عالم بعض رجال المال والأعمال يتسم بالإثارة والقوة والعنف وطقوس العشق والخيانة والدماء والصفقات وتهريب الأموال بما فيها المال العام المصرفي, والاستيلاء علي أراضي الدولة, والاعتداء علي بعض رجال الشرطة والمواطنين؟ عالم يبدو محميا, وله قانونه الخاص الذي يعتمد علي القوة المالية, والحراس الخصوصيين, والقدرة علي حسم أية خلافات خارج قانون الدولة.. إلخ!! ما سبق ليس سوي صورة من الصور التي تم إنتاجها في الوعي شبه الجماعي عن طبقة' رجال وسيدات المال والأعمال', من عديد المصادر بعضها: الدراما التلفازية بما فيها من بعض الحقائق, وبعض قضايا الرأي العام التي وصلت إلي عالم الشرطة والنيابة العامة والقضاء, وبعض سلوك أبناء الطبقة وأنجالهم وأحفادهم وعائلاتهم, ولاسيما في الحفلات والأفراح, ونمط الحياة المترف, وحجم الاستهلاك البذخي الذي لا نجد نظائره وأشباهه إلا في نمط حياة العائلات الحاكمة وبعض المقربين منهم في إقليم النفط! عالم يحتشد بالروايات الحقيقية, والافتراضية والتي قد تصل إلي أقصي الخيال, حول القوة, والبذخ بلا حدود, واللا مبالاة, والقدرة علي التأثير في كل شئ, وفي فرض قانون كل شئ يباع ويشتري وينتهي في السوق, الذي يضع قانونه الأقوياء! صور شائهة وشائعة تختفي وراءها بعض إنجازات بعض أبناء هذه الطبقة, بالنظر إلي روح اللا مبالاة وغياب أو ضعف المسئولية الاجتماعية لبعضهم, وأن شئت غالبهم, أو بعض من التأثير المالي والاقتصادي السلبي علي أداء الدولة والحكومة ولاسيما الحالية, ومن خلط بعضهم بين العمل الوزاري والحكومي, وبين العمل في مجال المال والأعمال, كما حدث في عديد القضايا, ومنها: منح القروض والائتمانات دونما ضمانات وهروب بعضهم, ثم لجوء المصارف إلي تسويتها مع بعضهم, أو منح بعض الوزراء مساحات شاسعة من أراضي الدولة لبعض رجال الأعمال وذوي القرابة, في ظل شبهة انتهاك القواعد القانونية واللائحية, أو منح تراخيص بلا مسوغات للبعض الآخر... إلخ. الوقائع والقضايا المثيرة وبعضها تصل الإثارة إلي الذروة حيث يختلط العشق مع الصفقات مع الفضائح... إلخ. خلال السنوات الماضية, طرحت علي قائمة الجدل العام قضية اختلاط عالم الدولة والسلطة و'السياسة', بعالم رجال المال والأعمال؟ ودخول بعضهم وتأثيره علي التشريع من خلال عضوية مجلسي الشعب والشوري, أو علي السياسة الحكومية من خلال إسناد حقائب وزارية بارزة لبعضهم! الجدل حول دائرتي السياسة والمال والأعمال, يطرح مجموعة من الأسئلة لابد من الإجابة عليها لتحليل الظاهرة, ونتائجها وانعكاساتها علي الدولة وسلطاتها وأجهزتها, وسياسات الحكم, وذلك فيما يلي: ما هي أسباب دمج أو انخراط بعض رجال المال والأعمال في العمل الحزبي والوزاري, أو ترشح بعضهم وعضويتهم لمجلسي الشعب والشوري؟ ما هي أهداف بعض رجال الأعمال من العمل السياسي؟ وما هي نتائج هذا التوجه؟ قبل الإجابة عن الأسئلة السابقة لابد من التمييز بين رصد بعض المظاهر السلوكية السلبية لبعض رجال الأعمال, وبين دور بعضهم في التنمية الاقتصادية المعاقة. أولا: سياسة اختيار رجال المال والأعمال في الحكومة والبرلمان والحزب الحاكم. في أحد التقديرات ذهبت بعض المصادر إلي أن جماعات رجال المال والأعمال يصل عددهم إلي2000 رجل وسيدة, ويمتلكون200 مليار جنيه سنويا, بما يصل إلي حوالي24% من الدخل القومي. هؤلاء يشكلون قوة ذات تركيب اجتماعي وذات توجه سياسي أمريكي وغربي, ويمثلون خيارا سياسيا واجتماعيا أقرب إلي اليمين المحافظ مع بعض الاستثناءات داخلهم! بعض هؤلاء يؤيد توجهات بعض القيادات الجديدة عند قمة الحزب الوطني في وضع الهندسة السياسية والاجتماعية للحزب والحكومة, ويبدو من متابعة هذا التوجه الحزبي أن بعضهم أراد من دمج أو تجنيد بعض رجال المال والأعمال في العمل الحزبي والوزاري والبرلماني تحقيق بعض الأهداف يمكن رصد بعضها فيما يلي: 1 أن دخول بعضهم لن يؤثر علي مصالح السلطة السياسية الحاكمة وطبيعة تشكيلها ومصادره, لأن ثمة طابعا تكنوبيروقراطيا يغلب علي طبيعة العمل الوزاري والتشريعي والحزبي, وذلك للطابع الإداري في عمليات تسيير أجهزة الدولة, وطابع اللا تسييس للنظام في نظر بعضهم, أو موت السياسة في نظر البعض الآخر. 2 محاولة إضفاء حركية علي العمل التشريعي والحكومي, ومن ثم تجاوز التعقيدات البيروقراطية في تسيير العمل التنفيذي, ومحاولة تحديث الهياكل الإدارية المترهلة. 3 أن بعض رجال الأعمال قد يكونون علي معرفة بخريطة المشكلات الاقتصادية والفنية والإدارية داخل مجال عمله الذي تعمل فيه الوزارة( الإسكان, والنقل, والصحة, والصناعة والسياحة... إلخ), ومن ثم قد يكون لديهم خبرات نوعية ومهنية تسمح له بتطوير أعمالها. 4 محاولة تحجيم وزن المكون البيروقراطي وممثلي مؤسسات القوة وفاعليها في النظام, وهو تقليد الدولة/ النظام منذ23 يوليو1952 وحتي المرحلة الحالية. 5 أن بعض رجال الأعمال سيسهمون في كسر الجمود الجيلي لهيكل إعمار الوزراء, ورجال السلطة الذي يدور بين النصف الثاني من الستينيات إلي أكثر من75 عاما. 6 استخدام القوة المالية لرجال المال والأعمال للإنفاق علي الحملات الانتخابية ودعم الحزب وبعض أنشطته. 7 دعم المشروعات الخيرية العامة وتطوير بعض المدارس, والمستشفيات, أو مشروع القراءة للجميع. ثانيا: أهداف بعض رجال الأعمال من العمل السياسي: 1 أن يطرحوا ويدافعوا عن مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية من خلال المشاركة في العمل الحزبي, والعمليات التشريعية, والسياسات العامة والقرارات الحكومية. 2 بناء مكانة إعلامية وسياسية وتشكيل أداة لتغيير بعض توجهات الرأي العام السلبية والضاغطة علي الحكومة والسلطة التشريعية إزاء دور رجال الأعمال وأنشطتهم ومصالحهم! 3 العمل الوزاري يتيح الفرص لدعم أنشطة الأنجال والأحفاد وعائلات بعضهم. 4 الحصانة البرلمانية تتيح قدر من الحماية لبعضهم, وكذلك في الحصول علي تسهيلات وتراخيص وإذونات وغيرها من المزايا الهامة. ثالثا: نتائج الخلط بين عالم المال والأعمال ورجال السياسة. تشير التجربة إلي أن غالب أهداف عملية تسييس رجال الأعمال, لم تؤد إلي تسيسهم, وإنما إلي بزنسة السياسة, ويمكننا أن نشير في هذا الصدد تمثيلا لا حصرا إلي ما يلي: أ أن رجال وسيدات المال والأعمال المصريين لم يتبلوروا بعد كطبقة اجتماعية بالمفهوم العلمي, ووفق التقاليد الثقافية والتعليمية والاجتماعية والرمزية للطبقة البورجوازية العليا, وقد أثر ذلك علي هؤلاء في أدائهم, وخطابهم السياسي الذي لا يزال شاحبا وتكنوقراطيا ويفتقر أحيانا إلي اللياقة الاجتماعية والسياسية في التعبير عن آرائهم ومواقفهم. ب غالب الوزراء من رجال الأعمال ليست لديهم خبرة سياسية سابقة, وعاشوا وتعلموا وعملوا في ظل ظاهرة اللا تسييس أو موت السياسة. ج خلط بعضهم كما حدث وطرحته الصحافة وبعض التحقيقات الرسمية بين المال العام والمشروع الخاص, وأبطلت بعض قراراتهم. د افتقار بعضهم في العمق والوعي والمنطق والمعرفة بطبيعة التحولات العولمية الكبري في الإدارة والاقتصاد والمعلومات والسياسة والمشروعات وإدارة الأعمال, وما يفرضه ذلك من تحديات هيكلية علي الدولة والنظام وسياساته ومفهوم السياسة والإدارة والاستثمار والمال. ه تنامي نفوذهم علي بعض عناصر الجماعة الصحفية بما أثر علي المواقف السياسية والمهنية للصحف والإعلام التلفازي, وأصبحوا أداة نفوذ وضغط علي الرأي العام, وعلي السياسات الحكومية. وتزايد الحضور الإعلامي والاستعراضي لبعض رجال الأعمال في مقابل تراجع دورهم الاجتماعي والثقافي, وذلك لغياب أو محدودية مشروعات اجتماعية وثقافية فعالة وقادرة علي بلورة اتجاهات جديدة في الوسط الثقافي, أو تغيير نمط الحياة في المناطق الهامشية والأكثر فقرا. تجربة سياسية واجتماعية لم تحقق نتائج هامة علي مستوي العلاقة بين عالمين, هناك تمايزات بينهما في الحياة السياسية الديمقراطية والليبرالية كما في الدول الأكثر تقدما وفي المثال الهندي. التقاليد الديمقراطية في الدولة/ الأمة الدستورية, تشير إلي أن الأحزاب السياسية والبرلمانات والعمل في إطارهم هو المدخل الرئيس للعمل السياسي والوزاري. المدخل ليس في القوة المالية ولا النجاح في إدارة الأعمال فقط, ولا الخبرة التكنوقراطية, لأنها خبرات غير كافية, فالخبرة السياسية, والتكوين والعقل والخيال السياسي أمر آخر تماما. من هنا لابد فورا من إصدار قانون يجرم الخلط بين المال الخاص للوزراء وبين المال العام والعقاب عليه بأغلظ العقوبات. من ناحية أخري لابد من الانتقال من سياسة حكومات الإدارة وسياسة اللا تسييس في تشكيل الحكومات إلي تسييس العمل الوزاري, وعندئذ سيتغير شكل وتركيبة حكوماتنا وسياساتنا وأداؤنا من الاختلال والإعطاب والفشل إلي مرحلة جديدة وانتقالية ستكون أفضل علي الأرجح! يبدو أن زمن اللا تسييس سيبدأ في التغيير لأن مصر تتغير من أسفل الآن!