تكرر مشهد إستشهاد عمال حفر الآبار التقليدية بمحافظة جنوبسيناء, فلقد فقدت مدينة سانت كاترين أثنين من عمال حفر الآبار بعد ان انهارت عليهم حوائط البئر. ومن قبل أستخرج أهالي مدينة رأس سدر جثث ثلاثة أشقاء من أحد الآبار بعد ان اختنقوا جميعا بالغازات في أثناء الحفر, والقاتل في الحالتين هو الجهل وعدم الدراية بأسرار مهنة الأجداد, بالإضافة إلي دفع خريجي الجامعات غير المدربين أو المؤهلين للعمل في مجال حفر الآبار التقليدية, ليجدوا مايغنيهم عن الاستمرار في سؤال الأهل بعد التخرج, فأذكر ان احد خريجي الجامعة رحمة الله عليه كان يقوم بحفر الآبار التقليدية بنفسه ويشارك العمال في قاع البئر ولكنني حديثا سألت عنه فعلمت انه لقي نفس المصير, فوجدت انه من واجبي الكتابة لتذكير ممتهني حرفة حفر الآبار التقليدية, التي تحفر يدويا بمتوسط قطر متر ونصف المتر وتمتد لعمق يصل الي60 مترا في المتوسط, بالأسباب التي قد تؤدي الي إنهيار حوائط الآبار وكذلك كيفية تجنب أضرار الآبار كثيرة الغازات ومناشدة وزارتي الري والبيئة للتوعية بمثل هذه المخاطر. ففي الحالة الأولي أنهارت حوائط الآبار المحفورة يدويا في رواسب الوديان المفتتة غير المتماسكة بمدينة سانت كاترين نتيجة لفقد تربة الحوائط رطوبتها الأصلية, فلقد ذكر ابوبكر الكرجي في كتابه إنباط المياه الخفية الذي كتبه منذ ألف عام تقريبا انه يمكن تجنب ذلك من خلال المحافظة علي النداوة الأصلية للتربة ويوصي بالا ينقطع الماء عنه لئلا تزول نداوته الأصلية كما يوصي بضرورة عقد قاع البئر بالحجر ويرفع من وسطها الرمل حتي تغوص في الأرض, ثم يركب عليها مربعة اخري ويستمر في ذلك حتي يصل الي تربة صلبة وبذلك يتجنب إنهيار حوائط البئر. وفي الحالة الثانية فإن التربة في رأس سدر كبريتية نفطية تكثر بها الغازات التي تنطلق في أثناء عمليات الحفر تحت الارض, ومن اخطرها غاز كبريتيد الهيدروجين وهو غاز سام تشبه رائحته رائحة البيض الفاسد وخطورة هذا الغاز ان الإنسان بعد فترة من التعرض له يفقد الاحساس ويمكننا تفادي ذلك من خلال استخدام آلة الآبار التي تقتل من ينزل اليها والموثقة في كتاب الحيل لأولاد موسي بن شاكر وهي آلة بسيطة تشبه مايستخدمه الحدادون حيث تصنع انبوبة من الجلد تدلي في البئر الي مستوي الحفر, والطرف الآخر في الأعلي يتلقي نفخا بواسطة كير مما يؤمن مصدرا للأكسجين الدائم لمن يقوم بالحفر فلا يضار بالغازات والأدخنة الموجودة في قاع بعض الآبار. وفي هذا السياق آناشد وزارة الموارد المائية والري والبيئة القيام بحملة توعية موجهة في هذا السياق الي المناطق التي ينتشر بها حفر مثل هذه النوعية من الآبار وعدم تجاهل هذه المهنة وهؤلاء العمال الأبطال الذين يضحون بحياتهم من اجل نهضة وتنمية هذا الوطن, بدلا من التركيز علي متطلبات تراخيص حفر الآبار ودراسات الاثر البيئي. د.كمال عودة غديف جامعة قناة السويس