشوارع في رمضان, ومع قرب أيام العيد.. هم يدركون أن الكثيرين من الفقراء يتعففون في بيوتهم برغم حاجتهم فتحملوا مؤونة السعي إليهم. هذه الروح الجديدة هي التي أسفرت عن ظهور العديد من المؤسسات الخيرية الكبري, التي تجعل من أعمال الخير للأفراد والأسر العادية عملا مؤسسيا, يساعد الكثيرين في مكافحة الفقر.. ولم تعد مهمة تلك المؤسسات توفير وجبة أو ملبس لجائع أو فقير, ولكنها بالقليل الذي تجمعه من هنا وهناك ليصبح كثيرا, تكون قادرة علي وضع خطط وتنفيذ برامج ومشروعات أكثر نفعا للفقراء. بل إن بعض تلك المؤسسات الخيرية ترتاد اليوم مجالات جديدة غير مسبوقة بخدمات يحتاجها الفقراء المعوزون حيث يعيشون. فكر الصدقات والزكاة في مصر يتغير نحو الأفضل ونحو الهدف الأساسي الذي من أجله فرض الله الزكاة وحض علي الصدقات. ومازلنا بحاجة إلي عون الدعاة وعلماء الدين في ترشيد إنفاق أموال الخير حتي نصل بها إلي الاستثمار الأمثل في مواجهة مشكلات الفقر والعوز. إن تقرير مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء يقول إن المصريين ينفقون سنويا نحو45 مليار جنيه في أعمال الخير. وهو رقم يمكن علي مدي سنوات قليلة أن يقتلع الفقر تماما من بلادنا, ويحقق الأمن الاجتماعي للأسر المصرية جميعا. ولقد شهدت السنوات القليلة الماضية نموا كميا ونوعيا في أموال الزكاة والناتج الاجتماعي لها, ولكننا بحاجة فقط إلي المزيد من الدعوات لترشيد إنفاق تلك المبالغ الهائلة وتوجيه الناس إلي المجالات الأكثر نفعا للفقراء والمحتاجين. وما زلنا بحاجة إلي المزيد من الجمعيات التي يمكنها تجميع أموال الزكاة والصدقات وتعظيم منافع إنفاقها والوصول بها إلي فقراء يسكنون مناطق نائية لايمكننا الوصول إليهم.. وما تحقق في رمضان من أعمال الخير كثير وهو دليل علي الخير الذي يسكن أعماق المصريين ويوفر الأمن في المستقبل لكل مصري علي هذه الأرض. والحقيقة أننا لا يمكننا اقتلاع الفقر من ربوع الوطن إلا بتعاون كل المصريين مع حكومتهم وجمعياتهم ومؤسساتهم المحترمة التي تعمل في هذا المجال الحيوي. هناك الآن تركيز من الحكومة علي اقتلاع العشوائيات, وقد شهدنا ذلك في الدويقة بمنشأة ناصر الأيام الأخيرة من شهر رمضان. حيث انتهت المرحلة الأخيرة لإسكان أكثر من10 آلاف وحدة, ووسط فرحة عارمة قامت السيدة الفاضلة سوزان مبارك بتوزيع عقود التمليك علي الأهالي لتجعل من فرحة العيد لديهم فرحتين. فعلي مدي10 سنوات جعلت السيدة الأولي سوزان مبارك من هذه المنطقة نموذجا يحتذي به في إحداث نقلة نوعية لحياة الملايين من المصريين. وتكرر هذا المشهد في مناطق عديدة منها زينهم والنهضة وعزبة وعرب الوالدة ومنشأة ناصر وحلوان. وهذه المناطق التي تأهلت حضاريا وبيئيا جعلت منها مجتمعات آمنة ومتطورة تكفل لأهلها سبل الحياة الكريمة. وقد تضافرت جهود عديدة منها محافظة القاهرة والهلال الأحمر لجعل زينهم والدويقة نموذجا للعمل علي مواجهة الفقر. ..................................... وهناك مشروع الألف قرية الأكثر فقرا, الذي ترعاه جمعية المستقبل مع الحكومة والحزب الوطني, وهو مشروع يحتاج إلي حشد جهود رجال الأعمال والمجتمع المدني لإنجازه في أسرع وقت ممكن لتنضم القري المصرية إلي مسيرة الحضارة والتقدم. وهناك مشاريع تطوير المدارس المصرية والمناطق الحضارية المتاخمة لها, وهي تحتاج إلي تضافر جهود كبيرة لاستمرارها ورعايتها وصيانتها حتي لا تتعرض إلي التدهور مرة أخري. ..................................... أقول في النهاية إن الضمانة الحقيقية لاستمرار مواجهة الفقر بكل أشكاله المخيفة من مجتمعنا تحتاج منا نحن المصريين نظرة عاقلة وحصيفة تتسم بالرؤية المستقبلية لمواجهة المعدلات المتزايدة من النمو السكاني والتي تأكل ثمار التنمية ولا تجعلها تنعكس علي كل المواطنين كما تحتاج إلي خطط مستمرة وتضافر الجهد والاستمرار في الإرتفاع بمعدلات النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وعدم تخويفها, وأيضا دعم القطاع الخاص وترشيده ودفعه للعمل الجاد والمنظم, فهو أملنا في تنمية حقيقية, فالحكومات وحدها لا تستطيع ذلك, ويجب أن ندفع القطاع الخاص لهزيمة الفقر بكل أشكاله برغم أننا نثمن عاليا كل المشاركات والأدوار الرفيعة والخبرة التي أبداها المواطنون والجمعيات الخيرية للمساعدة وعمل الخير وإعادة تأهيل المستشفيات والمدارس بمصر في رمضان.. وكل عام وأنتم بخير.