متغيرات كثيرة طرأت علي الساحة الاقتصادية والسياسية عالميا ومحليا من شأنها التأثير علي مناخ الاستثمار في مصر.. فعلي المستوي الاقتصادي العالمي بدأت بشائر حالة من التعافي من آثار الأزمة المالية العالمية. وتوقعات قوية بعودة شهية المستثمر العالمي للاستثمار مجددا خاصة في الأسواق الناشئة التي أثبتت جدارتها خلال الأزمة ومن بينها مصر.. وعلي المستوي المحلي انتخابات مرتقبة للبرلمان والرئاسة يمكن أن تلقي بظلالها علي توجهات المستثمر المحلي والأجنبي.. تشريعات جديدة تزيد علي14 تشريعا ستصنع' كيمياء' جديدة في السوق المصرية ومن أهمها قانون منع تضارب المصالح والشراكة بين القطاعين العام والخاص.. تحرك جديد في بوصلة اهتمامات صانع القرار السياسي والاقتصادي بمزيد من التعاون والترابط مع دول حوض وادي النيل.. وزحف مصري لشرق العالم الآسيوي الصين والهند يزيد من التساؤلات حول مستقبل الاستثمار مع الشركاء التقليديين.. هذه المتغيرات كانت وراء حوارنا اليوم مع وزير الاستثمار الدكتور محمود محيي الدين الذي رصد هذه المتغيرات وأكثر منها في حوار صريح ومهم فتابعوا هذه السطور.. * الأهرام: الاستثمار هو قاطرة النمو والقادر علي خلق فرص العمل و رفع مستويات المعيشة. فكيف ترون النمو في معدلات الاستثمار في الفترة الأخيرة و ما هي التوقعات المستقبلية ؟ الوزير: الاستثمار ليس هدفا في حد ذاته و لكنه وسيلة لتحقيق النمو و خلق فرص العمل و من المتوقع زيادة الاستثمارات الخاصة في العام المالي2009-2010 علي العام السابق حيث بلغت الاستثمارات الخاصة خلال العام المالي2009/2008 حوالي113.5 مليار جنيه, بينما بلغت خلال التسعة شهور الأولي من العام المالي2010/2009 نحو106.7 مليار جنيه, لذا نتوقع زيادتها خلال العام المالي الجاري, و من المنتظر الإعلان عن الأرقام النهائية للاستثمار في العام المالي المنتهي منذ أسابيع من جانب وزارة التنمية الاقتصادية خلال أيام. وتصل نسبة الاستثمارات العامة في العام المالي الأخير الي6,86 مليار جنية و من المتوقع أن يرتفع معدل النمو الاقتصادي ليتجاوز5%. * الأهرام: رغم التقدم الذي حققته مصر في التقارير الدولية لتقييم مناخ الأعمال إلا أن مصر لم تتمكن حتي الآن من جذب استثمارات أجنبية و كذلك محلية مثلما حدث من طفرات في دول جنوب شرق آسيا. فما السبب في هذا و كيف ترون إمكانية التغلب عليه ؟ الوزير: هناك العديد من المؤشرات الإيجابية بشأن حالة الاستثمار في مصر وردت في التقارير الدولية مثل تقرير ممارسة أنشطة الأعمال, حيث تقدمت مصر عالميا في مجال تأسيس الشركات من المركز126 في عام2007 إلي المركز24 في عام2010, بتقدم102 مركز وهي بذلك تفوقت علي كثير من الدول المتقدمة اقتصاديا, وتقدمت85 مركزا في مجال الحصول علي الائتمان, و60 مركزا في مجال تسجيل الملكية, و57 مركزا في مجال الاستيراد والتصدير, و32 مركزا في مجال حماية حقوق صغار حملة الأسهم, و12 مركزا في مجال سداد الضرائب, وتسعة مراكز في مجال الحصول علي تراخيص البناء, هذا بالإضافة إلي تحسن مركز مصر في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال من المركز165 في تقرير عام2007 إلي المركز106 في تقرير عام2010, بتقدم59 مركزا. و بالفعل تمكنت مصر من جذب استثمارات أجنبية في الفترة من2004 و حتي الآن تصل الي7,46 مليار دولار و بلغ صافي تدفق الاستثمارات الأجنبية الي3,4 مليار دولار في التسعة أشهر الأولي من العام المالي2009-2010. و مصر قادرة بلا شك علي جذب معدلات مرتفعة من الاستثمار تفوق ما تم التوصل اليه و نعمل علي تحقيق ذلك من خلال فتح مجالات جديدة للاستثمار في البنية الأساسية و الترفيق الصناعي و مشروعات الطاقة الجديدة و المتجددة و العمل علي الترويج للاستثمارات في دول جديدة وهي دول جنوب شرق آسيا و كذلك التركيز علي الدول العربية. * الأهرام: لاحظنا بالفعل في الفترة الأخيرة تحول خطط الترويج للاستثمار الي دول جنوب شرق آسيا فهل هذه السياسة الجديدة يمكن أن تهدد العلاقات التجارية و الاستثمارية المتميزة مع بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية؟ الوزير: أعلنا عن توجه برامج الترويج الاستثماري لهيئة الاستثمار بالتركيز علي دول جنوب شرق آسيا و الدول العربية باعتبار هذه الدول من المناطق الواعدة لجذب الاستثمارات منها و بالفعل نجد ترحيبا كبيرا و استعدادا واضحا من جانب المستثمرين في هذه الدول للدخول في السوق المصرية و الإستفادة من فرص الاستثمار خاصة في الصعيد و المناطق الجديدة التي تحظي بالعديد من المزايا و التسهيلات و إحتلت الصين في العام المالي2008-2009 مرتبة الدوله الأكثر استثمارا في مصر كما دخلت الهند بقوة علي خريطة الاستثمار في مصر و كذلك هناك استثمارات عربية و خليجية متميزة في مصر ليس فقط في مجال العقارات و لكن أكثر هذه الاستثمارات تتركز في القطاع المالي. ونسعي للمضي قدما في هذا الإتجاه الذي لن يكون له أي تأثير علي علاقاتنا التاريخية و تعاوننا الاقتصادي و الاستثماري مع الدول الأوروبية و أمريكا فهذه العلاقات ممتدة علي مدي عشرات السنوات و نسعي لزيادتهاو استمرارها بالتوازي مع الترويج الاستثماري في الدول العربية و الآسيوية. * الأهرام: وماذا بشأن التوجه الاستثماري الي دول حوض النيل التي لهاأهمية إستراتيجية بالنسبة لمصر ؟ الوزير:العلاقات مع دول حوض النيل لها عدة أبعاد و لا تقتصر فقط علي محور الاستثمار فالاستثمار ليس الطريق الوحيد لدعم هذه العلاقات فهناك عدة قنوات يتم العمل عليها منها التجارة و الاستثمار والتعاون الفني و التعليم والثقافة بالإضافة الي السياحة حيث تحظي هذة الدول بإمكانيات كبيرة في مجال السياحة يمكن الإستفادة منها. و بالنسبة لمحور الاستثمار فمعظم هذه الدول ليس لديها فوائض استثمارية أو شركات كبري و لكن لديها العديد من الفرص التي يمكن التعاون معها فيها من خلال مشروعات مشتركة في عدة مجالات منها البنية الأساسية و الصناعات الغذائية. وبالفعل قمنا بعدة جولات ترويجية في هذة الدول من خلال بعثات فنية لهيئة الاستثمار. * الأهرام: لماذا تأخرت مصر في توجيه مزيد من الإهتمام لمحور الاستثمار مع إفريقيا كأحد المحاور المهمة لدعم العلاقات وزيادة التعاون و التواصل مع هذه الدول ؟ الوزير: العلاقات مع إفريقيا ودول حوض النيل كانت دائما في بؤرة الاهتمام فمنذ الستينات تم إقامة عدة شركات مصرية في هذه الدول منها شركة النصر و لكن في الفترات السابقة كان حجم و عدد الشركات في مصر غير كافي للتوسع بشكل أكبر في إفريقيا أماالآن فنعمل علي دعم هذه العلاقات ليس بمجرد إعادة الآليات التي كانت مستخدمة في الستينيات لأنها لم تعد كافية و لكن من خلال دعم الشركات التي كانت قائمة بالفعل و لهاعشرات الفروع و كذلك الدخول في مشروعات مشتركة جديدة مع الدول الإفريقية من خلال تجمع الكوميسا الذي يضم معظم دول حوض النيل. و بالفعل خلال المؤتمر الأخير للاستثمار في الكوميسا و الذي عقد في مدينة شرم الشيخ في بداية العام تم الترويج للعديد من المشروعات و عرض الفرص المتاحة للتعاون و كذلك الإتفاق علي عدة برامج للتعاون الفني و الإعداد لزيارات استثمارية لهذه الدول لبحث العمل في مشروعات للمقاولات و البنية الأساسية و الصناعات الغذائية و الطاقة وسيتم الاستمرار في هذا الإتجاه. * الأهرام: هل إقبال مصر علي إنتخابات برلمانية بعد أشهر قليلة و أخري رئاسية العام المقبل يمكن أن تؤثر علي جذب الاستثمارات الأجنبية و كذلك المحلية أم أن الوضع مستقر ؟ الوزير:من المؤكد أن الحالة السياسية يكون لها تأثير كبير علي الاستثمارات و من الطبيعي أن يتابع المستثمرون التطورات السياسية و الاقتصادية في البلد الذي يقدمون علي الاستثمار فيه و مصر تتمتع بحالة استقرار سياسي و ليس معني قرب الانتخابات البرلمانية و الرئاسية أن هناك عدم استقرار فهذه أمور طبيعية تحدث في كل دول العالم و ليس لها تأثير علي الاستثمارات. و مما يؤكد عدم وجود تأثير للانتخابات المقبلة بنوعيها البرلماني و الرئاسي علي حالة الاستثمار في مصر هو مؤشر تأسيس الشركات التي يتم إصداره بشكل أسبوعي ففي العام المالي2009-2010 وصل عدد الشركات المؤسسة الي7268 شركة وهذه الشركات التي يتم تأسيسها الآن سيستغرق إنشاؤها و بدء نشاطها عاما او عامين و معني ذلك أنها ستدخل السوق فعليا بعد الانتخابات و إذا كان هناك اي تخوف من هذه الانتخابات علي الاستثمار لما أقبل أصحاب هذه الشركات علي تأسيسها في هذا الوقت. * الأهرام: مع الزيادة الكبيرة في تأسيس الشركات في مصر ما هو التوزيع القطاعي لهذه الشركات و ما هو نصيب المحافظات المختلفة منها ؟ الوزير: التوزيع القطاعي للشركات المؤسسة يؤكد تنوع الاقتصاد المصري حيث تصل نسبة الشركات المؤسسة في قطاع الإتصالات الي7.4% و قطاع الإنشاءات14.2% و قطاع التمويل0.1% و الخدمات43.1% والزراعة8.2% والسياحة8.4% والصناعة18.6%. كما تتميز هذه التأسيسات الجديدة بتوزيعها الجغرافي علي كافة المحافظات حيث تصل نسبة التأسيس في الوجة البحري الي13.7% و في الوجة القبلي الي7.1% و الإسكندرية7% والجيزة21.7% والقاهرة42.4% والحدود4.4% و القناة3.7%. * الأهرام: شهدت محافظات الصعيد خلال السنوات الأخيرة إهتماما واسعا من القيادة السياسية, فكيف ترون مستقبل الاستثمار في الصعيد في الفترة المقبلة و ما هو دور شركة الصعيد للاستثمار وأحدث مشروعاتها ؟ الوزير: الحقيقية أنني مستبشر خيرا بما يحدث في الصعيد من تطور كبير في الفترة الأخيرة و الدليل علي ذلك ترحيب العديد من المستثمرين العرب والأجانب بالتوجه باستثماراتهم الي محافظات الصعيد و ذلك مع التوسع في مشروعات البنية الأساسية في الصعيد و إنشاء مدن صناعية و استثمارية لجذب مزيد من المستثمرين. و بالنسبة لشركة الصعيد للاستثمار و هي شركة تم تأسيسها في عام2007 و يساهم فيها كلا من بنك مصر و البنك الأهلي و الشركة القابضة للسياحة و الشركة القابضة للتأمين و الهيئة العامة للاستثمار و مقرها الرئيسي في أسيوط و تعمل الشركة علي المساهمة في إقامة بعض المشروعات و منها تمويل إنشاء فنادق في أسيوط و سوهاج كما تقوم بافتتاح مصنع خلال أيام في بني سويف الي جانب تقديمها لدراسات الجدوي للمشروعات والمساهمة في البعض الأخر. * الأهرام: طريق الصعيد البحر الأحمر من أهم المشروعات التي قامت الوزارة بتمويلها و هو من المشروعات القومية التي ستنشئ شريانا جديدا للتنمية, ما هو الأثر التنموي للطريق و كيف يمكن تعظيم الاستفادة منه ؟ الوزير: طريق الصعيد البحر الأحمر يمثل نقلة نوعية كبري لمحافظات الصعيد حيث يربط الطريق بين محافظات الصعيد وبين ميناء سفاجا علي البحر الأحمر مما سيوفر وسيله نقل آمنة للمواطنين و البضائع و سيعمل علي اختصار المدة الزمنية للانتقال البشري و السلعي لأقل من3 ساعات وبالتالي سيتيح المجال أمام المشروعات لزيادة إنتاجها و التوسع في أعمالها و توظيف مزيد من الأيدي العاملة و ذلك من خلال فتح بوابه لتصدير منتجاتها عن طريق ميناء سفاجا. كما أن الطريق الذي وصلت تكلفته الي6,1 مليار جنيه بالإضافة الي مليار جنيه أخري لأعمال الصيانة و الازدواج سيوفر العديد من المشروعات التنموية التي يمكن إنشاؤها حول الطريق في عدة مجالات صناعية و عمرانية وسياحية وزراعية الي الجانب المشروعات الخاصة بخدمة الطريق و سيتم الترويج لهذه المشروعات وجذب استثمارات عربية و أجنبية اليها. وبالتالي العائد المتوقع علي الاقتصاد المصري سيكون كبيرا في الوقت الحاضر وعلي المدي البعيد و سيحقق نقلة حضارية في حياة البشر. * الأهرام: هل سيكون للمصريين أي مميزات فيما يتعلق بتخصيص الأراضي حول الطريق لإقامة مشروعات جديدة تسهم في توفير مزيد من فرص العمل ؟ الوزير: بالفعل سيحظي المصريون ببعض المميزات وعلي رأسها أن المشروعات الزراعية في المنطقة المحيطة بالطريق ستكون مقصورة علي المصريين و الأولوية لأبناء المحافظات التي يخدمها الطريق. فنظام حق الإنتفاع للأراضي المحيطة بالطريق للمشروعات الزراعية سيكون لأبناء مصر فقط. * الأهرام: تعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة فاعلا أساسيا في الاقتصاد المصري حيث تمثل نسبة تصل الي90% من حجم المشروعات في مصر. فما هي رؤيتكم لهذا القطاع و كيفية تطويره؟ الوزير: الشركات الصغيرة و المتوسطة تمثل أهمية كبيرة في الاقتصاد المصري حيث أن70% من الشركات يقل رأسمالها عن مليون جنية و تتميز بأن معظمها مشروعات كثيفة العمالة و هذا أمر مهم في ظل الحاجة الي توفير مزيد من فرص العمل و كذلك هي شركات تتميز بالمرونة الكبيرة في توجهاتها وبعضها يستهدف التصدير و البعض الأخر يركز علي السوق المحلية و الشركات التي كانت تستهدف السوق المحلية لم تتأثر بالأزمة العالمية و استطاعت الصمود أمامها. و إيمانا من الوزارة بهذه المشروعات و الرغبة في دعم التوجه الإبداعي لهذه المشروعات فقد تم إنشاء صندوق استثمار للمساهمة في تمويل المشروعات ذات الطابع الإبتكاري برأسمال مليار جنيه, كما تم أخيرا بدء نشاط بورصة النيل للمشروعات الصغيرة والتي تستهدف توفير التمويل اللازم لهذه المشروعات و دعم عملية التوسع فيها وكذلك يتم العمل علي تمويل هذه المشروعات من خلال نشاط التأجير التمويلي والشركات متناهية الصغر. * الأهرام: ما السبب وراء التحول عن إنشاء المناطق الحرة و الاستعاضة عنها بالمناطق الاستثمارية ؟ الوزير: لدينا توجه الآن للتركيز علي إنشاء مناطق استثمارية جديدة و جذب الاستثمارات لها حيث تقدم هذه المناطق العديد من التيسيرات للمستثمرين فهناك12 منطقة استثمارية تم إنشاؤها في عدة محافظات بالقاهرة منطقتان و السادس من أكتوبر4 مناطق و الإسكندرية منطقة و الشرقية منطقتان و الدقهلية منطقة و القليوبية منطقة و الفيوم منطقة واحدة و وتعمل هذه المناطق في عدة مجالات منها الغزل والنسيج والصناعات الخفيفة والبتروكيماويات و إستصلاح الأراضي والأنشطة الزراعية والسياحية و الإعلامية و نستهدف إنشاء17 منطقة أخري. أما المناطق الحرة فهناك عدة مناطق تم إنشاؤها وتعمل بشكل جيد و لذلك تقرر إقتصار هذه المناطق علي أعمال الموانيء و المشروعات ذات القيمة المضافة العالية والتكنولوجياالمتقدمة و كثيفة العمالة و هناك منطقة حرة عامة في مدينة قفط لم يتم استكمالها بعد لذلك لن يتم التوجه لإنشاء مناطق جديدة حتي يتم استكمال هذه المنطقة.