الإسلام الذي سمح للمسلم بالزواج من الكتابية والزواج سكن ومودة ورحمة يسع أن تتعانق فيه الأديان السماوية علي مائدته في ضوء ثوابته المقررة في القرآن الكريم. وتروي كتب السيرة النبوية أن محمدا صلي الله عليه وسلم. حينما كان يدعو أحد زعماء القبائل إلي الإسلام ويسمي سويد بن صامت فأجابه لعل الذي معك مثل الذي معي, فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم:ما الذي معك؟ قال: حكمة لقمان, فقال الرسول صلي الله عليه وسلم أعرضها علي, فعرضها, فقال الرسول صلي الله عليه وسلم: إن هذا الكلام حسن والذي معي أفضل من هذا, قرآن أنزل علي هو هدي ونور.. فتلا عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم القرآن ودعاه للإسلام فأسلم, والمسلم لا يكون مسلما إلا إذا آمن بموسي وعيسي وسائر الأنبياء الذين بعثهم الله داعين إلي توحيده وتوجهم بمحمد صلي الله عليه وسلم وأكمل بنيانهم به. ووحدة الدين أرسي القرآن الكريم دعائمها ووضح معالمها في قول الله تعالي: شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه( سورة الشوري آية رقم13) ويقول الله تعالي ولما جاء عيسي بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله واطيعون( سورة الزخرف آية رقم63), وحينما بعث الله محمدا صلي الله عليه وسلم وتعرض المسلمون في مكة للاضطهاد والتعذيب هاجر بعضهم إلي الحبشة فوجدوا الأمن والأمان في ظل الملك المسيحي العادل النجاشي, لكن قريشا أرسلت رسولين إلي النجاشي يطلبان منه تسليم المسلمين وردهم إلي بلادهم, فأرسل النجاشي للمسلمين وحاورهم وكان المتحدث باسم المسلمين في هذا الحوار هو جعفر بن أبي طالب فقال له: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, ونقطع الأرحام ونسئ الجوار, ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا علي ذلك حتي بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلي الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان, وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء, ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات, وأمرنا بأن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا, وأمرنا بالصلاة والزكاة.. وعدد عليه أمور الإسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه علي ما جاء به من الله فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا, فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلي عبادة الأوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث, فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلي بلادك واخترناك علي من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك. فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله شئ؟ قال له جعفر: نعم, فقال له النجاشي, فاقرأه علي, فقرأ عليه صدرا من سورة مريم فبكي النجاشي حيث اخضلت لحيته وبكي أساقفته حتي أخضلت لحاهم أي ابتلت من الدموع حين سمعوا ما تلا عليهم ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسي ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا, فوالله لا أسلمكما إليهم, ثم استمر الحوار بعد ذلك, فقال لهم النجاشي ما تقولون في عيسي ابن مريم؟ فقال جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا.. نقول هو عبدالله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلي مريم العذراء البتول, فضرب النجاشي بيده علي الأرض فأخذ منها عودا ثم قال: والله ما عدا عيسي ابن مريم ما قلت هذا العود.. أي أن ما أتي به عيسي لا يخالف ما جاء به محمد صلي الله عليه وسلم, ذلكم معالم الحوار والتعانق بين الأديان أما أن يكون الحوار علي حساب ثوابت الإسلام وعقيدة المسلمين فأمر مرفوض يكشف عن سوء الطوية وخبث النية.