7 قرارات جديدة للحكومة.. تعرف عليها    وزير الشئون النيابية يبحث مع "الشوربجى" تعزيز الشراكة مع وسائل الإعلام    محافظ الأقصر يستقبل وفد الأمم المتحدة للتنمية الصناعية    رئيس اقتصادية قناة السويس: لابد من التكاتف بين الجميع لتحقيق قفزات بالوقود الأخضر    وزير الخارجية: أكثر من 70% من المخاطر المناخية مرتبطة بالمياه    البرلمان الإيراني يمنع تولي "سني" منصب نائب الرئيس    لقطات من رحلة بعثة الأهلي إلي السعودية لمواجهة الزمالك في السوبر الإفريقي    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بالسويس    انتهاء تصوير 50% من مشاهد روج أسود    قدميها لأبنائك طوال الدراسة، أطعمة تقوي الذاكرة والتركيز    محافظ الجيزة يتفقد مستشفي أطفيح المركزي (صور)    مسؤول لبناني: شركات الطيران العربية والأجنبية أوقفت رحلاتها لمطار بيروت باستثناء واحدة    الإمارات تُعلن استشهاد 4 من قواتها المسلحة إثر تعرضهم لحادث    جامعة مطروح تنهي استعداداتها لاستقبال العام الدراسي الجديد    وفد التحالف الوطنى للعمل الأهلى يزور مقر مؤسسة صناع الحياة لبحث مجالات التعاون    محافظ أسوان ونائب وزير الإسكان يتفقدان خزان أبو الريش العلوي بسعة 4 آلاف مكعب من محطة جبل شيشة    مدبولي: اختيار 5 مناطق على ساحل البحر الأحمر للطرح ضمن الخطط التنموية    شغل ومكافآت وفلوس كتير.. 4 أبراج فلكية محظوظة في بداية أكتوبر    الفنان والمنتج شادي مقار عن مسلسل برغم القانون: اكتسبت وزن من أجل المصداقية    سكرتير عام مطروح المساعد للأهالي: التصالح هو ميراثك للأجيال القادمة    رئيس الوزراء: نحن على المسار الصحيح في التعليم الأساسي والجامعي    رئيس جامعة القاهرة يبحث مع وفد مجلس الشيوخ الفرنسي سبل التعاون    مدرب السد القطري: مباراة الغرافة ستكون صعبة للغاية    ميكالي يستقر على إقامة معسكر لمنتخب 2005 في التوقف الدولي المقبل (خاص)    وزير الدفاع: التحديات الإقليمية تفرض علينا أن نكون على أهبة الاستعداد    تنظيف وتعقيم مسجد وضريح السيد البدوي استعدادًا للمولد (صور)    بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس ودرجات الحرارة غدا الخميس 26 سبتمبر 2024    أول تعليق من أسرة الطفلة «علياء» بعد مقابلة رئيس الوزراء.. ماذا قالت له؟    رئيس هيئة الدواء: سحب كافة الأدوية منتهية الصلاحية وليس نسبة منها    عاجل - رئيس الوزراء: الحكومة تواصل تحسين التعليم    ماكرون يدعو إيران للعب دور إيجابي في تهدئة شاملة بالشرق الأوسط    أيتن عامر عن أزمتها مع طليقها : «الصمت أبلغ رد» (فيديو)    13 مليون جنيه إجمالي إيرادات فيلم عاشق بدور العرض السينمائي    بمشاركة أكثر من 40 دار نشر.. افتتاح النسخة الأولى من معرض نقابة الصحفيين للكتاب    تفاصيل الحلقة ال 8 من «برغم القانون».. إيمان العاصي تعرف حقيقة زوجها    الصحة اللبنانية: 15 شهيدًا في غارات إسرائيلية على الجنوب    النائب محمد الرشيدي: جرائم الاحتلال الإسرائيلي في لبنان تشعل فتيل الصراع بالمنطقة    إجراء 267 ألف تدخل طبي في مستشفيات التأمين الصحي الشامل    بالصور- تطعيم 63.6% من تلاميذ مدارس الوادي الجديد ضد السحائي    «صحة المنوفية»: إدارة المتوطنة قدمت خدماتها ل20 ألفا و417 مواطنًا في مجالات الفحص والمكافحة    بينها تجاوز السرعة واستخدام الهاتف.. تحرير 31 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    تتخطى مليار دولار.. شركة تابعة للسويدي إليكتريك تشارك في إنشاء محطة توليد كهرباء بالسعودية    "بعد السوبر".. مصدر ليلا كورة: الزمالك يتفق مع الغيني جيفرسون كوستا    وزارة التموين تحصر أرصدة السكر المتبقية من البقالين    عملت وشم فشلت في إزالته هل صلاتي باطلة؟.. رد حاسم من داعية (فيديو)    إمام عاشور يكشف مفاتيح الفوز على الزمالك ودور اللاعبين الكبار في تألقه    حارس ليفربول: 5 أمور تحسنت في مستوى محمد صلاح تحت قيادة آرني سلوت    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 25-9-2024 في محافظة البحيرة    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    خالد جلال يناقش خطة عروض البيت الفني للمسرح ل3 شهور مقبلة    ضبط 200 ألف علبة سجائر بقصد حجبها عن التداول بالغربية    عقب تداول «فيديو».. سقوط لصوص أغطية بالوعات الصرف بالمنصورة    تكريم الإنسانية    ما أهمية نهر الليطاني في الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟    تشكيل ليفربول المتوقع.. 7 تغييرات.. وموقف صلاح أمام وست هام    هل هناك نسخ بالقرآن الكريم؟ أزهري يحسم الأمر    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماضي 7 تلاف سنة حضارة + حاضر 7 تلاف سنة ماضي = مصر
نشر في الدستور الأصلي يوم 20 - 08 - 2010

«أشكر الله أني ولدت يونانياً لا بربرياً.. حراً لا عبداً.. رجلاً لا امرأة.. ولكني فضلاً عن ذلك أشكره أني عشت في زمن سقراط».. لأن إيماني لا يقل عن إيمان «أفلاطون» صاحب تلك المقولة.. لذا..اسمحوا لي أن أنحو نفس المنحي بتاعه.. وأشكر الله أيضاً علي أني قد ولدت مصرياً مش أي حاجة تانية.. حراً لا عبداً.. رجلاً لا امرأة.. ولكنني فضلاً عن ذلك أشكره أني عشت في زمن الرئيس مبارك.. وسوف أتخذ من شوية الباراجرافات اللي جايين سبيلاً لشرح وتقصيص معني ومغزي ودلالة كل «شكراً» من الأربع «شكرانات» اللي فوق.. يا مسهل..
فأما بالنسبة لشكراً الأولانية والخاصة بأني قد ولدت مصرياً مش أي حاجة تانية.. فاسمحوا لي في البداية وقبل ذكر سبب الشكر أن ألفت انتباهكم إلي اختلافه كل الاختلاف عن أمنية الزعيم المصري مصطفي كامل والمتمثلة في أنه لو لم يكن مصرياً لتمني أن يكون مصرياً.. فشتان الفارق بين بني آدم يشكر ربه علي أنه قد خلقه مصرياً بالفعل.. وبين بني آدم آخر يؤكد أنه لو لم يكن ربه قد خلقه مصرياً.. وخلقه تبتياً مثلاً.. لكان قد أنفق لياليه منعزلاً علي إحدي قمم جبال التبت باكياً وناعياً حظه ومناجياً ربه لكي يخلقه تاني.. بس مصرياً.. مش تبتياً.. شتان هو الفارق بين شكر ده.. وأمنية ده.. لذا لزم التنويه.. وشكراً.
نعود للسبب الذي يجعل البني آدم منّا ممتناً بمصريته.. شاكراً الله عليها.. وهو السبب المتمثل في عبقرية الدراما غير المسبوقة.. أين يمكن للبني آدم منّا العثور علي عبقرية غير مسبوقة علي مستوي الأمم مثل عبقرية مصر.. تلك العبقرية المتناقضة والعبثية والنادرة والقادرة علي الجمع بين ماضي 7 تلاف سنة حضارة.. وحاضر 7 تلاف سنة ماضي.. تلك العبقرية القادرة علي الجمع بين ماض كنا أسياده ومصدر إضاءته ونور عبقريته.. وبين حاضر أصبحنا عبيده وعالمه الثالث وظلام تأخره.. أين يمكن للبني آدم منّا أن يجد شعباً عبقرياً مثل الشعب المصري الجميل الصامد والثابت في وجه كل من تعاقبوا علي حكمه.. بدءاً من مينا موحد القطرين وانتهاء بالرئيس مبارك.. أي شعب عادي كان زمانه «فيَّص» من زمان.. ولكنها عبقرية مصر وعبقرية شعب مصر وعبقرية الموقع الجغرافي لمصر وعبقرية الدراما غير المسبوقة التي يتشكل من حكاياتها تاريخ مصر.. إنها عبقرية الصراعات الدرامية المتداخلة في بعضها بشكل عبقري والتي تملأ شوارع وبيوت وصدور الناس في مصر.. مصر الحضارة العظيمة.. التي علّمت العالم أساسيات كل حاجة.. فلما تعلمها.. أنتخت هي ونامت.. وتركت العالم يواصل تطوره براحته بعيداً عنها.. هل ترون أن الحياة فيلم سينما طويل من نوعية الكوميديا السوداء العبثية؟! إذن.. عليكوا وعلي مصر!
كان هذا عن «شكراً» الأولانية.. أما بالنسبة ل«شكراً» الثانية.. والخاصة بأني قد ولدت حراً لا عبداً.. أتصور أنها واضحة.. ولا تحتاج للشرح.. وأما بقي بالنسبة ل«شكراً» الثالثة.. والخاصة بأني قد ولدت رجلاً لا امرأة.. فهي وإن كانت تبدو في مقولة «أفلاطون» أنها تنطوي علي تقليل من شأن المرأة.. فدعوني أؤكد لكم أنها في المقولة بتاعتي أنا لا تنطوي علي ذلك إطلاقاً.. بالعكس.. تنطوي علي خالص التقدير والاحترام والحب للمرأة..لذا.. أشكر الله علي أنه قد خلقني رجلاً.. لأصبح قادراً علي التعبير عن كل تلك الكمية العارمة من الحب التي تملأ صدري تجاه كل امرأة جميلة علي ظهر هذا الكوكب!
نيجي بقي ل«شكراً» الرابعة والأخيرة.. وهي «شكراً» التي تختزل بداخلها 30 عاماً من سنوات عمري القليلة.. شكراً علي أني عشت في زمن الرئيس مبارك.. فهي فرصة لم تتح للكثيرين من أبناء كوكبنا الأرضي الجميل..القليلون فقط هم من يحظون بمثل تلك الفرصة التاريخية النادرة.. أن يحكمهم رئيس واحد وحزب واحد ووجوه واحدة لمدة 30 عاماً.. ولهواة الصيد في الماء العكر.. دعوني أؤكد لكم أنها شكراً صادقة وبجد.. فمعاصرة رئيس واحد لفترة كبيرة مثل تلك قادرة علي منحك رؤية أوضح للأمور.. أو بمعني أصح.. لما آلت إليه الأمور.. تستطيع الآن وأنت مضطجع علي الكنبة بجوار البلكونة في ساعة عصرية ترتشف من كوب شاي في يدك أن تسرح في تفاصيل سنوات عمرك الماضية والتي أنفقت منها 16 سنة في مدارس وجامعات مصرية وحكومية كأقصي ما تكون الحكومة.. لولا حدوث ذلك.. لما كنت قد أصبحت قادراً علي وضع يدي علي موضع الخلل في مصر بشكل محدد تماماً.. كان لابد أن أجرب بنفسي يعني إيه مفيش اهتمام في المدارس بالأنشطة والفنون.. لأعلم السبب الحقيقي وراء كل ذلك النحت الرخيص الذي يتم طرشه في وجوهنا وفي آذاننا يومياً عبر شاشات التليفزيون والسينما وعبر سماعات الكاسيتات و«الدي في دي بلايرز».. كان لابد أن أري بنفسي كيف يتعامل المدير مع المدرسين والطلبة في المدرسة ثم كيف يتعامل مع وكيل الوزارة عند زيارته المفاجئة للمدرسة (والتي غالباً ما تكون معروفة قبلها بيومين).. لأعرف كيف يتعامل الوزير مع رجاله في وزارته ثم كيف يتعامل مع رئيس الوزراء بعد ذلك.. ثم كيف يتعامل رئيس الوزراء مع الرئيس.. لولا تجربة ليلة التعليم ما كنت قد تمكنت من فهم ليلة السياسة.. كان لابد أن أري بنفسي المكتبة في تلات تربع مدارس مصر، وقد أصبحت مكاناً لإفطار واجتماع المدرسين والمدرسات حتي أستطيع أن أفهم السبب الحقيقي وراء خلو ال500 جامعة الأولي علي مستوي العالم من جامعة القاهرة.. كان ينبغي عليّا أن أقضي 4 سنوات في كلية لم أحلم يوماً بدخولها.. لأكتشف في نفسي أشياء لم أكن أعرفها من قبل.. كان ينبغي عليّا أن أقضي 4 سنوات بدون أنشطة فنية أو مشاركة سياسية (رحلات وحفلات وبس) أو قدرة علي التعبير عن النفس.. كان ينبغي أن يحدث هذا.. لأستطيع أن أقفش وأقرر التعبير عن نفسي!
خلال ال30 عاماً الماضية.. استوعبت وفهمت الكثير والكثير مما لم أكن أعلمه من قبل.. مفاهيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وتداول السلطة والشفافية وحرية تداول المعلومات.. وبصرف النظر عن أن إدراك تلك المفاهيم جاء عن طريق تطبيق مبدأ معرفة الشيء بضده.. بمعني.. س: «إيه هو تداول السلطة؟»، ج: «هو اللي ما بيحصلش هنا».. وهكذا.. إلا أن المعرفة المتكئة علي مثل هذا المبدأ معرفة أرسخ وأقوي وأكثر تأثيراً في ذاكرة ونفسية البني آدم منّا.. من منطلق أن شغفك بما تتمناه ولست تملكه.. أرسخ بكثير من شَغفك بما تملكه بالفعل.. وربما كان هذا هو السبب الحقيقي وراء شغفي بالتعليم.. بالتعليم اللي بجد.. وهو الشغف الذي ارتكزت قوته الحقيقية وإحساس البني آدم منّا به علي ركيزة أساسية ومهمة جداً.. ألا وهي.. غيابه!
الآن.. أعلم أني لو لم أتعلم في مدارس وجامعات مصر وفي تلك الحقبة التاريخية التي تجلل جبهتها نقطة سوداء مكتوب عليها.. «التعليم».. ولو شاءت لي أقداري أن أتعلم بجد في مدارس بجد.. وفي جامعات تتعامل مع عقلي بجد.. لو حدث هذا.. لما كنت قد فهمت شيئاً فيما يخص الدراما العبقرية المصرية غير المسبوقة.. ولما كنت قد استطعت أن أضع يدي علي موضع الخلل الرئيسي.. وهو.. التعليم المصري الذي لا يمت لكلمة «تعليم» من بعيد أو من قريب بأي صلة!
لهذا كله.. أحمد الله الذي خلقني مصرياً أعيش خلال تلك الحقبة التاريخية المصرية المباركة أزهي أيام فِهمي للأمور.. أحمد الله علي جعلي معاصراً لنظام الحكم الحالي.. متعلماً في مدارسه وجامعاته.. شارباً من مياهه.. واكلاً من فاكهته وخضرواته.. مبرطعاً في شوارعه وميادينه.. متعاملاً مع منظماته ومؤسساته ومجمع تحريره.. أحمد الله.. فلولا ذلك لما كنت قد فهمت شيئاً عن تلك الدنيا «الفونيا».. ولما كنت قد عرفت حاجة عن ذلك الزمن «الكبَّاس»!
أحياناً.. في نوبات تأملاتي الوجودية كنت أحقد علي أجدادي الفراعنة.. هؤلاء الذين شاءت لهم أقدارهم أن يكون ال Casting بتاعهم في تلك الحقبة الفرعونية القديمة.. علي أساس أنهم هم الذين شاهدوا وشهدوا تلك اللحظات العظيمة التي كانت الحضارة التي مهدت الطريق لنور البشرية تنبني فيها أمامهم.. الآن.. نسيت حقدي كله في لحظة.. وأصبحت أري أنه لا داعي لهذا الحقد.. فها أنا أيضاً أتمتع بميزة لم يتمتع بها هؤلاء الراحلين منذ آلاف السنين.. وإذا كانوا هم قد شهدوا تلك الحضارة العظيمة تنبني أمامهم.. فها أنا أشهد نفس الحضارة العظيمة.. بس وهي بتنهدم أمامي.. لحظة تاريخية بقي.. ولا مش تاريخية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.