يختلف إحساس الناس بالزمن اختلافا عظيما, فكثيرون هم الذين لا يعيرون الزمن اهتماما يذكر, تمر عليهم الأيام ولا يكادون يشعرون بها لذا فهم موتي في حياتهم. قليلون هم الذين يسابقون الزمن, ويشعرون بقيمته, ليحققوا شيئا في حياتهم القصيرة لأنفسهم وأوطانهم ربما يجعلهم من الخالدين. لذا تتبدي عبقرية أمير الشعراء شوقي في رثائه للزعيم مصطفي كامل في قصيدته التي مطلعها: المشرقان عليك ينتحبان قاصيهما في مأتم والداني وفيها حكمته البديعة: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني إن العقلاء فقط هم الذين يقيسون الزمن بالدقائق والثواني, لا بالشهور والسنين. وهؤلاء هم الذين يكتب لهم الخلود برغم قصر وجودهم في الحياة الدنيا. والأمثلة كثيرة لهؤلاء الذين فرضوا وجودهم فرضا: أبوالقاسم الشابي الشاعر التونسي الكبير الذي جمع شعره بعبقرية نادرة بين الثورة والرومانسية لم يجاوز ال25 من عمره! مصطفي كامل المناضل المصري الكبير الذي زلزل الأرض من تحت أقدام المعتدين, وفضح المحتلين أمام العالم كله, لم يتخط ال34 بدر شاكر السياب الشاعر العراقي الكبير الذي جدد الشعر العربي وغير مجراه في جرأة بالغة لم يجاوز ال38 بوشكين أمير الأدب الروسي الذي عبر بأدبه عن آلام الإنسان وآماله, لم يتعد ال38 أمل دنقل الجنوبي العظيم الذي حول الكلمات قذائف ألهبت ظهور الطاغين لم يعش سوي43 عاما. إن هؤلاء العظماء وغيرهم كثيرون ليجدر بشبابنا الاقتداء بهم. وقراءة سيرتهم التي حتما ستمدهم بمداد روحي كبير, وستجعلهم لا يستسلمون لصعوبات هذا الزمان وما أكثرها! ورحم الله الأستاذ العقاد القائل: رب عمر طال بالرفعة لا بالسنوات وقطيرات زمان ملأت كأس حياة