التواصل.. الحب.. العطف.. الحماية.. الإيثار.. الود.. التراحم.. الشهامة.. الجدعنة.. هي كلمات ومعان اختفت تماما من حياتنا, وأصبح واقعنا بدونها قاسيا وجافا, وبلا روح. باردا مثل الصقيع, تمر أيامه بسرعة غريبة, فالكل في عجلة من أمره, لا يري أمامه إلا ما يريد أن يري!.. وما يهمه فقط وما يستهويه.. ولا يشعر بأي مشاعر إيجابية عميقة صادقة تجاه أحد!.. لكنها مشاعر سطحية حسب الحاجة والمصلحة! فإيقاع الحياة المادية السريع يجعلنا نسرع الخطي لنصل إلي لا شيء!.. فضعوط الحياة اليومية, في ظروف قاسية, موحشة, محبطة, تجعلنا رغما عنا, نساير هذا الإيقاع السريع الذي يفقدنا متعة الاستمتاع بأي شيء وبكل شيء. * وها هو شهر رمضان يقترب بكل حلاوته, وبكل نقائه, نأخذ نفسا عميقا خلاله, لنلتفت حولنا ونبحث عن أفراد العائلة الذين بعدنا عنهم كثيرا, فهي فرحة اللقاء بهم في جو إيماني عظيم, وفي سماحة ويسر, فشهر رمضان كما هو شهر الزكاة, وتوزيع الأموال علي الفقراء والمحتاجين, هو أيضا شهر الكلمة الطيبة, ومراعاة الآخرين والاهتمام بهم, والإحساس الصادق باحتياجاتهم الحقيقية, وهو شهر جبر الخواطر, وتوفير الأمان لكل من يفتقده! * وأمثلة عديدة في مجتمعنا في الأيام الماضية, تعطي مؤشرا خطيرا بأن الناس أصبحت بعيدة عن مشاكل البعض الآخر, مثل قصة الفتاة التي نشرت في الصحف, والتي كانت تعاني قصورا عقليا, وتعيش بمفردها في شقة والديها المتوفيين, بشارع بورسعيد, والتي تم اغتصابها, وحملت سفاحا من أحد المجرمين, واضطرت أن تلد في مستشفي حكومي, وجاء رجل شهم وتطوع بالزواج منها ليكتب الطفل باسمه.. ولأن الزواج تم في ظروف غير طبيعية, فقد كانت أيضا حياته معها غير طبيعية, فهو لا يزورها للاطمئنان عليها سوي مرة في الشهر!.. وهكذا, نتيجة لقسوة من حولها, ونتيجة عدم الاهتمام بحالتها الصحية من جانب المحيطين بها, كان مطلوبا منها وهي تعاني قصورا عقليا وتخلفا, أن تكون مسئولة تماما عن طفل رضيع يحتاج للرضاعة وللملبس النظيف.. وكانت النهاية الطبيعية لهذه المأساة أن مات الطفل الرضيع جوعا وعطشا, بينما الأم المريضة عقليا, تعتقد أن طفلها نائم لمدة خمسة أيام متوالية, ولم تقترب منه حتي لا تزعجه!.. واكتشفت الشرطة هذه المأساة, وهي مازالت تؤكد لهم أنه كان نائما لفترة طويلة, وقد كان يمكن إنقاذ هذا الطفل الرضيع, لو دق أحد الجيران بابها, ليسأل عنها أو يطمئن عليها وعلي طفلها, وهي العاجزة عقليا!! ولكن نتيجة لقسوة الناس من حولها, لاقت هذه الأم المريضة عقليا كل هذا العذاب! * ولو أن الناس بدأت تسأل عن بعضها البعض, وتقديم المساعدة, وتوفير الأمان العاطفي للمحتاج, لقلت الجرائم في مجتمعنا!! * وقد يكون اللهث وراء المادة, والطمع من أجلها, والصراع للحصول علي المال بأي طريقة, والاهتمام بالذات فقط, وتجاهل احتياج الآخرين, والبعد عن قول الكلمة الطيبة, وإلغاء المشاركة من قاموس السلوك الإنساني, وراء ذلك الفراغ العاطفي الذي يعيش فيه معظم الناس, وذلك البرود في المشاعر وتلك العصبية الشديدة لدي كثيرين, وذلك الانفعال المستمر نتيجة لافتقاد أواصر الحب والتفاهم والتعاطف والاهتمام.. ونتيجة للظروف الصعبة التي نحياها والضغوط النفسية التي نعانيها, أصبحت الغالبية من الناس منفلتة الأعصاب, فلا نسمع من حولنا إلا صراخا, أو خناقات في الشوارع أو طلقات رصاص, كوسيلة لإنهاء الأزمات!!